أحداث وأحاديث.. منطقتنا في مرحلة ما بعد حرب غزة

عبد الأمير المجر الآن تقف المنطقة كلها أمام استحقاق صنعه أصحاب القرار فيها، ونتائجه باتت واضحة وأسبابه معروفة أيضًا، وعلينا أن نفكر بجدية لنخرج شعوب هذه المنطقة من أتون صراعات أسهمت في صناعتها سياسة أصحاب القرار فيها. نقول هنا جميع دول المنطقة وليست بعضها، وقد آن الأوان ليضع الساسة مصالح شعوبهم فوق أهوائهم العقائدية ومصالحهم …

أبريل 17, 2025 - 08:47
 0
أحداث وأحاديث.. منطقتنا في مرحلة ما بعد حرب غزة

عبد الأمير المجر

الآن تقف المنطقة كلها أمام استحقاق صنعه أصحاب القرار فيها، ونتائجه باتت واضحة وأسبابه معروفة أيضًا، وعلينا أن نفكر بجدية لنخرج شعوب هذه المنطقة من أتون صراعات أسهمت في صناعتها سياسة أصحاب القرار فيها. نقول هنا جميع دول المنطقة وليست بعضها، وقد آن الأوان ليضع الساسة مصالح شعوبهم فوق أهوائهم العقائدية ومصالحهم السياسية الضيقة‪…‬‬
من أبرز الدروس التاريخية التي علينا أن نعيد قراءتها باستمرار، هو درس الحملة الكولونيا ليه على منطقتنا مطلع القرن الماضي، وما أحدثته من تحولات جيوسياسية كبيرة، والتي لم يقرأها البعض جيدًا وبقي عالقًا في أعطاف الماضي، ولم يتفاعل معها باستحقاقاتها الواقعية وليست تمنياته أو تطلعاته، وإن كانت صحيحة في بعض جوانبها‪.‬‬
فبسبب هذا تصارعت القوى الوطنية مع بعضها، لأن هناك من يريد التفاعل مع الواقع الجديد، ليحقق أكبر قدر من المكاسب في الأرض والإدارة أو ليخرج بأقل الخسائر، بينما هناك من يرى ضرورة استمرار المواجهة مع المستعمر على كل المستويات، من دون أن يمتلك العدة العسكرية اللازمة وليس لديه القدرة على صناعة هامش مناورة سياسية، محلية أو دولية، تغطي المساحة الكبيرة التي باتت تحت هيمنة الدول الكبرى وقتذاك‪.‬‬
مرّ الزمن ونزفنا الكثير من الضحايا والجهد والوقت والمال ولم يتحقق ما نريد، إذ كان بإمكاننا أن نصنع واقعًا سياسيًا أفضل مما كان في ظل انقسامنا وضعفنا جميعًا أمام المستعمر البريطاني، الذي أتى بعدة حضارية كبيرة، كان من الممكن استثمارها بشكل أفضل لخدمة واقعنا المتصحّر حينذاك، انطلاقًا من مبدأ التخادم والإفادة المتبادلة‪.‬‬
نعم، لم تُقرأ تلك المرحلة بشكل جيد حتى اليوم، إذ ما زال هناك من يقرأها بعين الماضي ولم يطور رؤيته للأشياء، وقد تجلى هذا في المحطة الثانية المتمثلة بنتائج الحرب العالمية الثانية التي كانت لها استحقاقاتها على مستوى العالم، وأيضًا تفاعل معها البعض بطريقة انفعالية ولم يقرأ خارطة التوازنات الدولية الجديدة، ليمرر مشروعه الوطني بينها، لنجد أنفسنا عالقين هذه المرة في صراعات عقائدية تجاوز أصحابها القراءة السياسية الفاحصة للمشهد الدولي، وذهبوا إلى تطلعاتهم وأمنياتهم الخاصة أو حتى الجهوية والحزبية، وخسرنا أضعاف أضعاف ما خسرناه في المرحلة الأولى‪.‬‬
أما المحطة الثالثة فهي مرحلة ما بعد الحرب الباردة وانهيار المعسكر الاشتراكي، إذ بقي البعض يعتقد أن منطقتنا لن تشملها رياح التغيير وبقيت خارطة علاقاته مع العالم مبنية على رؤيته السابقة التي عفا عليها الزمن، لنجد أنفسنا هذه المرة وسط شبكة مرعبة من تقاطعات عقائدية شوهاء، أغلبها أصولية متطرفة، يدعمها رأس مال إقليمي ضخم ويحركها لاعبون دوليون في الكواليس‪.‬‬
لقد كانت الحرب في غزة درسًا كبيرًا جدًا وقاسيًا جدًا، سواء في إفرازاتها الإنسانية المؤلمة أو في نتائجها الجيوسياسية الخطيرة، وإن عدم قراءة هذا الحدث بما يستحقه والتعامل معه بواقعية يعني فتح الباب أمام مشكلات أخرى خطيرة ستتوالد في المنطقة، وقد تؤدي إلى تقسيمها وسيجد الجميع أنفسهم عاجزين عن التصدي لذلك‪.‬‬
أميركا ترامب لم تذهب إلى المفاوضات مع إيران بشأن الملف النووي، إلا بعد أن أحدثت متغيرًا كبيرًا في واقع المنطقة، وإن جميع دولها التي باتت مقوّضة عسكريًا واقتصاديًا، باتت تدرك الآن أنها أضاعت فرصًا كثيرة، وتحديدًا في ملف القضية الفلسطينية، التي ارتأى البعض أن الخيار العسكري وحده هو الحل لها، بينما رأى البعض الآخر أن الدبلوماسية وحدها هي الحل، فضعف الطرفان مرتين، الأولى بانقسامهما، والثانية بعدم جعل الحل الدبلوماسي مكملاً للحل العسكري، ليكونا بأيدي دول موحدة تتفاهم مع العالم برؤية مشتركة، إن أرادت هذه الدول حل القضية فعلا، كي تضع الكبار أمام مسؤولياتهم لفض النزاع بحلول مقبولة ولو نسبيًا، بدلًا من ذهاب مجموعة إلى خيار عسكري غير حاسم، وخيار دبلوماسي بات ضعيفًا بالضرورة‪.‬‬
الآن تقف المنطقة كلها أمام استحقاق صنعه أصحاب القرار فيها، ونتائجه باتت واضحة وأسبابه معروفة أيضًا، وعلينا أن نفكر بجدية لنخرج شعوب هذه المنطقة من أتون صراعات أسهمت في صناعتها سياسة أصحاب القرار فيها. نقول هنا جميع دول المنطقة وليست بعضها، وقد آن الأوان ليضع الساسة مصالح شعوبهم فوق أهوائهم العقائدية ومصالحهم السياسية الضيقة!