ثوانٍ تحسم قضايا.. "نقرة على منصة رقمية" تختصر المسافة بين المواطن والقضاء

 في مشهد عالمي تُعيد فيه التكنولوجيا رسم ملامح الحياة المعاصرة، لم يعد التحول الرقمي ترفًا إداريًا أو خيارًا مؤسساتيًا، بل ضرورة استراتيجية تمليها ديناميكية العصر لتسهيل الحياة العادية على المواطنين، والعدالة بتعقيداتها الإدارية تقع في مقدمة القطاعات المعنية بهذا التحول. فمن قاعات المحاكم الافتراضية التي تختصر المسافات، إلى منظومات الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل السوابق القضائية، يتقدّم كذلك "التقاضي الإلكتروني" كأحد أعمدة الإجراءات الحديثة: إيداع العرائض والدعاوى عن بُعد، تبادل المذكرات رقمياً، الاطلاع الفوري على الملف القضائي، دفع الرسوم إلكترونياً، التبليغ بختمٍ زمنيّ موثّق، والتوقيع الإلكتروني الذي يصون الأثر الإجرائي ويُحكم سلسلة الحيازة. هكذا يشهد العالم إعادة تعريف جذرية لمفهوم العدالة، تتجاوز الشكل الإجرائي لتلامس عمق الفلسفة القضائية ذاتها. وفي هذا السياق، خطت الجزائر منذ أكثر من عقد خطوات متسارعة عبر مشروع "الجزائر الإلكترونية"، فاتحةً الباب أمام رقمنة المرافق الحيوية وفي مقدمتها القضاء، لتنبثق من هذا المسار "النيابة الإلكترونية" كأحد أبرز تجليات العدالة الرقمية، فيما تعمل وزارة العدل على تكريس "التقاضي الإلكتروني" كمفهوم وإطار عمل، لتحويل رحلة المتقاضي من الورق إلى الشاشة ضمن خدمة موحّدة وإجراءات مؤمَّنة. تُبنى منظومة عمل متكاملة تُوحِّد القنوات الرقمية من الإيداع إلى التبليغ، وتُرسِّخ قابلية التتبّع والأرشفة المؤتمتة، وبترابطٍ بينيّ مع الضبطية القضائية والهيئات الإدارية يسرّع تدفق المعلومة وحركة الملف ويقلّل الاحتكاك الورقي.   توسيع المحفظة الرقمية.. من تصحيح الحالة المدنية إلى رد الاعتبار عبر النيابة الإلكترونية   في ذروة اختناقٍ قضائي طال أمده، حسمت وزارة العدل الانتقال من منطق الملف الورقي إلى منطق المنصّة والمعالجة الرقمية، على قاعدة تشريعية وهندسية متماسكة تجعل "لغة البيانات" هي الوعاء الطبيعي للإجراء القضائي. فمن القانون 15/03، الذي دشّن عصرنة المرفق بإنشاء "المنظومة المعلوماتية المركزية" والإشهاد على صحة الوثائق الإلكترونية وتنظيم الإرسال الرقمي واستعمال المحادثة المرئية عن بُعد، إلى القانون 15/04 الذي منح التوقيع والتصديق الإلكترونيين حجّيتهما الإجرائية، ثم الأمر 20/04 الذي فصّل الأحكام الإجرائية لاستخدام تقنية المحادثة المرئية عن بعد في الإجراءات الجزائية والتي أثبتت نجاعة منقطعة النظير في استمرارية المرفق أثناء فترة جائحة كوفيد 19، الأمر الذي شكل مسار متدرّج و أثبت الرقمنة في العدالة كأداة إنفاذ لا كزينة تقنية.  بالتوازي، صُمّمت شبكة قطاعية آمنة بتقنية Ethernet تتفرع إلى شبكات محلية تغطي الجهات القضائية والمؤسسات العقابية لضمان تبادل آني ومشفّر للمعطيات الحسّاسة، مع إعادة هيكلة لقواعد البيانات المركزية وإطلاق بوابة خدماتية مكّنت المواطن من استخراج صحيفة السوابق القضائية وشهادة الجنسية دون احتكاك بيروقراطي. على هذا الأساس، دخلت "النيابة الإلكترونية" حيّز الخدمة سنة 2020 بوصفها واجهة للمعالجة الرقمية: استقبال الشكاوى والبلاغات عبر استمارة معيارية، إنشاء الملف رقمياً، إسناد رقم تعريفي، تتبّع آني لمآل الإجراء، وسلسلة ثقة رقمية قوامها الهوية الإلكترونية والختم الزمني وسجلّ تدقيق يحفظ الأثر. إقرأ أيضا:   رئيس الجمهورية: الجزائر تسير بخطوات ثابتة في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي   وفي عرض وزير العدل أمام البرلمان شهر ماي 2025، جرى تثبيت هذا الخيار: المستقبل القضائي يُكتب بلغة البيانات، والنيابة الإلكترونية ركيزة تحديث سلطة الاتهام عبر تكاملٍ بينيّ مع الضبطية القضائية وبعض الهيئات الإدارية لتسريع تدفّق المعلومة وحركة الملف، مع توسيع مرتقب للمحفظة الخدماتية لتشمل تصحيح الحالة المدنية، وطلبات رفع اليد عن المحجوز، وردّ الاعتبار، وكذا تصحيح الأخطاء المادية عبر القناة الرقمية ذاتها.  تشريعياً، تبرز القفزة الأهم في مشروع تعديلات قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما المادة 406، بإضفاء الحجية الكاملة على التبليغ الإلكتروني عبر الرسائل النصيّة أو البريد الإلكتروني ووضعه في مرتبة التبليغ الشخصي، بما يعني الانتقال من زمن الآجال المعقّدة إلى "نقرة" مُحكَمة تُقلّص الكلفة والمهلة وتزيد يقين الوصول.   الجزائر توازن بين ضرورة الرقمنة وسيادة القانون    على إثر هذا المسار التشريعي والتقني الذي رسّخ حضور المنصة منذ 2020، ترى الأستاذة الباحثة في القانون بجامعة منتوري- قسنطينة، عواطف لوز، أن النيابة الإلكترونية في الجزائر لا يمكن اختزالها في كونها مجرد منصة رقمية لتلقي الشكاوى أو تسريع الإجراءات، بل هي تحوّل هيكلي يُعيد رسم ملامح سلطة الاتهام وطبيعة العمل القضائي برمته. هذا الانتقال، كما تشرح الباحثة في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية ينقل مسار العدالة من بيئة ورقية متشعبة إلى منظومة رقمية مترابطة، تبدأ من لحظة إيداع الشكوى أو الطلب عبر استمارة إلكترونية معيارية، مرورًا بالتبليغ الفوري وتتبع الملف في الزمن الحقيقي، وصولًا إلى غلق الإجراء أو إحالته، في دورة عمل مؤمنة وموثقة بالكامل. وتلفت الباحثة لوز إلى أن القيمة الحقيقية لهذا التحوّل لا تكمن فقط في تقليص الآجال الإجرائية وخفض التكاليف الإدارية، بل في إعادة صياغة مفهوم "العدالة الإجرائية" نفسها، بحيث تصبح السرعة والشفافية جزءًا من بنيتها الجوهرية، لا امتيازًا ظرفيًا.غير أن هذا المكسب، تضيف، يضع المنظومة أمام اختبار مزدوج: تقني وقانوني. إقرأ أيضا:    الذكرى الـ63 لاسترجاع السيادة الوطنية: الجزائر تواصل مسار التحول الرقمي وترسيخ دعائم سيادتها فمن الناحية التقنية، يتطلب الأمر قدرة عالية على حماية سرية المعطيات الحساسة، تحصين البنية التحتية ضد الهجمات السيبرانية، وضمان استمرارية الخدمة حتى في حالات الطوارئ أو الأعطال الكبرى. ومن الناحية القانونية، يستند المشروع إلى القانون 18/07 المتعلق بحماية البيانات الشخصية، المعدل في جويلية 2025، والذي يفرض قيودً

أغسطس 13, 2025 - 20:51
 0
ثوانٍ تحسم قضايا.. "نقرة على منصة رقمية" تختصر المسافة بين المواطن والقضاء
ثوانٍ تحسم قضايا.. "نقرة على منصة رقمية" تختصر المسافة بين المواطن والقضاء

 في مشهد عالمي تُعيد فيه التكنولوجيا رسم ملامح الحياة المعاصرة، لم يعد التحول الرقمي ترفًا إداريًا أو خيارًا مؤسساتيًا، بل ضرورة استراتيجية تمليها ديناميكية العصر لتسهيل الحياة العادية على المواطنين، والعدالة بتعقيداتها الإدارية تقع في مقدمة القطاعات المعنية بهذا التحول.

فمن قاعات المحاكم الافتراضية التي تختصر المسافات، إلى منظومات الذكاء الاصطناعي القادرة على تحليل السوابق القضائية، يتقدّم كذلك "التقاضي الإلكتروني" كأحد أعمدة الإجراءات الحديثة: إيداع العرائض والدعاوى عن بُعد، تبادل المذكرات رقمياً، الاطلاع الفوري على الملف القضائي، دفع الرسوم إلكترونياً، التبليغ بختمٍ زمنيّ موثّق، والتوقيع الإلكتروني الذي يصون الأثر الإجرائي ويُحكم سلسلة الحيازة. هكذا يشهد العالم إعادة تعريف جذرية لمفهوم العدالة، تتجاوز الشكل الإجرائي لتلامس عمق الفلسفة القضائية ذاتها.

وفي هذا السياق، خطت الجزائر منذ أكثر من عقد خطوات متسارعة عبر مشروع "الجزائر الإلكترونية"، فاتحةً الباب أمام رقمنة المرافق الحيوية وفي مقدمتها القضاء، لتنبثق من هذا المسار "النيابة الإلكترونية" كأحد أبرز تجليات العدالة الرقمية، فيما تعمل وزارة العدل على تكريس "التقاضي الإلكتروني" كمفهوم وإطار عمل، لتحويل رحلة المتقاضي من الورق إلى الشاشة ضمن خدمة موحّدة وإجراءات مؤمَّنة. تُبنى منظومة عمل متكاملة تُوحِّد القنوات الرقمية من الإيداع إلى التبليغ، وتُرسِّخ قابلية التتبّع والأرشفة المؤتمتة، وبترابطٍ بينيّ مع الضبطية القضائية والهيئات الإدارية يسرّع تدفق المعلومة وحركة الملف ويقلّل الاحتكاك الورقي.

 

توسيع المحفظة الرقمية.. من تصحيح الحالة المدنية إلى رد الاعتبار عبر النيابة الإلكترونية

 

في ذروة اختناقٍ قضائي طال أمده، حسمت وزارة العدل الانتقال من منطق الملف الورقي إلى منطق المنصّة والمعالجة الرقمية، على قاعدة تشريعية وهندسية متماسكة تجعل "لغة البيانات" هي الوعاء الطبيعي للإجراء القضائي. فمن القانون 15/03، الذي دشّن عصرنة المرفق بإنشاء "المنظومة المعلوماتية المركزية" والإشهاد على صحة الوثائق الإلكترونية وتنظيم الإرسال الرقمي واستعمال المحادثة المرئية عن بُعد، إلى القانون 15/04 الذي منح التوقيع والتصديق الإلكترونيين حجّيتهما الإجرائية، ثم الأمر 20/04 الذي فصّل الأحكام الإجرائية لاستخدام تقنية المحادثة المرئية عن بعد في الإجراءات الجزائية والتي أثبتت نجاعة منقطعة النظير في استمرارية المرفق أثناء فترة جائحة كوفيد 19، الأمر الذي شكل مسار متدرّج و أثبت الرقمنة في العدالة كأداة إنفاذ لا كزينة تقنية.

 بالتوازي، صُمّمت شبكة قطاعية آمنة بتقنية Ethernet تتفرع إلى شبكات محلية تغطي الجهات القضائية والمؤسسات العقابية لضمان تبادل آني ومشفّر للمعطيات الحسّاسة، مع إعادة هيكلة لقواعد البيانات المركزية وإطلاق بوابة خدماتية مكّنت المواطن من استخراج صحيفة السوابق القضائية وشهادة الجنسية دون احتكاك بيروقراطي. على هذا الأساس، دخلت "النيابة الإلكترونية" حيّز الخدمة سنة 2020 بوصفها واجهة للمعالجة الرقمية: استقبال الشكاوى والبلاغات عبر استمارة معيارية، إنشاء الملف رقمياً، إسناد رقم تعريفي، تتبّع آني لمآل الإجراء، وسلسلة ثقة رقمية قوامها الهوية الإلكترونية والختم الزمني وسجلّ تدقيق يحفظ الأثر.


إقرأ أيضا:   رئيس الجمهورية: الجزائر تسير بخطوات ثابتة في مجال الرقمنة والذكاء الاصطناعي  


وفي عرض وزير العدل أمام البرلمان شهر ماي 2025، جرى تثبيت هذا الخيار: المستقبل القضائي يُكتب بلغة البيانات، والنيابة الإلكترونية ركيزة تحديث سلطة الاتهام عبر تكاملٍ بينيّ مع الضبطية القضائية وبعض الهيئات الإدارية لتسريع تدفّق المعلومة وحركة الملف، مع توسيع مرتقب للمحفظة الخدماتية لتشمل تصحيح الحالة المدنية، وطلبات رفع اليد عن المحجوز، وردّ الاعتبار، وكذا تصحيح الأخطاء المادية عبر القناة الرقمية ذاتها.

 تشريعياً، تبرز القفزة الأهم في مشروع تعديلات قانون الإجراءات المدنية والإدارية، لا سيما المادة 406، بإضفاء الحجية الكاملة على التبليغ الإلكتروني عبر الرسائل النصيّة أو البريد الإلكتروني ووضعه في مرتبة التبليغ الشخصي، بما يعني الانتقال من زمن الآجال المعقّدة إلى "نقرة" مُحكَمة تُقلّص الكلفة والمهلة وتزيد يقين الوصول.

 

الجزائر توازن بين ضرورة الرقمنة وسيادة القانون

 

 على إثر هذا المسار التشريعي والتقني الذي رسّخ حضور المنصة منذ 2020، ترى الأستاذة الباحثة في القانون بجامعة منتوري- قسنطينة، عواطف لوز، أن النيابة الإلكترونية في الجزائر لا يمكن اختزالها في كونها مجرد منصة رقمية لتلقي الشكاوى أو تسريع الإجراءات، بل هي تحوّل هيكلي يُعيد رسم ملامح سلطة الاتهام وطبيعة العمل القضائي برمته.

هذا الانتقال، كما تشرح الباحثة في تصريح لوكالة الأنباء الجزائرية ينقل مسار العدالة من بيئة ورقية متشعبة إلى منظومة رقمية مترابطة، تبدأ من لحظة إيداع الشكوى أو الطلب عبر استمارة إلكترونية معيارية، مرورًا بالتبليغ الفوري وتتبع الملف في الزمن الحقيقي، وصولًا إلى غلق الإجراء أو إحالته، في دورة عمل مؤمنة وموثقة بالكامل.

وتلفت الباحثة لوز إلى أن القيمة الحقيقية لهذا التحوّل لا تكمن فقط في تقليص الآجال الإجرائية وخفض التكاليف الإدارية، بل في إعادة صياغة مفهوم "العدالة الإجرائية" نفسها، بحيث تصبح السرعة والشفافية جزءًا من بنيتها الجوهرية، لا امتيازًا ظرفيًا.غير أن هذا المكسب، تضيف، يضع المنظومة أمام اختبار مزدوج: تقني وقانوني.


إقرأ أيضا:    الذكرى الـ63 لاسترجاع السيادة الوطنية: الجزائر تواصل مسار التحول الرقمي وترسيخ دعائم سيادتها


فمن الناحية التقنية، يتطلب الأمر قدرة عالية على حماية سرية المعطيات الحساسة، تحصين البنية التحتية ضد الهجمات السيبرانية، وضمان استمرارية الخدمة حتى في حالات الطوارئ أو الأعطال الكبرى. ومن الناحية القانونية، يستند المشروع إلى القانون 18/07 المتعلق بحماية البيانات الشخصية، المعدل في جويلية 2025، والذي يفرض قيودًا صارمة على جمع البيانات، تحديد مدة الاحتفاظ بها، وضبط نقلها خارج الحدود، تحت رقابة السلطة الوطنية المختصة.

 ومع كل هذه الضوابط، تُشدد لوز على أن الضمان الإجرائي يظل حجر الزاوية، إذ لا يمكن المساس بحق الدفاع أو حرمان الأطراف من إمكانية الطعن في أي إجراء رقمي، مع الإبقاء على خيار العودة إلى الطرق التقليدية متى استدعت الضرورة ذلك، حفاظًا على مقومات المحاكمة العادلة وتكريسًا لسيادة القانون. بهذا المعنى، تصبح النيابة الإلكترونية أداة لعدالة أسرع وأكثر شفافية، دون أن تتحول إلى ذريعة لتقليص الحقوق أو تهميش الضمانات التي يقوم عليها النظام القضائي.

 

رقمنة مبكرة وعدالة مترابطة

 

بحسب الخبير في تكنولوجيا المعلومات، يزيد أقدال، فإن رقمنة قطاع العدالة في الجزائر لم تأتِ كاستجابة متأخرة لإملاءات العصر، بل كخيار استراتيجي مبكّر جعل من هذا القطاع واحداً من الطلائع التي دشّنت الانتقال من بيئة العمل الورقية إلى فضاء المعالجة الرقمية الممنهجة. ويؤكد أقدال أن إطلاق خدمة "النيابة الإلكترونية" يشكّل امتداداً عضوياً لمنظومة خدمات رقمية متكاملة سبقت على مستوى القطاع، بما يعكس نضج البنية التقنية، واستكمال الهندسة التشريعية، واستعداد الكفاءات البشرية لمرحلة عدالة أكثر سرعة وشفافية.

ويرى أن القوة الحقيقية للمنصة تكمن في قدرتها على إعادة هيكلة مسار الإجراء القضائي من لحظة الإيداع إلى غاية الفصل، ضمن دورة عمل مؤمَّنة، موثَّقة، وقابلة للتتبع في الزمن الحقيقي، مع ما توفره من تقليص للآجال وخفض للتكاليف وإزالة للاحتكاك البيروقراطي.

غير أن الخبير يحذّر من أن وفرة الخِدمة لا تكفي لضمان انتشارها، بل يستوجب استراتيجيات ترويج فعّالة وتواصل مؤسساتي ممنهج، حتى لا ينحصر استخدامها في نطاق ضيق، يحول دون بلوغ الأهداف المرجوة.

لذلك، يشدد على ضرورة بناء الثقة الرقمية لدى المواطن، وتذليل العوائق أمام الشرائح الأقل إلماماً بالتقنيات، لضمان شمول الخدمة لجميع الفئات. وفي المحور التقني–القانوني، يضع أقدال التبليغ القضائي الإلكتروني في صدارة التحديات، إذ يظل نجاحه رهين ابتكار آليات تحقق صارمة تضمن وصول الإخطار، سواء عبر البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية القصيرة، وتؤمن دليلاً قانونياً لا لبس فيه يمكن إقامة الحجة به أمام القضاء، بما يصون حقوق الأطراف ويحافظ على ركائز المحاكمة العادلة في زمن السيادة الرقمية.


إقرأ أيضا:     الجزائر انخرطت في مسار استراتيجية سيادية في مجال الأمن السيبراني


هذا و لم تختصر "نقرة واحدة" المسافة بين المواطن والقضاء، بل أعادت رسم الطريق بأكمله؛ فما بدأ بمنصة "النيابة الإلكترونية" وتثبيت الحجية الرقمية للتبليغ، تحوّل إلى منظومة عدالة تُقاس بالثواني لا بالأسابيع، حيث تمضي الجزائر في معادلة دقيقة تجمع بين سرعة بلا تسرّع، وشفافية بلا انتهاك للخصوصية، وكفاءة لا تُقوض ضمانات المحاكمة العادلة.

غير أن النجاح الحقيقي يتجاوز واجهة المنصة ليغوص في عمق بنيتها: أمن سيبراني متين، وهندسة بيانات قابلة للتدقيق والاسترجاع، وهوية رقمية تمنع الالتباس، وتواصل مؤسساتي يعزز الثقة ويرفع نسب الاستعمال حتى لدى الفئات الأقل إلمامًا بالتقنية، بما يرسخ "حقوقًا مشفّرة" بقدر ما يسرّع الإجراءات، عبر رقابة مستقلة، وأثر تدقيقي قابل للتعقب، وإمكانية دائمة للطعن والتظلم، حتى لا تتحول الشاشة إلى جدار جديد يحجب الحق.

وإذا استمر المسار بتوسيع الحافظة الخدماتية، وتعميم الإخطار المؤمَّن، فإن "العدالة بالزمن الحقيقي" ستصبح قاعدة لا استثناء، لتغدو "نقرة الزر" وعدًا مُلزِمًا يُطلق إجراءً محسوم الهوية والوقت، ويستدعي خلفه دولةً كاملة الضمانات تعمل بصمت، في تجسيد فعلي للسيادة الرقمية قضائيًا: شاشة تقرّب الحق ولا تُزيّنه، ونظام يسرّع العدالة دون أن يختصرها.