مقاصد الأسرة المسلمة وتحديات اتفاقية سيداو
د. نوري حدادي/ تُعد الأسرة الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وقد أولتها الشريعة الإسلامية عناية خاصة، فجعلت لها أحكامًا دقيقة تحفظ كيانها وتحقق مقاصدها الكبرى، ومن أبرزها: حفظ الدين والقيم الأخلاقية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وحفظ النسل، وتحقيق التكافل، وصيانة المجتمع من الانحراف والفساد. غير أنّ الأسرة المسلمة تواجه اليوم تحديات كبرى بفعل الاتفاقيات الدولية ذات التوجه …

د. نوري حدادي/
تُعد الأسرة الركيزة الأساسية لبناء المجتمع، وقد أولتها الشريعة الإسلامية عناية خاصة، فجعلت لها أحكامًا دقيقة تحفظ كيانها وتحقق مقاصدها الكبرى، ومن أبرزها: حفظ الدين والقيم الأخلاقية، وتحقيق الاستقرار الاجتماعي، وحفظ النسل، وتحقيق التكافل، وصيانة المجتمع من الانحراف والفساد.
غير أنّ الأسرة المسلمة تواجه اليوم تحديات كبرى بفعل الاتفاقيات الدولية ذات التوجه الغربي، وعلى رأسها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، التي اعتمدتها الأمم المتحدة سنة 1979م ودخلت حيز التنفيذ في 1981م، وقد صادقت عليها معظم الدول بما فيها دول إسلامية عديدة مع بعض التحفظات.
أولاً: مضامين اتفاقية سيداو وأهدافها
تقوم الاتفاقية على مبدأ المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية والأسرية. ومن أهدافها المعلنة: إزالة التمييز عن المرأة في الحقوق السياسية والتعليم والعمل، وحمايتها من العنف والاستغلال. أما أهدافها غير المعلنة فتشمل: فرض النموذج الغربي للأسرة، إباحة العلاقات غير الشرعية والإجهاض، إلغاء الأحكام الدينية المتعلقة بالأسرة، ونشر ثقافة العولمة وتفكيك البنى الاجتماعية التقليدية.
ثانياً: أبرز بنود اتفاقية سيداو المؤثرة على الأسرة المسلمة
من أخطر بنود الاتفاقية المادة (16) التي تدعو إلى المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في الزواج والعلاقات العائلية، ومن آثارها:
1- إلغاء الولاية في الزواج وإعطاء المرأة الحق المطلق في تزويج نفسها، مما يخالف النصوص الشرعية.
2- إباحة زواج المسلمة بغير المسلم بحجة المساواة مع الرجل.
3- منع تعدد الزوجات باعتباره تمييزًا ضد المرأة، رغم مشروعيته ومقاصده العظمى في الإسلام.
4- إلغاء العدة الشرعية بدعوى المساواة في حرية الزواج بعد الطلاق أو الوفاة.
5- إلغاء القوامة وإعطاء المرأة حرية مطلقة في إدارة شؤونها الأسرية بعيدًا عن دور الزوج.
6- المساواة في الميراث رغم اختلاف الالتزامات المالية بين الجنسين في الإسلام.
7- إباحة التبني وتغيير النسب والسماح بانتساب الابن لأمه، مما يهدد حفظ الأنساب المأمور به شرعا.
8- تشريع الإجهاض والعلاقات خارج الزواج واعتبارها حقًا شخصيًا للمرأة.
9- تحديد سن الزواج بـ18 عامًا وإبطال الزواج قبله، وهو ما يخالف تشريع التبكير في الزواج إذا تحققت ضوابطه الشرعية.
فهذه البنود تمثل انتهاكًا لمقاصد الشريعة في الأسرة، حيث تهدد حفظ النسل والنسب، وتزعزع الاستقرار الاجتماعي، وتفتح الباب أمام الفواحش والانحلال الأخلاقي.
ثالثاً: انعكاسات سيداو على الأسرة المسلمة
أدت اتفاقية سيداو إلى ضغوط على الدول الإسلامية لتعديل تشريعاتها الأسرية، ما نتج عنه صدام بين القوانين الوضعية والأحكام الشرعية. كما ساهمت في نشر مفاهيم مغايرة لثقافة المجتمعات المسلمة، وخلقت إشكاليات تتعلق بالقوامة والولاية والميراث، وأدت إلى تصدعات في البنية الأسرية وارتفاع نسب الطلاق والتفكك الأسري في بعض البلدان التي تبنت بنودها.
رابعاً: سبل المواجهة الشرعية لاتفاقية سيداو
1- تعزيز الوعي الشرعي والاجتماعي بمكانة الأسرة ومقاصدها عبر المساجد ووسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية.
2- صياغة بدائل تشريعية إسلامية تضمن حقوق المرأة والرجل في إطار مقاصد الشريعة، مثل وثيقة حقوق المرأة في الإسلام.
3- سن قوانين وطنية متوافقة مع الشريعة تقي من فرض التشريعات الدولية المخالفة.
4- تفعيل دور المجامع الفقهية لتقديم رؤى معاصرة، ومقارعة الأطروحات الغربية بالحجة العلمية.
5- التحرك الدبلوماسي الإسلامي بتشكيل تحالفات لحماية خصوصية القوانين الأسرية ورفض البنود المناقضة للدين.
6- دعم المرأة اقتصاديًا واجتماعيًا بما يتناسب مع ضوابط الإسلام، وإبراز نماذج نسائية ناجحة.
7- الاستفادة من الأدوات القانونية الدولية للتحفظ على البنود المخالفة، والمطالبة بتعديلات تراعي الخصوصية الثقافية والدينية.
8- تقوية الإعلام الإسلامي لبيان خطورة الاتفاقيات التي تهدد هوية الأمة، وتقديم صورة متوازنة لحقوق المرأة في الإسلام.
وتأسيسا على ما سبق فإن اتفاقية سيداو تتعارض في جوهرها مع أحكام الشريعة ومقاصدها، لكونها تسعى إلى فرض المساواة المطلقة ونمط الحياة الغربي، ما يشكل خطرًا على الأسرة المسلمة. والحل يكمن في التمسك بالشريعة، وتطوير خطاب شرعي معاصر، وتفعيل التحالفات والآليات التي تحمي الهوية الإسلامية في مواجهة مختلف هذه التحديات.