مع الدكتورة نهى عدنان القاطرجي ” الباحثة في قضايا المرأة والأسرة “
حاورتها: د. حجيبة شيدخ/ في زمن تباينت فيه الرؤى حول المرأة والأسرة في العالم بين دعاة الحداثة والتغريب، ودعاة الحفاظ على الهوية الإسلامية، تظهر شخصيات علمية إسلامية، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، على وعي وعلم كبير بما يحاك للمرأة والأسرة المسلمة من قبل الاتفاقيات الدولية، والمخططات النسوية الشاردة، ومن هذه الشخصيات المميزة الأكاديمية اللبنانية الدكتورة نهى …

حاورتها: د. حجيبة شيدخ/
في زمن تباينت فيه الرؤى حول المرأة والأسرة في العالم بين دعاة الحداثة والتغريب، ودعاة الحفاظ على الهوية الإسلامية، تظهر شخصيات علمية إسلامية، تجمع بين الأصالة والمعاصرة، على وعي وعلم كبير بما يحاك للمرأة والأسرة المسلمة من قبل الاتفاقيات الدولية، والمخططات النسوية الشاردة، ومن هذه الشخصيات المميزة الأكاديمية اللبنانية الدكتورة نهى القاطرجي.
كرست الدكتورة نهى القاطرجي جهودها العلمية للدفاع عن الثوابت الإسلامية، وكشف زيوف ما تفرضه الاتفاقيات الدولية والحركات النسوية على المجتمع الإنساني والإسلامي بخاصة. زاوجت في مسارها العلمي بين الأدب والدراسات الإسلامية، حصلت على شهادة الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، من كلية الإمام الأوزاعي، وكان عنوان رسالتها: جريمة الاغتصاب في ضوء الشريعة الإسلامية الذي طبع كتابا فيما بعد. أشرفت على مجموعة كبيرة من رسائل الماجستير والدكتوراه، وتعتبر من النساء القلائل اللاتي تميزن بغزارة الانتاج العلمي. لها مجموعة كبيرة من الكتب منها: الاغتصاب دراسة نفسية اجتماعية، والمرأة في منظومة الأمم المتحدة، والحركة النسوية في لبنان، وكتاب: المصطلحات الدولية حول المرأة. وكتاب: الشذوذ الجنسي وأثره على العالم العربي. والمرأة بين التحرير والتغرير، وحجاب المرأة المسلمة حرية أم قهر، وكتاب مشترك مع الدكتور علي دحروج بعنوان: الأخلاق دراسة تاريخية فكرية إسلامية وآخر مع د. عزمي السيد أحمد بعنوان: رجال أهل البيت…
وعرفت الدكتورة نهى بنشاطها الدائم في المؤتمرات المحلية والدولية، ومنها:” قراءة إسلامية في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة CEDAW)” في إطار مؤتمر ” أحكام الأسرة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقات والإعلانات الدولية” جامعة طنطا-مصر، في الفترة ما بين 7-9- تشرين الأول عام 2008م.و بحث تحت عنوان: “العنف الأسري بين الإعلانات الدولية والشريعة الإسلامية ” في إطار الدورة التاسعة عشرة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي – الشارقة، في الفترة ما بين 26- 30 نيسان عام 2009م .و بحث تحت عنوان ” الإلزام الداخلي من قبل التجمعات النسوية والليبرالية في البلاد العربية لمطالب المؤتمرات والاتفاقيات الدولية حول المرأة ” في إطار مؤتمر اتفاقيات ومؤتمرات المرأة الدولية واثرها على العالم الإسلامي، في الفترة ما بين 28 ربيع الآخر – 1 جمادى الأولى 1431هـ 15-13 أبريل 2010 م مملكة البحرين. وبحث تحت عنوان: ” قوانين الأسرة بين الشريعة الإسلامية والاتفاقيات الدولية « في إطار المؤتمر الإسلامي الرابع للشريعة والقانون بعنوان: “التحديات العلمانية في مجال تشريعات الأحوال الشخصية – جامعة طرابلس، 27-5- 2011 إلى 29-5- 2011….
تميزت كتابات الدكتورة بالرسالية، والإحاطة بالإشكالات الجديدة في مجال الأسرة، والقدرة على المناقشة العلمية الهادفة، فأصبح انتاجها العلمي والفكري من أهم مراجع الباحثين في هذا المجال.
والدكتورة مستشارة في شؤون الأسرة على موقع: المستشار، وموقع الإسلام اليوم. وهي عضو في رابطة الأدب الإسلامي منذ سنة 2003م. ولها صفحة خاصة على موقع صيد الفوائد.
أردنا أن نقترب أكثر من الدكتورة نهى من خلال هذا الحوار، لننقل للقارئ تجربتها الناجحة في مجال البحث العلمي والكتابة الهادفة لمعالجة قضايا المرأة والأسرة …
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أهلا دكتورة نهى: عرفناك من خلال انتاجك العلمي، نريد أن تعرفينا أنت بنهى القاطرجي المرأة العالمة ؟
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، في البداية أريد أن أشكرك على ثقتك بي وعلى وصفك لي بالعالمة، هذه صفة لا أدعيها، ليس تواضعًا، ولكن من باب الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، وأنا أفضل وصف “الباحثة في قضايا المرأة والأسرة “، ذلك أنني بفضل من الله عز وجل بدأت البحث في هذه القضايا منذ تخرجي من الدكتوراه تقريباً، واخترت أن تكون أبحاثي في معظمها تتعلق بالمخططات الدولية حول المرأة والأسرة وخطرها على العالم العربي والإسلامي.
كتبك تعالج قضايا المرأة والأسرة بخاصة، ما السر في توجهك للبحث في هذا المجال؟
الواقع أن اختياري موضوع المرأة والأسرة في المخططات الدولية يعود بعد فضل الله عز وجل إلى مدير جامعة الأوزاعي للدراسات الإسلامية التي تخرجت منها وانتسبت إلى طاقمها الأكاديمي، إذ كان “الحاج توفيق الحوري” رحمه الله تعالى حريصًا على متابعة أخبار الدورات والمؤتمرات التي تقام في لبنان وخارجه، وكان يرسل الأساتذة للمشاركة فيها، ولقد كان نصيبي المشاركة في دورة حول الاتفاقيات الدولية وخاصة اتفاقية السيداو، وأذكر تمامًا أنني فوجئت بالمعلومات التي زودونا بها خلال تلك الدورة ، إلا أنني لم استفد منها إلا بعد فترة من الزمن حينما قررت أن أكتب كتابي الأول ” المرأة في منظومة الأمم المتحدة” حيث فوجئت بكمية الأضاليل التي وجدتها عند تجميعي للمعلومات مما دفعني إلى تغيير مسار بحثي من المرأة في الإسلام والشبهات التي تدور حولها إلى المرأة في الاتفاقيات الدولية .
هل ترين أن المرأة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، تسير في الطريق السليم؟
هناك للأسف أنواع عدة من النساء المسلمات في العالم العربي والإسلامي، فهناك المرأة المسلمة النموذجية التي يهمها بيتها وأسرتها وتقوم بفروضها الإسلامية المعتادة دون أي معرفة بما يدور حولها من مخططات، وهناك المرأة المسلمة على الهوية، كما أحب أن أسميها، إلا أنها تأثرت بنهج العولمة في كل حياتها حتى أنك تكادين لا تميزين بينها وبين غيرها من النساء في العالم الغربي، وهناك المرأة المسلمة المثقفة بدينها والمعتزة به، تحاول جاهدة أن تكشف المخططات الدولية، وهناك المرأة المسلمة التي اتخذت نهج النسوية متأثره بالجمعيات والحركات النسوية في العالم العربي التي تحاول أن تستقطب فريقا كبيرا من النساء المتعلمات، وتعمل بجهد معهن على تغيير القوانين المحلية والشرعية التي تحتكم إليها المحاكم الشرعية، وفريق من هؤلاء يسعين إلى تقديم تفسير معاصر للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة حتى يتناسب مع الرؤية الأممية حول المرأة والأسرة، وللأسف كل نوع من هذه الأنواع يختلف في منطلقاته وأهدافه عن الآخر، ولهذا نعم، هناك بعض النسوة في عالمنا العربي والإسلامي ممن أضاع البوصلة في كثير من الأحيان.
ما رأيك بالنسوية الإسلامية، وما تقييمك لنشاط الحركات النسوية في المجتمعات العربية والإسلامية؟
لا أحب استخدام تعبير “نسوية إسلامية” لأن النسويات في الغالب سواء كن عربيات أم اسلاميات يحاولن ليّ النصوص الإسلامية كي تتوافق مع الرؤية الأممية حول المرأة والأسرة، كما أنهن يطالبن بإعادة قراءة التاريخ والنصوص الإسلامية القديمة لأنها بنظرهن كتبت من قبل الرجال، هذا النوع من النساء لا يمكن أن نسميهن إسلاميات بل هن بوق من أبواق الغرب، أما العالمات المسلمات الصادقات اللواتي يبذلن جهدهن لإعلاء هذا الدين وكشف المخططات الخارجية لهدمه، فهؤلاء أحق من يطلق عليهن لقب “عالمات”.
الدكتورة نهى غزيرة التأليف مقارنة بالأكاديميات في العالم الإسلامي: متى تكتبين؟ ولمن تكتبين؟
هذه الأسئلة سبق أن سئلت عنها منذ أكثر من ثلاثين سنة عندما كنت أكتب مقالا شهريًا في مجلة “منبر الداعيات” إلا انني الآن قد أجيب عن هذه الأسئلة بشكل مختلف، إذ أن كتابة المقالات في السابق كانت رهينة اللحظة والواقع، وكنت كلما تأثرت بموضوع ما كتبت عنه، أما اليوم وبعد أن فرغت الصحافة من مضمونها وبات الناس لا يقرؤون إلا النصوص القصيرة على صفحات التواصل الاجتماعي، وتأثرت طباعة الكتب بالوضع السياسي والاقتصادي والسياسي، إضافة إلى الأمور الشخصية والانشغالات اليومية، لم يعد لي الشغف الذي كان لدي سابقًا، حتى أن آخر كتابين كتبتهما وهما “حجاب المرأة المسلمة .. حرية أم قهر؟” وكتاب “الأسرة في ظل العولمة… دراسة حالة لبنان” طُبعا بعد فترة من كتابتهما بسبب الأوضاع التي ذكرتها سابقًا … لذلك أنا اليوم لا أكتب إلا إذا طلب مني ذلك، وذلك خشية أن يكون نصيب هذه الكتابات الأدراج …. وأدعو الله عز وجل أن يغير الحال إلى أحسن.
هل يعتبر البحث العلمي عائقا أمام البناء الأسري الناجح؟
البحث العلمي لا يمكن أن يكون عائقًا أمام البناء الأسري إذا أحسنت المرأة تنظيم وقتها، علمًا أنه في كثير من الأحيان قد يكون ذلك على حسابها وحساب راحتها، لأن العمل الذي تقوم به من تربية الأولاد والاهتمام بالمنزل، لا يمكن أن يقوم بهما غيرها مهما كان لديها من وسائل مساعدة . كما أن مشكلة أخرى يمكن أن تواجهها ألا وهي قدرتها على التنقل بين المكتبات بسهولة، خاصة أن وقت افتتاح المكتبات قد يترافق مع وقت خروج الأطفال من المدارس أو وقت القيام بالالتزامات البيتية والمعيشية، وإن كان وجود المكتبات الالكترونية اليوم قد سهل كثيرًا الوصول إلى أهم المصادر والمراجع ـ … تبقى مشكلة واحدة وهي وجود الرغبة وانتفاء التعب، لأنه كما تعلمين هذان أمران قد لا يتوافران في أي وقت … وانا أذكر عند كتابتي لكتاب “الحركة النسوية في لبنان” كنت أكتب بعد صلاة الفجر حتى أتمكن أن أنهي الكتاب في الوقت المحدد .
كتابك المصطلحات الدولية حول المرأة والأسرة، كتاب ضخم ثري بالمعلومات، رائد في مجاله، هل أخذ منك تأليفه وقتا طويلا؟
لم يأخذ مني الكثير من الجهد والوقت لسببين: الأول استغلالي لمكتبة “جامعة الإمام الأوزاعي” التي تحتوي على كتب وموسوعات ضخمة، والثاني أنني عندما كتبته كان لدي تقريبًا رصيد كبير من المعلومات حول هذه المصطلحات والاتفاقيات الدولية، وكنت مستوعبة للموضوع بشكل كبير على عكس أول كتاب وهو “المرأة في منظومة الأمم المتحدة” الذي كنت خلال كتابتي له في مراحل الاستكشاف الأولى.
ونحن نمر بضجة إعلامية واستنكار كبير، حول رفع الجزائر التحفظ على بعض مواد اتفاقية سيداو (المادة 15الفقرة 4)، ما رأيك بهذه الاتفاقية وما مخاطرها على الأسرة المسلمة؟
اتفاقية السيداو اتفاقية خطيرة جدًا، فيها كثير من البنود المثيرة للجدل لذلك قامت معظم الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية بوضع التحفظات عليها، ومن بينها الجزائر، أما المادة التي رفعت الجزائر التحفظ عنها وهي التي تنص على حق المرأة في حرية التنقل واختيار محل السكن والإقامة على قدم المساواة مع الرجل فهي خطيرة جدا، كونها تسمح للمرأة ان تقيم في سكن مستقل عن زوجها تختاره بنفسها كما يختار الرجل سكنه أيضًا، وهذا بحد ذاته يؤسس للاستقلالية التامة للمرأة عن زوجها وعن البيت الزوجي. ورب قائل أن هذه المادة تتعلق باختيار البيت الزوجي وليس البيت المستقل، إلا أن هذا الأمر غير صحيح كون هذا الأمر يحصل في الغالب عند تأسيس الزوجين لمكان سكنهما، فإذا كان هذا الأمر تحصيل حاصل فما الحاجة إلى تكريسه في اتفاقية دولية، اللهم إلا إذا كان وراء الأكمة ما وراءها.
أما عن مخاطر هذا الاتفاقية فعديدة قد لا يتسع المجال لذكرها، منها :
1- معارضتها الصريحة للدين والأخلاق والقيم عبر التقليل من أهمية الزواج والدعوة إلى الإباحية والانحلال.
2- احتواؤها على مواد تؤدي إلى تغيير جذري في المجتمع كإلغاء دور الأم وتحديد صلاحيات الأب .
3- دعوتها إلى إبطال القوانين والأعراف والتشريعات الدينية واستبدالها بالإعلانات العالمية والاتفاقات الدولية.
4- إلغاؤها لثقافات الشعوب وحضاراتهم ودعوتها إلى آحادية ثقافية في ظل العولمة.
5- مخالفتها لميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على احترام التنوع الثقافي الديني في الدول . … وغير ذلك كثير.
ما هي الرسالة التي توجهينها للمرأة والأسر المسلمة في وقتنا الحالي؟
لا أحب أن أضع نفسي بموضع الواعظ، ولكن أنصح المرأة المسلمة كما أنصح نفسي أن تزن كل عمل تقوم به وكل قول تتفوه به بميزان الشرع الإسلامي، فما يتوافق مع تعاليم هذا الدين الحنيف تمضي به، وما يخالفه تتركه عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَن ترك شيئًا اتِّقاء الله عوَّضه الله خيرًا منه)، ولتتفكر المرأة المسلمة في أن أي رأي مناهض لتعاليم الدين الحنيف والعمل على نشره لا تقتصر خطورته على المرأة وحدها، بل على الأسرة المسلمة التي هي أمانة في أعناقنا، وإذا لم نحفظ هذه الأمانة ونصنها فإن التغيير الذي طرأ على الأسرة في الغرب يمكن أن يطالها هي أيضاً، فتبطل عندئذ أحكام الزواج والطلاق والإرث، ويصبح زواج المسلمة من النصراني أمراً عادياً ومقبولاً، ويبطل دور الرجل في الأسرة فلا قوامة ولا ولاية ولا حق في إبرام الطلاق، وغير ذلك من الأمور التي، إن حدثت، تكون الاتفاقيات الدولية قد أدت مهمتها على أكمل وجه .