حكومة ماكرون والهذيان الإسلاموفوبي!
أ. عبد الحميد عبدوس/ يقول المثل إنه لما يفلس التاجر ينكب على دفاتره القديمة ليفتش فيها عن دين قديم غير مسترجع يفك به ضائقته المالية، أو صفقة منسية تنقذه من الإفلاس. وعندما تصاب فرنسا بالإفلاس السياسي، وتتعطل آلة التفكير عند أصحاب السلطة فيها لإيجاد الحلول الناجعة لتجاوز مشاكل البلاد المتراكمة،ويصاب جزء كبير من نخبتها بالهستيريا …

أ. عبد الحميد عبدوس/
يقول المثل إنه لما يفلس التاجر ينكب على دفاتره القديمة ليفتش فيها عن دين قديم غير مسترجع يفك به ضائقته المالية، أو صفقة منسية تنقذه من الإفلاس. وعندما تصاب فرنسا بالإفلاس السياسي، وتتعطل آلة التفكير عند أصحاب السلطة فيها لإيجاد الحلول الناجعة لتجاوز مشاكل البلاد المتراكمة،ويصاب جزء كبير من نخبتها بالهستيريا العنصرية،وهذيان الاسلاموفوبيا ، تصبح قضايا الهجرة،ومكانة الإسلام في المجتمع الفرنسي بمثابة الشغل الشاغل للطبقة السياسية والوسائل الإعلامية الفرنسية،وورقة انتخابية يتنافس تيار اليمين واليمين المتطرف وفئة من اليسار الانتهازي في طرحها في سوق المزايدات الانتخابية.
في عهد الرئيس الفرنسي الحالي، إيمانويل ماكرون، تتابعت القضايا المفتعلة في سلسلة متواصلة للتضييق على الممارسات الاجتماعية والشعائر الدينية والثقافية للمسلمين. شملت منهجية تشويه المسلمين كل مناحي حياتهم تقريبا،من طريقة أكلهم، ولباسهم، وعبادتهم، وتربية أبنائهم، وممارستهم للرياضة،وهي أمور تعتبرها السلطات الفرنسية مع تيار اليمين واليمين المتطرف ،مظاهر ل «أسلمة» المجتمع الفرنسي، وإقامة الخلافة. يروج لهذه الرؤية حزب، مارين لوبان،وريثة فكر المنظمة الإرهابية الفرنسية خلال حرب التحرير الجزائرية (oas)، والسياسي العنصري اليميني المتطرف، إريك زمور، ابن المهاجر الجزائري، ورئيس حزب الاسترداد، الذي يعتبر المسلمين في فرنسا بمثابة العدو الداخلي، ويشبه الأجانب في فرنسا بجيش احتلال، وفئة معتبرة من عناصر ومسؤولي الحزب الجمهوري برئاسة وزير الداخلية برونو روتايو، الذي دأب على التوغل في التطرف اليميني، حتى أصبح همزة وصل بين تيار اليمين الجمهوري واليمين المتطرف.
في سنة 2018، زعم مستشار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن : «أكل منتجات اللحم الحلال ليس شرطاً دينياً، بقدر ما هو سمة اجتماعية، ودليل على تغلغل السلوكيات الإسلامية في المجتمع»، ثم أصدرت بعد ذلك وزارة الزراعة والأغذية الفرنسية تعميما يحظر الذبح الحلال للدواجن . في سنة 2020 صدر قانون يمنع تعليم أطفال المسلمين مبادئ الدين الإسلامي في مدارس خاصة، أو في المنازل، خوفا من انتشار ما يسمونه «الأصولية الإسلامية»، وتم إنهاء التعليم في المنازل لجميع الأطفال اعتباراً من سن الثالثة، وعندما احتج مسؤولو الجمعيات الإسلامية على ظاهرة السماح للأطفال المسيحيين بالذهاب إلى الكنائس لتعلم دينهم، مقابل منع أطفال المسلمين من تعلم دينهم في المساجد، رد المسؤولون الفرنسيون أن الفرق بين المدارس الإسلامية والمدارس الكاثوليكية يكمن في أن الأخيرة ليس لديها «مشروع سياسي». وقد تم خلال عهد ماكرون إغلاق 5 مدارس إسلامية في فرنسا، من بينها ثانوية ابن رشد، التي تم اختيارها عام 2013 أفضل ثانوية بالبلاد، حيث استطاعت أن تحقق نسبة نجاح وصلت إلى 100% في امتحانات الباكالوريا. في 2021 اعتبر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون «الإسلام دينا يعيش أزمة في كل أنحاء العالم» ، وطالب بإصدار قانون «محاربة الانعزالية الإسلامية». في نهاية شهر أوت 2023أعلن وزير التربية والتعليم الفرنسي، غابريال آتال، منع ارتداء العباءات ، في المدارس المتوسطة والثانوية، واعتبر أن هذا اللباس “علامة دينية” أو “رمزا دينيا».هذا القرار كان سيعتبرـ بلا شك ـ تدخلا في الشؤون الشخصية للمواطنين، ومساسا بالحرية الفردية، لو كان يستهدف تابعي أية ديانة أخرى غير الإسلام في فرنسا، ومع ذلك ساهم هذا القرار العنصري في تلميع صورة غابريال آتال في الإعلام الفرنسي المملوك في أغلبه للمياردير اليميني العنصري فانسان بولوري، ودفع الرئيس الفرنسي إلى ترقيته إلى منصب رئيس الحكومة. ويبدو أن غواية استهداف المسلمين لتحسين الصورة الانتخابية فتحت شهية غابريال آتال، رئيس حزب النهضة الذي ينتمي إليه الرئيس ماكرون، لطرح نفسه كمرشح للانتخابات الرئاسية الفرنسية في سنة 2027، وتقدم خطوة أخرى في مساره المعادي للمسلمين باقتراح حظر ارتداء الحجاب في الأماكن العامة على الفتيات دون سن 15سنة. في فيفري 2025 وافق مجلس الأمة الفرنسي على قانون قدمه الحزب الجمهوري، يحظر ارتداء الحجاب في المنافسات الرياضية، كما يتضمّن حظر استخدام قاعات الألعاب الرياضية أو الملاعب الرياضية لإقامة الصلوات، وكانت الحكومة قد وافقت عليه سابقا. في شهر ماي 2025، تحول ما أسماه رئيس حزب فرنسا الأبية، جان لوك ميلونشان، «الأطروحات الهذيانية لروتايو، ولوبان»، إلى سياسة رسمية للدولة الفرنسية، حيث ترأس الرئيس، إيمانويل ماكرون، يوم الأربعاء الماضي (21ماي2025)، مجلسا للدفاع والأمن القومي، شارك فيه كل من رئيس الحكومة، فرانسوا بايرو، ووزراء الداخلية، برونو روتايو، والتربية الوطنية إليزابيت بورن، والاقتصاد إريك لومبار. خصص لتدارس ملف حركة الإخوان المسلمين، والخطر الذي يشكله تغلغل التنظيم على «الأمن القومي، وتهديد التلاحم الوطني» . ـ حسب التقرير ـ ، ورغم أن المشرفين على التقرير أكدوا «عدم وجود أي وثيقة حديثة تظهر سعي الإخوان المسلمين إلى إقامة دولة إسلامية في فرنسا أو تطبيق الشريعة فيها».، إلا أن وزير الداخلية برونو روتايو وصف التقرير بأنه: «مدمّر ويوثق إسلاموية هادئة لكنها غازية تهدف إلى فرض الشريعة على المجتمع الفرنسي». التقرير الذي سربه برونوروتايو إلى جريدة « لوفيغارو» ووصفته ب» الصادم» كشف أن: «400 شخص يشكلون النواة الصلبة للإخوان. وتحدث التقرير عن 139 مكان عبادة تابعة لجمعية مسلمي فرنسا (مرتبطة بتنظيم الإخوان)، وهي لا تشكل أكثر من 7% من نحو 2800 مكان عبادة إسلامي مدرج في فرنسا وأن ما يعادل 91 ألف مصلّ يؤدون صلاتهم في هذه المساجد، و هو ما يشكل 0.01 بالمائة من 7.5 مليون مسلم في فرنسا. هذه الأرقام القليلة ،لم تمنع وزير الداخلية برونو روتايو من القول إنه سرب التقرير «لإحداث صدمة في المجتمع».
اللافت للانتباه أن جميع هؤلاء السياسيين الفرنسيين الذين يتسابقون لبلوغ أعلى مراتب مسؤولية في فرنسا، ويتنافسون في خطابات تشويه سمعة الإسلام والمسلمين، هم مجرد شرذمة من المشبوهين والمتورطين في قضايا أخلاقية أو فساد مالي أو انحراف سلوكي، وعلى رأسهم الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي تزوج بامرأة في عمر أمه، وتكبره بما لا يقل عن 24 سنة، وظل على علاقة غير شرعية معها لمدة 14 سنة كاملة، أي منذ أن كان تلميذا في قسمها بالثانوية سنة1993 ، إلى أن عقد قرانه عليها في سنة 2007، رغم عدم رضا والدته، هذه العشرة الطويلة والغريبة بين الطالب ومعلمته، لم تمنع، على ما ظهر في مواقع التواصل الاجتماعي، السيدة بريجيت ماكرون من توجيه صفعة مهينة له، وصل صداها إلى كل بقاع العالم.
رئيس الحكومة الأسبق غابريال آتال، وهو من فئة المثليين، دفعه شذوذه الجنسي وانحرافه الأخلاقي إلى اعتبار حجاب البنات المسلمات وعباءات التلميذات مخالفات يجب إصدار قوانين لمنعها. وهو يجسد بذلك أخلاق قوم لوط، الذين تضايقوا من خلق العفة الذي دعا له النبي لوط عليه السلام، فقالوا ـ حسب ما أخبرنا به القرآن الكريم ـ : {أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}. أما مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف الفرنسي، فقد أصدر القضاء الفرنسي يوم 31 مارس 2025حكما ابتدائيا في قضية الوظائف الوهمية لحزب التجمع الوطني، واختلاس أموال من البرلمان الأوروبي، بإدانتها بأربع سنوات سجنا مع سنتين نافذتين، ومنعها من تولي مناصب سياسية لمدة خمس سنوات، بما في ذلك حرمانها من الترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2027، وغرامة مالية تقدر ب 100 ألف أورو. وفي سياق اختلاس الأموال العمومية من البرلمان الأوروبي، كان برونو روتايو الذي يقدم نفسه كمدافع لا يلين عن قيم النزاهة السياسية وطهارة اليد، موضوع تحقيق للصحيفة الاستقصائية الفرنسية «ميديابارت» التي كشفت بتاريخ 18 مارس 2017،( قبل أن يصبح وزيرا للداخلية في حكومة الرئيس ماكرون) عن تورطه في قضية اختلاس أموال عامة، عندما كان رئيسا لكتلة الجمهوريين في مجلس الشيوخ الفرنسي، بمشاركته في نظام “العمولات الخفية” الذي استمر بين عامي 2003 و2014. وعندما سألته صحيفة “ميديابارت”، عن تورطه في الاختلاس، ادعى أن «سكرتاريته هي التي كانت تدير هذه الفواتير، وأنه لم يكن على دراية بتفاصيل الآلية، بل إنه لا يتذكر حتى من اقترح عليه هذا الدعم في البداية». إريك زمور، الذي يضع نفسه على يمين حزب مارين لوبان اليميني، والذي يدافع نظريا عن قيم العائلة والأخلاق المسيحية، ووعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيمنع في حالة فوزه المساجد والآذان والحجاب ظهر أنه يعتبر النساء مجرد أدوات للمتعة، أو خصوم في المصارعة، فقد نشرت سنة 2021 مجلة الشعبية الفرنسية «كلوزر» (Closer)، تقريرا بعنوان ساخر «إريك زمور سيصبح أبا سنة 2022» كشف أن مستشارته الأقرب سارة كنافو اليهودية الفرنسية ذات الأصول المغربية وخادمة المخزن المغربي، هي حامل منه، وهو العدد الذي حاول إيريك زمور منع صدوره بقرار قضائي؛ بدعوى كونه تدخلا في الحياة الشخصية للأفراد، لكنه فشل في مسعاه. في سنة 2022 نشر موقع « ميديا بارت». شهادات 8 نساء اتهمن اريك زمور بالتحرش الجنسي بهن، ورفض التعليق على الموضوع زاعما انه يتعلق بالحياة الخاصة. وفي سنة 2024تداولت مواقع إخبارية وصفحات عبر شبكات التواصل الاجتماعي مقطع فيديو للسياسي اليميني المتطرف إريك زمور وهو يحاول ضرب امرأة.