الجزائر- فرنسا و”شعرة معاوية” !
فرنسا لا تريد على ما يبدو قطع شعرة معاوية مع الجزائر، فرغم الأزمة التي تضرب العلاقات بين البلدين منذ فترة، وبلوغ التصعيد مستوى خطير جدا وغير مسبوق، وقد باتت القطيعة الدبلوماسية قاب قوسين أو أدنى من الوقوع، تميل باريس إلى المحافظة على التواصل السياسي في ملف الذاكرة، فرغم كل ما قيل عن قرار التراجع عن […] The post الجزائر- فرنسا و”شعرة معاوية” ! appeared first on الجزائر الجديدة.

فرنسا لا تريد على ما يبدو قطع شعرة معاوية مع الجزائر، فرغم الأزمة التي تضرب العلاقات بين البلدين منذ فترة، وبلوغ التصعيد مستوى خطير جدا وغير مسبوق، وقد باتت القطيعة الدبلوماسية قاب قوسين أو أدنى من الوقوع، تميل باريس إلى المحافظة على التواصل السياسي في ملف الذاكرة، فرغم كل ما قيل عن قرار التراجع عن الاعتراف بمجازر الثامن ماي 1945، فإن ذلك لم يمنعها من ارسال وفدا من شخصيات سياسية مرموقة للمشاركة في احياء المناسبة.
ويتكون الوفد الفرنسي، وفق ما أعلنته صحيفة “لوفيغارو” الواسعة الانتشار، من المسؤولين المنتخبين، ينتمون إلى تيارات اليسار، اليسار المتطرف، والوسط، ويتألف من نحو ثلاثين مسؤولا فرنسيا منتخَبا، بينهم أعضاء في الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ يمثلون طيفا سياسيا متنوعا، في خطوة تحمل دلالة رمزية، ومن أبرز الشخصيات المشاركة في الوفد: لوران لارديس، النائب الاشتراكي ورئيس مجموعة الصداقة الفرنسية-الجزائرية في الجمعية الوطنية، وفتيحة حاشي، رئيسة لجنة الشؤون الثقافية، ودانييل سيمونيه، نائبة باريس وعضو سابق في حركة “فرنسا الأبية”، إلى جانب ستيفان بو، رئيس الكتلة الشيوعية في الجمعية الوطنية، وبلخير بلحداد، النائب غير المنتم حاليا وعضو سابق في حزب “النهضة” التابع للرئيس ماكرون. كما يضم الوفد عدد من النواب على غرار صبرينة صبايحي وكريم بن شيخ عن التكتل الإيكولوجي، ونحو عشرين منتخَبا آخر، من بينهم أعضاء في “دائرة الأمير عبد القادر”، يتقدمهم رفيق تمغاري، إلى جانب منتخَب عن بلدية رواي-مالميزون. كما يرافق هذا الوفد عدد من أعضاء مجلس الشيوخ من التيار الوسطي، من أبرزهم رافاييل دوبيه، ممثل منطقة “لوت”، وصوفي بريانت جيلمون، ممثلة الفرنسيين في الخارج، وأحمد لعوج، سيناتور عن منطقة “سان سان دوني”، إلى جانب عديل زيان، السيناتور الاشتراكي عن نفس المنطقة، وأكلي ملوّلي، سيناتور مستقل من أصول جزائرية.
زيارة الوفد الفرنسي تتزامن مع أزمة خطيرة وحالة توتر غير مسبوقة تمر بها العلاقات بين البلدين. إلا أن التواصل السياسي ولو كان بمبادرة من الوسط واليسار الفرنسيين، قد يشكل فرصة وسانحة لتجاوز الخلافات أو على الأقل لتفادي القطيعة، لكنه لن يضع حدا للنقاش الدائر في فرنسا حول الأحداث والمحاولات الرامية إلى تقزيمها، والمعروف أن مجازر الثامن ماي تحولت إلى موضوع لجدل متواصل في فرنسا، يقع بين محاولات استغلال الذكرى لحصر الجرم الاستعماري في هذه المأساة، ومحاولات أخرى هدفها التشكيك حتى في عدد الضحايا، من خلال تكذيب العدد الرسمي للقتلى والحديث عن حوالي 1200 ضحية، خلافا للإحصائيات التي تقدمها السلطات الجزائرية والموثقة تاريخيا والتي تتحدث عما لا يقل عن 45 ألف ضحية، في حين تؤكد مصادر مستقلة بأن عدد الضحايا قد تجاوز الـ70 ألف ضحية. فمساعي الجانب الفرنسي الهادفة إلى طمس معالم جريمة الاستعمار، لا تزال متواصلة وهذا منذ سنوات، ففي مجازر 8 ماي، استخدم الجيش الفرنسي أفران الجير للتخلص من جثث القتلى، وشاحنات لنقل الضحايا ودفنهم في مقابر جماعية في الأودية.
ويجمع خبراء ومؤرخون على أن هذه المجازر كانت نقطة مفصلية في كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الفرنسي. إذ أعادت عقيدة الكفاح المسلح إلى أذهان النخب السياسية الجزائرية آنذاك، ورسمت نهاية المقاومة السلمية عبر الحركة الوطنية، وبدأت نواة التنظيم العسكري في الجزائر عام 1947 بتأسيس المنظمة السرية التي مهدت الطريق لاندلاع ثورة نوفمبر 1954، التي توجت باستقلال الجزائر في 1962.
ويعتبر الجانب الفرنسي أن لجنة المؤرخين التي تم انشاؤها من قبل البلدين والتي يرأسها من الجانب الفرنسي المؤرخ المعروف بنيامين ستورا، هي خطوة مهمة نحو معالجة ملف الذاكرة والتخلص من عقبة تقف في وجه تحسين العلاقات الثنائية، حيث يقوم الجانبان بالعمل منذ فترة على القضايا المتعلقة بفتح وإعادة الارشيف والممتلكات ورفات المقاومين الجزائريين، وكذلك التجارب النووية والمفقودين. كما يسعى المؤرخون من الجانبين، إلى إلقاء الضوء على بدايات الغزو الفرنسي للجزائر منذ سنة 1830 والتي تعد من أكثر الفترات ظلاما في التاريخ الاستعماري، ويتحدث المؤرخون عن ارتكاب الغزاة جرائم إبادة جماعية في حق الجزائريين وعمليات تهجير إلى دول بعيدة واتخاذ إجراءات جائرة لنزع ملكية الجزائريين لأخصب أراضيهم فضلا عن تطبيق سياسة الأرض المحروقة لتجويع الجزائريين الذين قاوموا بضراوة الاستعمار فيما عرف تاريخيا بالثورات الشعبية. ورغم التقدم الذي حصل، يبدو أن القراءة التاريخية من الجانب الفرنسي والتي بدت واضحة من أخر تقرير صدر عن لجنة ستورا، لا تزال حبيسة تلك العقلية الفرنسية التي تبحث عن تجزئة الجرم الاستعماري وتفادي إدانة الاستعمار والاعتذار عنه للجزائريين، فهذه النظرة لا تزال تطبع الجانب الفرنسي الذي يحاول في كل مرة استخدام ملف الذاكرة كمادة للجدل السياسي، خصوصا اليمين الذي يستثمر في هذا الملف لاستقطاب أصوات المعمرين السابقين في الجزائر ونسلهم. لقد بالغ في استعمال هذا الملف لتفجير العلاقات الثنائية بدلا من توظيفه لإعادة جسر التواصل بين البلدين.
م/ق
The post الجزائر- فرنسا و”شعرة معاوية” ! appeared first on الجزائر الجديدة.