خير ليلة تمر على المسلمين

د. سميرة بن حمودة/ بعدما كنا نهيئ أنفسنا ونهنئ بعضنا البعض بمقدم خير شهر يأتي على النّاس، إذا بنا اليوم نعدّ اللّحظات والأنفاس، ونتطلع إلى خير ليلة تطلّ بظلالها على الأنام بين طيّات العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، ليلة اتّصال الأرض بالسّماء، تلك الليلة التي بشّر فيها النّبي ﷺ أمّته فيها أنّ من قامها …

مارس 26, 2025 - 13:19
 0
خير ليلة تمر على المسلمين

د. سميرة بن حمودة/

بعدما كنا نهيئ أنفسنا ونهنئ بعضنا البعض بمقدم خير شهر يأتي على النّاس، إذا بنا اليوم نعدّ اللّحظات والأنفاس، ونتطلع إلى خير ليلة تطلّ بظلالها على الأنام بين طيّات العشر الأواخر من شهر رمضان الكريم، ليلة اتّصال الأرض بالسّماء، تلك الليلة التي بشّر فيها النّبي ﷺ أمّته فيها أنّ من قامها [إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه] أخرجه الشيخان، وقد أعلى شأنها ربّنا جلّ جلاله وتعالى ذكره، ولم يعل قدرها إلاّ بما أنزل فيها، فهي خير من ألف شهر، فمن فاته العشرون من الرحمة والمغفرة، فلا يفته العتق من النّار واللّحاق بالأبرار، وتعظيما منه ﷺ لربّه وتقديرا له حق قدره، ورحمة منه بأمّته وإرشادا لها على أبواب الخيرات، فقد تركنا على هدي إحيائها من عديد الطّاعات وجليلها.
لقد كانَ ﷺ: [إذا دَخَل العَشْرُ أحْيَا اللَّيلَ، وأيْقظَ أهلَه، وجَدَّ، وشَدَّ المئزَرَ]، متفق عليه، فلنتفقّد أنفسنا عند هذه الهدايات بدءًا بالصّيام، فليحفظ المرء صيامه ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ثمّ لينهض بقيام ليله كلّه وإعماره بالصّلاة والقربى من المولى جلّ في علاه، مع الحرص الشّديد على تعاهد القرآن الكريم آناء الليل وأطراف النّهار، فلأجله شرّف هذا الشّهر وهذه الليلة، وليجعل هذه العشر محطّة للخروج من مخاصمة النّبي ﷺ له في هجر القرآن، وليقم به في صلاته وليحي به ليله، وليقتد بنبيه في الصدّقات وليقرض ربّه قرضا حسنا يسعد به يوم يلقاه يوم لا ينفعه مال ولا بنون، وليسع في تحصيل سنّة الاعتكاف فهي أوكد عبادة في العشر الأواخر، ومن لم يستطع فليوطّن قلبه على الاعتكاف لربّه في محراب الدّنيا وليكن متّصلا به في كلّ أحوال ليله ونهاره بما يرضي ربّه، وملاك ذلك كلّه الدّعاء فبه تفتح مغاليق الأمور، ويتعبّد المرء ربّه بأسمائه وصفاته الحسنى ويَدّعُ بقوله: [اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَفُوّ تُحِبُّ العَفْوَ فَاعْفُ عنّا]،
وليترقّب بقلبه عتقه من النّار في آخر ليلة من رمضان فإنّما يوفّى العاملون أجرهم عند آخر عملهم، فلا يفرّط المسلم في هذه المغانم والنّفحات فتخنقه عبرات الحسرات بعد رحيل شهر البركات، وليستعن بمولاه وليطلب منه التّوفيق والرّشاد فليست العبرة بإدراكها فقط وإنّما باغتنامها وإعمارها بما يرضي رب الأرض والسّماوات، {قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}[يونس 58].