فُجَأَة..

عبد العزيز بن السايب/ قال الرَّبُّ جل جلاله (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).. صدق اللهُ العظيم..(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)..بالأمس كان الأخ الفاضل د. محمد صالح حَمْدِي..في رحلة برية إلى بعض أحبابه …

يونيو 25, 2025 - 13:27
 0
فُجَأَة..

عبد العزيز بن السايب/

قال الرَّبُّ جل جلاله (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)..
صدق اللهُ العظيم..(وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ)..بالأمس كان الأخ الفاضل د. محمد صالح حَمْدِي..في رحلة برية إلى بعض أحبابه للمباركة بمناسبة العيد من باتنة..إلى بسكرة..وإذ شعور بألمٍ عارِضٍ يَنتابُهُ..يُفْضِي به إلى العالم الآخر..
لم يكن يخطر الرحيلُ على باله..ولا على بال رُفقته..ولا على بال من ينتظرونه نهاية المطاف..في بقية محطات الطريق..كان قصد الرحلة إلى مكان..وإذ به يتحول إلى آخِر مكان..إنه قَدَرُ الله تعالى الذي لا رَادَّ له..
تعرَّفت على الأستاذ د. حَمْدِي قبل سنوات قلائل..تشرفتُ بزيارته لي في عطلة الصيف رفقة الأخ العزيز د. أبو اليقظان..ودار الحديثُ عن طلبِ العلم ومغامرات الرحلة في سبيله..
سألني عن تجربتي في بلاد الشام..وأرض شنقيط..
كان الحديث شَيِّقًا..فقد دغدغ جانبا حبيبا لديَّ..طلب العلم..وفي أخصب البقاع عندي..
وكلما تحدثت عن المزايا والخصائص لتلك الرحاب..كنتُ أَلْحَظُ لمعانا في عيني د. حمدي..وشعورا بتنهيدات مكتومة..
وهي علامات صدق الرجل في التعلّق بالعلم والشوق إلى رِياضه..
وكلما هَمَمْتُ بالتوقف..إذ بقَالِهِ وحَالِهِ يطلب المزيد..خصوصا مع قطع البطيخ الحلو الرطب البارد في صيف قسنطينة الساخن..
واتفقنا على زيارة بلاد شنقيط..إذ بلاد الشام لم يصر الأمر متاحا..
نذهب سوية آخر الصيف وقبل بداية السنة الجامعية في زيارة خفيفة قرابة الشهر للمحاضر والمدارس..فقد حدثته عن محاضر الفقه وعلوم الشريعة..وأخرى للغة والأدب..فنَزُورُ تلك الرِّباع..وربما بَرًّا من طريق «تِندوف»..فقد فُتح الطريق برا بيننا وبين موريتانيا..وللرحلة البرية عبر الصحراء المترامية مغامراتها وجمالياتها..
ثم في العام الموالي نرحل لنقيم عاما كاملا..فهو يكون قد تقاعد من الجامعة، حيث كان يدرس في جامعة باتنة، وكاتب هذه السطور يسعى للحصول على عطلة سنة دون راتب..
كُنْتَ تَشْعُرُ برغبتِهِ الصادقةِ في الاستزادةِ من العلم والمعرفة، خصوصا التقليدية الأصيلة..والتعرف على المدارس التي لا عهد له بها، أو المناهج التي لم يمر بها..رُوحٌ وَثَّابَةٌ مُغَامِرَةٌ مُتطلِّعَةٌ..
وهو في تلك السن..وفي أعلى هرم تلك المراكز..وعلى قمة تلك المسؤوليات..لا تجد عنده عُجبا أو كِبرا أو تعززا أو احتقارا أو استعلاء على الغير..بل تلمح تواضع العالم..وخضوع الصادق..ولَهفة المتعلِّم..وشوق الطالب..
لكن حالت الالتزاماتُ والواجباتُ دون تحقيق ذلك الأمل الحبيب في الرحلة إلى بلاد شنقيط أو زيارتها..
أَهْدَانِي في زيارته بعض مؤلفاته..مثل كُتيب «بيع الغرر»، وكتاب «فقه المعاملات المالية»..
ويشاء الله أن نلتقي في رحاب العلم والبحث في مجال المعاملات المالية المعاصرة..في «مركز التميز للبحوث والدراسات الاقتصادية»، الذي مقرُّهُ في الجزائر العاصمة، والذي رئيسه د. حَمدي رحمه الله تعالى..
يتباحث في هذا المركز ثُلَّةٌ من المهتمين بهذا المجال والمتخصصين في حقوله كل عام حول مسألة مالية معاصرة تعم بها البلوى للخلوص إلى الحكم الشرعي فيها..
وكان آخر لقاء في منتصف شهر ماي السنة الفارطة 2024..في ندوة التميز الفقهية الحادية عشر حول موضوع «المضاربة في أسواق المال»..في دار القرآن الكريم، القرطي، بمدينة غرداية .
ولم أَلْقَ الشيخَ حمدي منذ ذلك اليوم..حتى قرأتُ نعوته المفاجئة في هذا الفضاء الأزرق بالأمس من خلال منشور كتبه أخي الحبيب الشيخ د. عبد الحق ميحي..
فرحمة الله تعالى على الشيخ محمد الصالح حمدي..وألهم أهله الصبر والسلوان..وجزاه خير الجزاء على ما قدَّمه..وعوَّض اللهُ تعالى بمن يَسُدُّ الثغرات التي كان على ثغورها..