على خُطَى السِّنوار
د.خديجة عنيشل/ يحيى السنوار قبل سنةٍ أو يزيد من اندلاعِ طوفانِ الأقصى قال: «أنا في تقديري خلال أشهرٍ معدودة لن تزيدَ عن العام سنُرغِمُ الاحتلال على أحد خيارين: 1 إما أن نرغمهُ على احترام القانون الدولي وتطبيق القرارت الدولية … 2- وإما أن نجعلَ الاحتلالَ في حالةِ تناقضٍ وتصادمٍ مع الإرادةِ الدولية ونَعزله عزلاً عنيفاً …

د.خديجة عنيشل/
يحيى السنوار قبل سنةٍ أو يزيد من اندلاعِ طوفانِ الأقصى قال: «أنا في تقديري خلال أشهرٍ معدودة لن تزيدَ عن العام سنُرغِمُ الاحتلال على أحد خيارين: 1 إما أن نرغمهُ على احترام القانون الدولي وتطبيق القرارت الدولية … 2- وإما أن نجعلَ الاحتلالَ في حالةِ تناقضٍ وتصادمٍ مع الإرادةِ الدولية ونَعزله عزلاً عنيفاً وشديداً عن العالم ونُنهي حالة اندماجه في المنطقة وفي العالم كله”.
السابعُ أكتوبر المجيد لم يكن خبطَ عشواء، ولم يكن ضربةَ حظٍ لا يُعرَفُ مداها. لقد كان تأريخاً حقيقياً للبشرية يُستأصَلُ فيهِ سرطانُ الصهيونية، وما توقّعهُ السّنوار تحقق فعليا؛ فدولةُ الكيان اليوم منبوذةٌ معزولة كما لم تكن من قبل، ولأول مرةٍ في التاريخ تُلاحَقُ هذه الدولة المارقة من المحاكم الدولية بالرغم من جهود أمريكا وبريطانيا لمنع ذلك. وهي في طريقٍ ينحدرُ بها إلى الهاوية وترامب الذي هو الذراعُ العسكريُّ للصهاينة انجرَّ إلى زاوية ضيّقة بسببِ الممارسات النازية لدولة الاحتلال؛ ومؤخّراً صرّحَ لموقع دايلي كولر قائلاً: «إسرائيل كانت تملك أقوى جماعاتِ ضغطٍ قبل 15 عاماً والآن تضرّرت وبخاصة في الكونغرس» . والرأيُ العام الأمريكي تجاه القضية الفلسطينية يشهدُ تحولاً واضحاً وإن كان هذا التحولُ يتشكّلُ ببطء ولكنه منذ السابع أكتوبر بدا واضحاً أن المحتلَّ الصهيوني يخسرُ كثيراً من المتعاطفين معه والذين باتوا يرون أنَّ ما يجري في غزة هو إبادةٌ حقيقية. مفهومُ (التحالف مع إسرائيل) الذي كان من المُسلَّمات في أمريكا ضُربَ في مقتل وتضعضعَ بشكلٍ لافت. وترامب اليوم أُجبرَ على القول إنه لابد من إنهاءٍ للحرب التي يرى أنها تضرُّ بدولةِ الاحتلال حيث قال لنفس الموقع: إنَّ «إسرائيل قد تربحُ الحرب، لكنها ستخسَرُ في ميدانِ العلاقاتِ العامة، وهذا يُلحقُ بها الضَّرر». ليس هذا فحسب بل إنَّ ما يُقلقُ ترامب هو إمكانية انقلاب السحر على الساحر؛ فاليمينُ المتطرف حليفُهُ والمُقرّب منه بدأت تشقُّهُ عصا الحرب في غزة. فمن كان يظنُّ أن أصواتاً من داخلِ هذا التيار المعروفِ بموالاتهِ للكيان الصهيوني تضيقُ ذرعاً بهذه الحرب الهمجية وترفعُ شعاراً إشكالياً حاداً «أمريكا أولا أم إسرائيل أولا؟» !!
البعيدون عن القضية والذين أُشرِبوا في قلوبهم عجلَ الحياة والمادّة ينظرون إلى هَوْلِ الضريبة التي يدفعها شعبُ غزةَ الأعزلُ الصامد المظلوم ويُحمّلونَ المقاومةَ ذلك لأنَّ نظرتَهم إلى الكون عدميّة، ولأنَّهم عبيدُ شهواتِهم، والدنيا هي منتهى طموحهم لذلك فإنّ حياتَهم وموتَهم سواء لا يُضيفون شيئاً إلى حياةِ البشر. أمّا أهلُ غزة المُلتحمونَ مع ثرى وطنهم سيظلُّ التاريخُ يكتبُ عن يقينِهِم بالله وعن صمودِهم الأسطوري في التمسّك بالأرض والذي ستجني الأجيالُ القادمةُ في غزةَ ثمارَهُ. هذا الصمود الذي جعلَ الصهاينةَ أنفسَهم يعترفون بأنهم دولة غير أخلاقية وأنهم ينهزمون؛ فبحسب وول ستريت جورنال التي أجرت مقابلات مع أكثر من 30 ضابطاً وجندياً في الجيش الصهيوني، كشف ضباطٌ وجنودٌ من جيشِ الاحتلال أن الجيشَ وصلَ إلى نقطةِ الانهيار بعد نحو ِعامينِ من القتال، حيث يعاني الجنود من إنهاكٍ متزايدٍ وتتنامى بينهم الشكوكُ حول جدوى الحرب في وقتٍ يؤكّدون فيه أنَّ القضاءَ على حماس مستحيل بسبب اعتمادِها حربَ العصابات. بينما أشار بعضُ جنودِ الاحتياط إلى توقُّفِهِم عن الخدمة احتجاجًا على ممارساتٍ وُصفت بغير الأخلاقية ضد الفلسطينيين!!
السابع أكتوبر صنعَ ما كان مستحيلاً؛ إذ عزلَ الكيان الصهيوني وألبَسَهُ ثوبَ العار ووَصَمَهُ بالإجرام الوحشيّ الذي وثّقتهُ كلُّ وسائلِ الإعلام ولم يعد ممكناً البتّة خطُّ الرجعة. بل إن دولةَ الكيان وقعت في فخّ المقاومة كما قال الكاتب البريطاني ديفيد هيرست في تقرير نشره موقع «ميدل إيست آي» والذي أكّدَ فيه أن استراتيجيةَ حماس نجحت في هذه الحرب، وذكّرَ قُرّاءَهُ بتصريحٍ للسنوار : أدلى بهِ عام 2022 يرسمُ فيه معالمَ طريق المقاومة، قال فيه «إن تصعيد المقاومة بكلِّ أشكالها وجَعْلَ الاحتلالِ يدفعُ فاتورةَ احتلاله واستيطانه هو الوسيلةُ الوحيدةُ لخَلاصِ شعبِنا وتحقيقِ أهدافهِ في التحريرِ والعودة، ومن لا يُبادر اليوم سيندم غدا، والفضلُ لمن يبادر ويُثبت أنه صادق. لا تسمحوا لأحدٍ أن يُعيدَكم إلى ساحاتِ الخلافاتِ الداخليةِ والتناحر والاقتتال، ليس لدينا وقتٌ لذلك بينما يلوحُ خطرُ الفاشيةِ فوق رؤوسنا» .
إن المقاومةَ بصمودِها وعدم استسلامها أولاً وبرفضها التهجير والخروج خارج القطاع ثانياً نجحت في حرب الصمود والتمسّك بالأرض ورفض الاحتلال الذي سيزولُ لا محالة. صحيحٌ إن كُلفةَ الصمود والمقاومة باهظة وشديدة القسوة ولكن هذا هو سَنَنُ التاريخ في كلِّ الأمم؛ لم يخرج احتلالٌ من أرضٍ دون أن ترتوي بدماءِ أهلها. بل إن غزةَ تفخرُ بقادَةِ مقاومتها الذين تقدّموا صفوفَ المواجهة ولم ينكُصُوا ولم يستسلموا وقدّموا أرواحَهم رخيصةً فداءً لوطنهم، كاسرين أكذوبةَ أنّ القادَةَ لا يكونون في ميادين القتال. لقد أثبتت قياداتُ المقاومة في غزة أنها ملتحمةٌ هي وعوائلُها مع الشعب ومعاناته، وأنها وإيّاه في نفسِ الخندق خندق الجهاد والتحرير. ولعلَّ المتابعين للإعلام العبري يقفون في مراتٍ عديدة على إقرارهِ بشجاعة المقاومة واستبسالها كما حدث مع تلك الافتتاحية الجريئة التي نشرتها صحيفة هآرتس وتُشيدُ باستبسالِ المقاومين في الدفاع عن أرضهم وأنهم كما قالت حرفياً «من أفضلِ شعوبِ الأرض في الدفاع عن حقوقهم» واليوم رئيسُ قسم العمليات السابق في جيش الاحتـ.ــلال، يسرائيل زئيف يقرُّ بعبقرية الاستشراف عند السنوار ويتحدثُ عنه كما لو كان حياً قائلاً : «نبوءةُ السنوار تتحقق؛ فحربُ إسرائيل المبررة صارت غير شرعية، صورتُها تنهار عالميًا، دعمُها الدوليُّ يتراجع، والسنوار ينجحُ بالصعود إلى منصةِ الأمم المتحدة هذا الشهر ليعلنَ قيام دولة فلسطينية»
وعلى صعيد التعاطف العالمي مع أهل غزة الصامدين الصابرين وفي مشاهدَ مؤثرة وصارخة تهتزُّ مدرّجات ملعب نادي أولمبيك مارسيليا خلال آخر مباراة للنادي يعلنون بحناجر قوية تضامنَهم مع غزة وفلسطين!! . وأسطول الحرية والصمود يمضي بشجاعةٍ وجرأة يمخرُ عُبابَ الصّلف الصهيوني ويشقُّ همجيةَ دولةِ الاحتلال من أجل عيونِ غزة الحزينة، لا يمكنُ لأحدٍ أن يُشكِّكَ في نوايا هذا الأسطول الأسطوري الذي قصمَ ظهرَ العرب والمسلمين حين وضعهم في زاويةٍ شديدةِ البؤسِ وشديدةِ الألم وأجبرهم على طرحِ سؤالٍ قاتل: أين النخبُ العربيةُ والإسلاميةُ الثقافيةُ والعلميةُ والدينيةُ والاقتصاديةُ …؟؟ لماذا لم يركب أحدٌ منهم البحرَ رهواً ؟؟ لماذا اصطفُّوا إلى ابنِ نوح وقد دعاهُ أبوه: ﴿وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ إلى متى تعزِلُ نُخبُنا نفسَها وتكفر بقضيتِها الكبرى التي فيها نجاتُها؟؟ ففي حين يقفُ عمّالُ النقاباتِ في أوروبا وعلى رأسهم عمّالُ ميناء جنوة الإيطالي وقفةَ الشجعان قبل انطلاق أسطول الحرية إلى غزة مُهدّدين دولةَ الاحتلال بأعلى صوت: «إذا فقدنا الاتصال بقواربنا مع رفاقنا من الرجالِ والنساء لمدّةِ 20 دقيقة فإننا نقطعُ الاتّصال بأوروبا كاملةً». وفي مرسيليا يرفضُ عمالُ الميناء تحميلَ الأسلحة إلى دولةِ الكيان المجرم ويوقفونَ سفينةً مُحمّلةً بالأسلحة تتجهُ إليها. وفي اليونان قام عمّالُ الموانئ بتبديل مجرى الحاويات المحمّلةِ بالذخائرِ الحربية. وفي السويد أعلنَ اتحادُ الموانئ حظراً كاملاً للتجارة العسكرية. وفي البحرين يتسلّمُ وزيرُ الخارجيةِ البحريني أوراقَ اعتماد السفير الصهيوني الجديد. إنهُ الاستبدال.
﴿واللهُ غالبٌ على أمره ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يعلمون﴾