عبد الحميد بن باديس: ثائرُ عصره

تحتفل الجزائر منذ عام 1976 بيوم العلم، وقد ارتبط إحياء هذا اليوم بوفاة رائد النهضة الجزائرية الإمام والمصلح والسياسي والصحافي والأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله. في أعقاب قيام الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله بالانقلاب على الرئيس بن بلة رحمه الله في ما عرف بالتصحيح الثوري في التاسع عشر من يونيو جوان 1965 […] The post عبد الحميد بن باديس: ثائرُ عصره appeared first on الشروق أونلاين.

أبريل 18, 2025 - 17:23
 0
عبد الحميد بن باديس: ثائرُ عصره

تحتفل الجزائر منذ عام 1976 بيوم العلم، وقد ارتبط إحياء هذا اليوم بوفاة رائد النهضة الجزائرية الإمام والمصلح والسياسي والصحافي والأستاذ عبد الحميد بن باديس رحمه الله.
في أعقاب قيام الرئيس الراحل هواري بومدين رحمه الله بالانقلاب على الرئيس بن بلة رحمه الله في ما عرف بالتصحيح الثوري في التاسع عشر من يونيو جوان 1965 قام العقيد بومدين وزير الدفاع ونائب الرئيس حينها بتعيين الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي المختص أصلا في الطب العام وزيرا للتربية الوطنية .
ويعد الدكتور طالب من بين المفكرين الجزائريين الذين تولوا عديد المناصب خلال عهدي الرئيسين الراحلين هواري بومدين والشاذلي بن جديد قبل أن يترشح ضد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة.
والدكتور طالب هو نجل الشيخ البشير الإبراهيمي أحد علماء الجزائر الكبار وخطبائها المفوهين، ثم إنه واحد من أبرز ما يعرف بعلماء الإصلاح إذ أنه بعد وفاة الشيخ عبد الحميد بن باديس في السادس عشر أفريل 1940 كان الشيخ البشير الإبراهيمي هو من خلف بن باديس.
بعد فترة من تعيين الدكتور طالب على رأس وزارة التربية دعاه الرئيس بومدين إلى مكتبه، ودار بين الرئيس الراحل وبين وزيره للتربية الوطنية نجل الشيخ البشير الإبراهيمي الصديقُ الحميم للعلاَّمة عبد الحميد بن باديس حوار.
سأل الرئيس بومدين خلاله الوزير قائلا: كيف نحتفي بيومٍ يُعيد لنا أبعاد الهوية الوطنية في مكوناتها الثلاثية الأبعاد؟
ويوضح الدكتور أحمد طالب في الجزء الثاني من كتابه:”مذكرات جزائري.. هاجس البناء” أنه في ظل ذلك الجو فتح الرئيس بومدين ذات يوم نقاشا داخل الحكومة حول الموضوع وراح يقول في إحدى الجلسات:
“إن الإنسان المتعلم لا يمكن استعباده، كما أنه من المستحيل إخضاعُ شعبٍ يَغْرفُ من مناهل المعرفة، لذلك فإنه لأَمرٌ رشيد أن نُقيم يومًا للعلم نحتفل به كل عام في المؤسسات المدرسية، وفي الأوساط الإعلامية من أجل أن نُذكِّر الجزائريين بمحاسنِ العِلْم”.
ويوضح الدكتور طلب في نفس الكتاب ص 45 و46، أن الرئيس بومدين طلب منه أن يقترح يوما لذلك، فاقترح عليه الدكتور طالب يوم الـ16 أفريل 1940 الذي يصادف يوم وفاة ابن باديس، ذلك أن الدكتور طالب كما أوضح لي شخصيا كان تلك الفترة لا يعرف تاريخ ميلاد الشيخ عبد الحميد بن باديس.
وخلال اتصالٍ هاتفي مع الدكتور يوم 8 أفريل 2020 أوضح لي الدكتور الإبراهيمي أن الرئيس بومدين رحمه الله قد وقَّع فعلا لاحقا عام 1976 على نص ذلك المرسوم الرئاسي الذي يقر الـ16 أفريل يوما وطنيا للعلم وهذا بعد مضي عشرة أعوام من ذلك النقاش، مع العلم أن ابن باديس ولد يوم الأربعاء 4 ديسمبر 1889 وتُوفي يوم الثلاثاء 16 أفريل 1940.
بن باديس شخصية استثنائية
ما من شكّ أن المتتبِّع لمسيرة رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس منذ مرحلة طفولته يشهدُ له بالاستقامة والأخلاق الحميدة وبسمو النفس وبالنبوغ والتميز.
لقد برزت أفكار هذه الشخصية الاستثنائية لاستنهاض همم الجزائريين في وقت كادت فيه القوة المحتلة تشجع على الخرافات وأعمال الشعوذة وسط الجزائريين بفعل سياسة التجهيل التي اتبعها الاحتلال لتخدير عقول الجزائريين وتنويمهم لتُبقيَ فرنسا هذه الأرض تحت سيطرتها إلى الأبد، ولتبقى الجزائر جنَّتها الموعودة .
وهكذا راح بن باديس ورفاقه يرفعون شعار: من أجلهما أَعيش: الجزائر والإسلام.
ما من شك أن المتتبع لمسيرة رائد النهضة الجزائرية الشيخ عبد الحميد بن باديس منذ مرحلة طفولته يشهدُ له بالاستقامة والأخلاق الحميدة وبسمو النفس والنبوغ، ناهيك عن الشجاعة ووضوح الفكر التي مَّيزته عن الكثير من أترابه وزملائه في الدراسة .
اهتم به والده سي مصطفى رحمه الله منذ صغره فأدخله ليحفظ القرآن الكريم عند الشيخ محمد المدَّاسي، وهو واحدٌ من أشهر مقرئي مدينة قسنطينة في تلك الفترة، ثم أصبح عبد الحميد تلميذا لدى العالم الكبير الشيخ حمدان لونيسي .
وقد كان الشيخ لونيسي رحمه الله من أشهر علماء الجزائر في تلك الفترة، قبل أن يُضطر إلى الهجرة خارج الوطن بسبب المضايقات التي طالته من الاستعمار وأذنابه، خصوصا بعد أن دخل في خلافات مع مفتي قسنطينة المعيَّن من طرف سلطات الاحتلال في تلك الفترة.
وقد استقر الشيخ حمدان لونيسي، وهو من نفس العائلة التي تنتمي لها الوزيرة السابقة والكاتبة زهور ونيسي منذ 1908 إلى غاية وفاته في 1920 بالمدينة المنورة مُدرِّسًا وخطيبا بالمسجد النبوي.
لقد اكتشف الشيخ حمدان لونيسي نبوغ الشاب عبد الحميد بن باديس، ولذلك فإنه راح يقرَّبهُ إليه، ويُشجِّعه على تحصيل العلم، إذ كان يتركه قبل أن يكمل سن الُثالثة عشر يَؤمُّ المصلين في شهر رمضان الكريم خصوصا .
وفي الرواية التي تضمنت سيرة الراحل عبد الحميد بن باديس تحت عنوان :”من أجلهما عشت” وهي عمل تاريخي وإبداعي ضخم من 576 صفحة للصديق الروائي الدكتور أحمد منوّر الذي يعيش حاليا بكندا، يشير الكاتب إلى أن روايته تتضمن كثيرا من الحقائق لم يجرِ التطرقُ لها سابقا من قِبل العديد من الكُتَّاب الذين تناولوا حياة وفكر عبد الحميد بن باديس، ومن بينهم الدكتور عمار طالبي، والدكتور تركي رابح، والدكتور ناصر الدين سعيدوني، والسيدة زهور ونيسي، والدكتور عبد العزيز فيلالي وغيرهم ممن تناولوا حياة وفكر ابن باديس، وتتعلق هذه الحقائق الموثقة حسب الدكتور مَنُّور ببعض الجوانب الخفية من حياة هذه الشخصية العظيمة .

زواجٌ لم يدم طويلا
لقد تحدث كثير ممنْ سردوا سيرة ابن باديس عن أن زواجه من ابنة عمه “يامنة” والذي وقع قبل توجهه إلى تونس للدراسة، لم يكن موفقا خصوصا بعد الفاجعة التي ألمّت بابن باديس في وفاة ابنه إسماعيل الذي كان والده يُطلق عليه اسم محمد عبدو نظرا لتأثر ابن باديس بالشيخ محمد عبده الذي زار قسنطينة في عام 1903 .
إذ خلال تلك الزيارة قام الشيخ حمدان لونيسي بتقديم عبد الحميد للشيخ عبده بعد أن طلب من عبد الحميد آنذاك عقب درس ألقاه الشيخ محمد عبده بأحد مساجد قسنطينة أن يُجوّد القرآن أمامه، وهو ما جعل الإمام محمد عبده يُعجب بطريقة تجويد الطفل بن باديس ويتمنى له النجاح والتوفيق .
وعقب تلك الفاجعة التي تمثلت في موت نجل ابن باديس إسماعيل، الذي لم يكن قد تجاوز سن الـ12 بعد حتى راحت زوجة الشيخ عبد الحميد بن باديس تُحمِّلُ زوجها مسؤولية موت ابنهما بتلك الطريقة المأساوية التي انتهى إليها الطفل، ذلك أن الطفل إسماعيل توجَّه ذات يوم إلى المزرعة العائلية كما كان يفعل عادة مع جده أو أبيه، وأمسك ببندقية جده وراح يعبث بها الأمر الذي أدى إلى خروج رصاصات طائشة خطأً لتخترق جسد الطفل وتُرديه قتيلا، مما أحدث فاجعة وحزنًا كبيرا لدى العائلة وخاصة لوالديْ الطفل.
وقد أدّت هذه الفاجعة إلى أن تسوء العلاقة بين الزوجين المفجوعين في ابنهما، مما اضطر الشيخ عبد الحميد إلى تطليق زوجته مبكرا.
ويذكر الدكتور منوَّر أنه أثناء دراسة ابن باديس للقرآن في مرحلة شبابه المبكر لدى الشيخ محمد المداسي وقبل زواجه من ابنة عمه، كانت إحدى بنات شيخه المداسي تقوم بتدريس البنات في نفس المسجد الذي كان يدرِّس فيه الشيخ المداسي .

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post عبد الحميد بن باديس: ثائرُ عصره appeared first on الشروق أونلاين.