غزة العزة.. جنّتنا وجحيمهم
لم تكد غزة، آخر قلاع العزة تستريح من حميم الجحيم الذي صُبّ على رأسها، لأكثر من سنة، حتى بدأ جحيم المؤامرات، لأجل مسحها من خارطة الكرامة الإنسانية، من الأعداء والأصدقاء معا، وبدلا من أن تكون رمزا أبديا وأرضا مقدسة، لا تختلف عن مواقع الكرامة في تاريخ البشرية، من زمن بدر والقادسية وحطين والجزائر وهانوي وبيروت، […] The post غزة العزة.. جنّتنا وجحيمهم appeared first on الشروق أونلاين.


لم تكد غزة، آخر قلاع العزة تستريح من حميم الجحيم الذي صُبّ على رأسها، لأكثر من سنة، حتى بدأ جحيم المؤامرات، لأجل مسحها من خارطة الكرامة الإنسانية، من الأعداء والأصدقاء معا، وبدلا من أن تكون رمزا أبديا وأرضا مقدسة، لا تختلف عن مواقع الكرامة في تاريخ البشرية، من زمن بدر والقادسية وحطين والجزائر وهانوي وبيروت، فإنهم يريدون أن يمسحوا تاريخها، برسم جغرافية جديدة وديموغرافية على شاكلة سنغافورة أو دبي، حتى يُنسي عمرانها وأبراجها وتواجد أهل الغرب فيها، ما حدث من بطولات أبناء فلسطين، وخاصة ما حدث من مجازر لم يسبق لها مثيل.
لا يمكن لغزة سوى أن تكون متحفا أبديا لأروع مقاومة وأبسل صمود، ولا يمكن أن يدير هذا المتحف غير أهله من الذين تشبَّثوا بالأرض واعتبروها جنَّتهم التي يجب أن يخلدوا فيها، ولن تغريهم بعد ذلك حقول تفاح الشياطين، الذين يريدون إخراجهم منها.
الرئيس الأمريكي الذي كان كأهل الكهف، حيث لبث هناك بعيدا عن “الوعي”، سنة وأكثر، لا شيء يشغله برفقة من سبقه، غير كيفية تأمين السلاح للإرهابيين الصهاينة، هو نفسه من كشف للعالم بأن غزة ما عادت تصلح للحياة، من دون أن يشرح لنا كيف حدث ذلك، ومن تسبّب فيه، ومن ساعده على فعلته الشنيعة؟ وبدلا من أن يفكر في الإعمار وتضميد الجراح، صار يفكر في جعل غزة بلادا تصلح للحياة، ولكن ليس لحياة الغزاويين، وإنما لأناس آخرين، من أصدقاء الشرّ الذين يوزِّعون الناس الذين يريدون، على أرض الله التي امتلكوها من دون حق.
شيّدت غزة نفسها من رفات أبنائها، ورسمت خارطتها بأنفاقها من عقول أبنائها، وجعلت أرضها فقط للطاهرين المرتقين، وحتى عندما قتلوها ارتضت بقبرها في قلب غزة مكانا لخلدها، ورفضت ما عداها من بلاد، فأتعبت غزة كل مدن العالم، وأحرجتها في أن تستطيع الصمود أمام أكبر ترسانة حرب في تاريخ البشرية، شارك فيها البعيدون وحتى الأقربون، إلى أن انتصرت بعد أن دفعت من قياداتها ومن شعبها ثمنا باهظا، تستحقه غزة، حتى تبقى للأبد قلعة للعزة.
ثقيلة على عقل الرئيس الأمريكي الصغير، أن يفهم كيف لمواطنين أن يعودوا بهذا الشغف والإصرار، إلى الخراب، حيث ينافس الركام الركام، ويمتزج الجوع بالبرد، والدمع بالشجن، بعضٌ ضيّع بيته، وبعضٌ ضيّع عينا أو ذراعا أو قدما، وبعضٌ ضيع كليهما.
صعبٌ عليه أن يفهم أنّ الحياة ليست مالا ولا تطاولا في البنيان، ولا سيارة ومنتجعات تزحلق، صعبٌ عليه أن يفهم أن غزة هي الحياة والجنة، ودون ذلك هو الموت والجحيم.
كذب وبهتان أن يقول ترامب إن ملهمه في السياسة هو الرئيس الرابع والثلاثين للولايات المتحدة الأمريكية، دوايت ديفيد إيزنهاور، وإيزنهاور نفسه يقول:
لا توجد أمة في العالم لديها الحق في تحديد مصير شعب آخر. لا يوجد سلام إلا إذا كان هناك عدل. لا يمكن للحرب أن تكون إنسانية.
الجيش لا يبني البلاد، إنما يحميها!
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post غزة العزة.. جنّتنا وجحيمهم appeared first on الشروق أونلاين.