المرأة الغزاوية وفاعلية التربية القرآنية
د. زهية حويشي/ لقد وقف العالم كله مشدوها أمام المشهد الذي صنعته غزة، ونموذج الإنسان الذي كان يتحرك على تلك البقعة المباركة، في انسيابية وتناسق مذهل مع ما تتطلبه سنن النصر، حيث كانت ألسنتهم تلهث تارة أو تصيح أخرى، صادحة بآيات القرآن الكريم تثبيتا للأفئدة الواجفة من هول الأحداث من حولها، فأي قوة دافعة وراء …

د. زهية حويشي/
لقد وقف العالم كله مشدوها أمام المشهد الذي صنعته غزة، ونموذج الإنسان الذي كان يتحرك على تلك البقعة المباركة، في انسيابية وتناسق مذهل مع ما تتطلبه سنن النصر، حيث كانت ألسنتهم تلهث تارة أو تصيح أخرى، صادحة بآيات القرآن الكريم تثبيتا للأفئدة الواجفة من هول الأحداث من حولها، فأي قوة دافعة وراء تلك الحركة؟ لا شك أنها تريبة فريدة شكلت تلك القلوب الواعية الساكنة، والنفوس أصحاب الهمم العالية، والعقول المستنيرة، الواضحة الغاية، المولية الوجهة إلى الله، تسارع في نيل خيرات الجهاد والرباط، ولا تشتري بقضيتها ثمنا قليلا، ذلك قليل من كثير مما يمكن أن توصف بها التربية الغزاوية.
ولقد وقفنا نحن في حيرة كيف تحققت تلك التربية وآتت قطافها؟ إلا أنه سرعان ما تتبدد الحيرة حين نعود إلى الوراء ، إلى ذلك الجيل القرآني الفريد؛ جيل التلقي التفاعلي العملي الواقعي مع القرآن الكريم، جيل الصحابة الكرام؛ صنعة النبي المختار عليه أفضل الصلاة والسلام، إذ تتكرر التجربة وتعاود هذه الصناعة التربوية الدوران في هذا الزمان… هناك في غزة، حيث تقف من وراء تلك الصناعة بما لا ريب فيه المرأة الغزاوية المباركة في البقعة المباركة، تعجن طين الإنسان الغض بحروف القرآن، فتشج أنوار الإيمان، وتستقيم على الهدى الخطوات، تتخذ من الأنفاق تحت الأرض سبيلا تعبر من خلاله وتمتد إلى دروب ومعاني الحياة، وتعرج النفوس الطاهرة إلى السموات، فينكشف زيف دنيا الناس فوق الأرض، وتلك فاعلية التربية التي نريد، تنتجها وتفرزها معادلة ذات عناصر هامة، إنها عنصر الإنسان، حين يتفاعل مع القرآن في وجود وسيط ضروري إنه القضية، وفي وسط تفاعلي من الابتلاء والمحنة، تحرك هذه العناصر أصابع أياد متوضئة طاهرة للمرأة الغزاوية التي حملت على عاتقها عبء القضية، فارتص الصف جيلا عملاقا يخرج من تحت الأرض ، وجهته قبلة الأقصى وغاية مناه الصلاة في ساحاته.
إن المرأة الغزاوية بتلك التربية الفعّالة جعلت من غزو بقعة ضوء أضاءت العالم الذي انحنى نحوها في إجلال وإكبار واعتراف وإذعان للحق، ليرى بوضوح من خلال حطام الحجارة في غزة، حطام القيم الزائفة والأقنعة المتهاوية، والأنظمة الهشة والمنظمات الواهية، هذا الحطام الذي بات وجه العالم، وإنما كل ذلك تجليات الصناعة التربوية للمرأة الغزاوية التي على يديها صعد وصمد جيل النصر الفريد، والنصر والتمكين قريب، وعد الحق، ﴿وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ٥وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ٦﴾ [القصص]، وتلك قصة الحق والباطل تترى محكومة بسنن الله في الأرض في كل زمان.