أمريكا رأس الإرهاب في العالم

لطالما صدّعت الولايات المتحدة الأمريكية رأس العالم بدعوى “الدول المارقة”، وهي تلاحق أنظمة رافضة لهيمنتها الامبرياليّة، وأداء دور الحارس لمصالحها المحلية والإقليمية، في حين تشهر أمريكا شعارات تهديد السلام الدولي وانتهاك حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ذرائع للإطاحة بها، بعد شيطنتها سياسيّا وإعلاميّا وأخلاقيّا أمام الرأي العام الدولي. غير أن الحقيقة القائمة على […] The post أمريكا رأس الإرهاب في العالم appeared first on الشروق أونلاين.

أبريل 6, 2025 - 18:57
 0
أمريكا رأس الإرهاب في العالم

لطالما صدّعت الولايات المتحدة الأمريكية رأس العالم بدعوى “الدول المارقة”، وهي تلاحق أنظمة رافضة لهيمنتها الامبرياليّة، وأداء دور الحارس لمصالحها المحلية والإقليمية، في حين تشهر أمريكا شعارات تهديد السلام الدولي وانتهاك حقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب وأسلحة الدمار الشامل ذرائع للإطاحة بها، بعد شيطنتها سياسيّا وإعلاميّا وأخلاقيّا أمام الرأي العام الدولي.
غير أن الحقيقة القائمة على الأرض منذ نصف قرن على الأقلّ، هي أن أكبر دولة مارقة في التاريخ المعاصر هي الولايات المتحدة الأمريكية وليس غيرها، باعتبار أن المعيار الرئيس في تصنيف الكيانات الدوليّة هو مدى التزامها بالقوانين الإنسانية وقرارات الشرعية الأمميّة.
الوقائع تثبت أن أمريكا وراء صناعة الإرهاب الدولي في أكثر من مكان، سواء عن طريق مخابراتها الأمنية، لأهداف تقع على الأجندة الإستراتيجية، أو كردّ فعل على ممارساتها العنصريّة والإنجيلو- صهيونية.
أمريكا هي أول دولة تحتقر القانون الدولي، بدعمها للكيان الصهيوني منذ 1948 خارج المواثيق الأمميّة، مستغلّة نفوذها، بامتياز “الفيتو”، داخل مجلس الأمن، لتعطيل حماية حقوق الإنسان في فلسطين منذ عقود.
أمريكا هي التي ترفض منح الفلسطينيين حقهم الطبيعي في إقامة دولة مستقلة، وفق قرار التقسيم الأممي الجائر نفسه، بل إنها تقف عقبة أمامها حتّى في نيل العضوية الكاملة داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة.
الولايات المتحدة هي التي قادت أكبر الانقلابات العسكرية الدموية خارج حدودها عبر كل القارات، لإسقاط أعدائها وتنصيب عملائها، خدمة لمصالحها الحيويّة الضيقة، منذ عهد الحرب الباردة، وما زال دورها التدميري في حق الآخرين متواصلا عبر هندسة الخراب والفشل في أقاليم تعدّها معادية لها، مثلما حصل في العراق وأفغانستان، ليس بهدف استئصال الإرهاب ونشر الديمقراطية، كما تدّعي، بل لتكريس احتكار مصادر الطاقة الأحفوريّة وتأمين ممراتها، في ظل التنافس الدولي على منطقة الشرق العربي وبحر قزوين.
لا يمكن حصر مظاهر الانتهاك الأمريكي الصارخ للقانون الدولي في هذه المساحة المحدودة، لذلك ما يهمنا أكثر ضمن سياق الحرب العدوانية الدامية على غزة منذ 07 أكتوبر 2023 هو إشراف الولايات المتحدة بشكل علني سافر على كل جرائم الاحتلال ضد الإنسانية، من دون أن تأبه بردّ فعل أي طرف في المجتمع الدولي، بما فيه جهاز الأمم المتحدة ومجلسها للأمن.
لقد حرصت القوة المارقة منذ البداية على توظيف “حق الفيتو” ضد أي مشروع قرار لوقف إنساني لإطلاق النار في غزة، رغم تأييد كل أعضاء مجلس الأمن في أغلب المشاريع المقدمة على مدى أكثر من سنة قبل جانفي 2025.
عندما تتدخل أمريكا لإبطال وقف إطلاق النار إنسانيّا في غزة، مع إقرار العالم أجمع بأنّ ما تقترفه “إسرائيل” هو تجاوز صارخ لكل مبادئ القانون الدولي، بقتلها للأبرياء واستهداف المشافي والإسعاف والمدارس والصّحافيين وهيئات الإغاثة والمباني السكنيّة ومنع دخول أيّ مساعدات إنسانيّة، فهذا يعني أن واشنطن تطلب من جيش الاحتلال إبادة الفلسطينيين وتهجيرهم بكل الطرق، لاستكمال المشروع الاستيطاني الصهيوني الاحتلالي، خلافا لما تبديه من تصريحات مخادعة في هذا الاتجاه.
والدليل على ذلك، أن الولايات المتحدة لم تكتف فقط بإبطال كل قرارات مجلس الأمن، بل إنها مستمرّة حتى بعد اختراق وقف إطلاق النار مجدّدا في تزويد الكيان الصهيوني بترسانة سلاح فتّاك كانت محظورة عليه في عهد جو بايدن، تنفيذا لوعيد المجنون السفاح دونالد ترامب بفتح الجحيم على غزّة، لأجل الإجهاز على المدنيين وتدمير كل شيء في القطاع، حتى يصبح غير صالح للعيش، فقد كشفت وزارة الدفاع الإسرائيلية، شهر فيفري الماضي، عن تسلّم شحنة القنابل الثقيلة من طراز “إم كي 84” التي أخّرت إدارة الرئيس الأمريكي السابق تسليمها إلى تل أبيب.
لقد صدق المفكر الأمريكي، نعوم تشومسكي، في كتابه “الدولة المارقة”، عندما انتقد بلاده بصورة لاذعة، على خلفية تقويضها للديمقراطية في دول عديدة ودعم الانقلابات في مناطق أخرى، واستخدام القوة من دون وسائل الحوار، فضلا عن تجاهلها للقانون وكل الأعراف الدولية وممارسة العنف على نطاق واسع، حتّى إنه وضع تلك السلوكيات في سجلّ واحد مع تاريخ هتلر وستالين.
قبل سنوات، صاغ الأكاديمي والخبير الإستراتيجي الأمريكي، جوزيف ناي، نظرية “القوة الناعمة”، ضمن استشراف استمرار القوة الأمريكية بوسائل أقلّ تكلفة وأكثر ديمومة، من خلال هندسة “مقومات الجذب الثقافي والسياسي والاقتصادي من دون إكراه أو استخدام للقوة كوسيلة للإقناع”، لقناعة اكتسبها الرجل من مواقعه الرسمية السابقة، منها مساعد وزير الدفاع للشؤون الأمنية الدولية ورئيس مجلس الاستخبارات الوطني، أنه يستحيل ترويض الآخرين بالقوة وحدها، بل إنه أدرك حتما تآكلها مع مرور الزمن، فراح يستبق المصير المحتوم بخلق قوّة معنوية تساهم في صيانة السطوة الأمريكية.
لكن يبدو أن حكّام أمريكا المتعاقبين، خاصة في ظل صعود موجة اليمين المتطرّف، قد أعمت أبصارهم وبصائرهم القوة الماديّة والعسكريّة، فراحوا يتصرفون بوحشية غريزيّة بدائيّة تعود إلى همجيّة ما قبل ظهور الدولة أصلا، فضلا عن أسس تنظيم المجتمع الدولي المعاصر.
إنّ هذه الغطرسة العدوانيّة لن تكرّس الهيمنة الأمريكية المطلقة على مجرى التاريخ الحالي، بل ستدفع بالآخرين إلى الانضواء في تكتلات إقليمية ودولية، وتعجّل بالضغط في اتجاه بناء نظام دولي جديد ومتعدّد الأقطاب، ينتهي فيه جبروت الولايات المتحدة.
كما أنّ هذا السلوك الأمريكي المتجاوز للقانون الدولي، ينبغي أن يدفع بكل المقاومين لامتهان الإنسان، دولا ونخبا وشعوبا، إلى تعرية أمريكا والعمل سلميّا على تقويض مصالحها في كل مكان، لأنها تمثّل اليوم رأس الشّرور في العالم، موازاة مع ضرورة الانتفاضات الجماهيرية على سفاراتها عبر كل العواصم، حتى تصل رسالة الغضب الشعبي إلى البيت الأبيض.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post أمريكا رأس الإرهاب في العالم appeared first on الشروق أونلاين.