حرب الظل: كيف تحيك الإمارات خيوط المؤامرة ضد الجزائر؟
تعيش العلاقات بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة حالة من التوتر المكتوم الذي أصبح يتجلى بوضوح في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تصاعد الحملات الإعلامية والضغوط السياسية التي تمارسها أبوظبي ضد الجزائر. هذا العداء لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لاستراتيجية إماراتية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد العربي بما يتماشى مع طموحاتها الإقليمية. الإمارات، …

تعيش العلاقات بين الجزائر والإمارات العربية المتحدة حالة من التوتر المكتوم الذي أصبح يتجلى بوضوح في السنوات الأخيرة، خاصة في ظل تصاعد الحملات الإعلامية والضغوط السياسية التي تمارسها أبوظبي ضد الجزائر.
هذا العداء لم يأتِ من فراغ، بل هو امتداد لاستراتيجية إماراتية أوسع تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد العربي بما يتماشى مع طموحاتها الإقليمية.
الإمارات، التي تروّج لنفسها كدولة حديثة ذات تأثير إقليمي، تعمل على هندسة تحالفات وتحريك بيادقها في المنطقة وفق أجندة دقيقة. الجزائر، بقوتها الإقليمية، وتاريخها الثوري، ومواقفها المستقلة، تمثل عقبة حقيقية في وجه هذه الأجندة، ما يجعلها هدفًا مباشرًا لحملات الاستهداف.
إضعاف الجزائر إقليميًا: حجر الأساس في الخطة الإماراتية
الجزائر ليست مجرد دولة عادية في شمال إفريقيا؛ إنها قوة إقليمية ذات وزن سياسي وتاريخي ثقيل، وذات مواقف ثابتة تجاه القضايا العربية والإفريقية. أبوظبي، التي تسعى للهيمنة على القرار العربي عبر مشاريعها الاقتصادية والعسكرية، تجد في الجزائر خصمًا يصعب ترويضه. ولذلك، تعمل الإمارات بمختلف الوسائل على تقليص مساحة تأثير الجزائر إقليميًا، سواء من خلال تحجيم دورها في الملفات المغاربية أو عبر محاولات التأثير في مواقفها من القضايا الإقليمية الكبرى، كالقضية الفلسطينية أو النزاعات في ليبيا والساحل الإفريقي.
لقد رأينا كيف حاولت الإمارات فرض رؤيتها على مسار الأزمة الليبية، عبر دعمها العسكري والسياسي للواء خليفة حفتر، فيما كانت الجزائر تدعو باستمرار إلى تسوية سياسية سلمية تضمن وحدة ليبيا واستقرارها. هذا التناقض الصارخ بين نهجين هو في حد ذاته مصدر أساسي للتوتر بين البلدين.
زعزعة الاستقرار الداخلي: اللعب على وتر الهوية
لم تكتفِ الإمارات بمحاولات عزل الجزائر إقليميًا، بل اتجهت أيضًا نحو اللعب على الداخل الجزائري، مستغلة قضايا الهوية والملفات التاريخية الحساسة التي يمكن أن تشكل مدخلًا لخلق توترات داخلية. عبر وسائل إعلامها ومراكز نفوذها، عمدت الإمارات إلى تغذية خطاب الفتنة، محاوِلةً تضخيم القضايا الهوياتية والانقسامات الاجتماعية، في محاولة لضرب تماسك الجبهة الداخلية الجزائرية.
وفي هذا السياق، تبرز استغلال بعض الشخصيات الجزائرية المثيرة للجدل، التي تجد في منابر الإعلام الإماراتي مساحة واسعة لتقديم أطروحات تثير البلبلة حول الثوابت الوطنية، كما حدث مؤخرًا مع المؤرخ محمد الأمين بلغيث. هذه المحاولات تأتي ضمن خطة مدروسة هدفها إضعاف الوحدة الوطنية وزرع الشكوك حول الهوية الجزائرية الجامعة.
فرض الأجندة: ضغوطات التطبيع والتحالفات العسكرية
إحدى النقاط المحورية في الخلاف بين الجزائر والإمارات تتمثل في الموقف من التطبيع مع الكيان الصهيوني. الجزائر ترفض بشكل قاطع أي علاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، وتؤكد في كل المناسبات أن القضية الفلسطينية قضية مركزية لا يمكن المساومة عليها. في المقابل، تسير الإمارات في اتجاه التطبيع الكامل وتعمل على حشد الدول العربية الأخرى للالتحاق بركبها. وعندما رفضت الجزائر الخضوع لهذه الضغوط، بدأت أبوظبي تكثف من محاولاتها فرض أجندتها عبر أدوات سياسية وإعلامية واقتصادية.
كما تسعى الإمارات لدفع الجزائر نحو الانخراط في تحالفات عسكرية إقليمية بقيادتها، خصوصًا في مناطق مثل الساحل الإفريقي أو الشرق الأوسط، لكن الجزائر، بحكم عقيدتها الدبلوماسية والتاريخية، ترفض الزج بنفسها في محاور عسكرية لا تخدم استقرار الشعوب العربية، وهو ما يضعها دائمًا في مواجهة مباشرة مع سياسات أبوظبي.
تشويه الصورة دوليًا: الإعلام كأداة حرب ناعمة
تستخدم الإمارات الإعلام كوسيلة رئيسية في معركتها ضد الجزائر. قنوات مثل “سكاي نيوز عربية” و”العين الإخبارية” تحولت إلى منصات لبث تقارير ومقالات تصبّ في خانة تشويه صورة الجزائر عالميًا. تُقدَّم الجزائر على أنها دولة تعاني من أزمات مستعصية وانقسامات داخلية، في محاولة لتقويض مكانتها أمام الشركاء الدوليين وعرقلة أي محاولات للتقارب الاقتصادي والسياسي مع قوى كبرى.
الأخطر من ذلك أن هذه الحملات الإعلامية تتزامن مع محاولات لاستغلال منابر دولية من أجل تمرير رسائل سياسية مضادة، خاصة في المنتديات التي تناقش قضايا حقوق الإنسان أو التنمية، بهدف إضعاف موقف الجزائر وإظهارها كدولة خارج السياق الدولي.
لماذا الجزائر تحديدًا؟
قد يتساءل البعض عن سبب هذا العداء الإماراتي المتواصل للجزائر. الجواب يكمن في طبيعة الجزائر كدولة ذات سيادة قوية وقرار مستقل. الجزائر، التي خاضت ثورة تحريرية دامت سبع سنوات وخلّفت أكثر من مليون ونصف مليون شهيد، ترفض بطبيعتها أي وصاية خارجية أو تدخل أجنبي في شؤونها. كما أن مواقفها المبدئية من قضايا كبرى مثل فلسطين، وليبيا، ورفضها للتطبيع، تجعلها خصمًا يصعب التعامل معه ضمن الأجندة الإماراتية.
أضف إلى ذلك أن الجزائر، رغم كل الضغوط، تواصل تعزيز قدراتها العسكرية والاقتصادية، وتعمل على تمتين علاقاتها مع قوى عالمية مثل روسيا والصين، ما يثير قلق الإمارات التي تخشى من صعود قوى إقليمية منافسة في شمال إفريقيا.
وعي الشعب حاجز أمام الفتن
يمكن القول إن الصراع بين الجزائر والإمارات هو جزء من معركة أوسع على مستقبل العالم العربي. وبينما تواصل الإمارات محاولاتها لضرب استقرار الجزائر عبر أدواتها الإعلامية والسياسية، تظل الجزائر محصنة بوعي شعبها وتجربتها التاريخية العميقة. الشعب الجزائري، الذي دفع ملايين الشهداء في سبيل استقلاله، يدرك جيدًا أن المعركة الحالية ليست فقط معركة إعلامية أو سياسية، بل معركة وجود تهدف للحفاظ على السيادة الوطنية والوحدة الداخلية.
ولأن الجزائر تملك من مقومات الصمود ما يكفي، فإن كل المؤشرات تؤكد أن محاولات الإمارات ستفشل أمام جدار وطني متماسك، يعي تمامًا حجم التحديات وأهداف الأطراف المتربصة به.