مبادئ الثورة الجزائرية منها: مبدأ الاتحاد والأخوة الإيمانية
أ. محمد مكركب/ سبق في الكتاب الأول، بيان أهداف الثورة الجزائرية الجهادية أم الثورات، التي كانت أعظم الثورات التحررية في العصر الحديث. كيف لا وهي ثورة جهادية أصَّل لها العلماء، ونفذها المجاهدون، وأجمع الجزائريون على أهدافها ومبادئها، فكانت الثورة الجزائرية ثورة أول نوفمبر1954م أُمَّ الثورات التحررية. وصار إذا ذكرت الجزائر ذكر الشهداء، وإذا ذكر الشهداء …

أ. محمد مكركب/
سبق في الكتاب الأول، بيان أهداف الثورة الجزائرية الجهادية أم الثورات، التي كانت أعظم الثورات التحررية في العصر الحديث. كيف لا وهي ثورة جهادية أصَّل لها العلماء، ونفذها المجاهدون، وأجمع الجزائريون على أهدافها ومبادئها، فكانت الثورة الجزائرية ثورة أول نوفمبر1954م أُمَّ الثورات التحررية. وصار إذا ذكرت الجزائر ذكر الشهداء، وإذا ذكر الشهداء ذكرت الجزائر. فعنوان: {المليون والنصف المليون من الشهداء لم يأت من مجرد آمال وأقوال، لم يأت من فراغ، وإنما بتوفيق من الله سبحانه، بسبب كبار الأعمال، التي قام بها رجال وأبطال.} هي الثورة التي جعلت رئيس فرنسا بجيوشه وأحلافه وقوة الكفر كلها من ورائه، جعلته يقول: (فهمنا واعترفنا أن الجزائر جزائرية). قالها عندما شعر بالإحباط والانهزام أمام صمود وثبات جيش التحرير الجزائري. وفي هذا المقال كتاب: مبادئ الثورة الجزائرية.
المبدأ الأول: مبدأ الوحدة والاتحاد والأخوة الإيمانية: وهو مبدأ قُرآنِيٌّ وسُنِّيٌ، بدونه لا يستقم أمرُ القوم، ولا تنهض لهم نهضة، ولا يتحقق لهم نصر بغير مبدأ الوحدة والاتحاد والأخوة، ذلك لأن الأخوة والاتحاد والوحدة من ثمرات الإيمان، والعبودية لله سبحانه. جاء في بيان أول نوفمبر:{فإننا نعتبر أن الشعب الجزائري في مجتمعه الداخلي، متحدا حول قضية الاستقلال، والعمل (من أجل التحرر التام)} عملا بقول الله تعالى:﴿وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً﴾ (التوبة:36) وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بعض﴾ (التوبة:71) وهذا المبدأ الثوري الجهادي الإيماني ليس ضروريا في الجهاد القتالي ضد المحتلين فقط، وإنما هو مبدأ ضروري للمسلمين في بناء المجتمع والدولة، وقيام الحضارة والمدنية. وهذا هو المقصد من البحث في أهداف الثورة، ومبادئها، ومنهجيتها، وذكر أسباب انتصاراتها. فكل الشعوب التي خالفت مبادئها بعد استقلالها، أوبعد فتوحاتها وانتصاراتها، وقعت في فتن وأزمات ومن الشعوب من احْتُلَّتْ من جديد. فأنا في هذه المقالات لا أريد أن أحكي حكايات، من أجل الانبهار بالمعارك والبطولات، وإنما أُذَكِّرُ بالعبر والآيات لاعتمادها في العمل المستقبلي، في التحصين والإعمار والإصلاحات. فالأخوة التي نجح بها الثوار المجاهدون الجزائريون، هي الأخوة نفسها التي سننجح بها بإذن الله تعالى، في نهضتنا الحضارية، وفي استمرار قوتنا الدفاعية. فلنا الموعظة والتنبيه في أحوال كل الشعوب التي مازالت تعاني النزاع والقتال بين أبنائها، بسبب الطائفية والمذهبية والقبلية والحزبية، وبسبب الصراع المقيت بين الزعماء المفتعلين من أجل المناصب، والمكاسب، وحب الظهور الذي يقصم الظهور. فمبادئ ثورتنا زاد لنا في مسيرتنا بعد كتاب ربنا سبحانه وتعالى، وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام. المبدأ الثاني: مبدأ الوحدة الوطنية: وهو مبدأ تابع للأول. ورد في بيان أول نوفمبر.:{إن حركتنا الثورية قد وضعت المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات.. فثورتنا موجهة فقط ضد الاستعمار الذي هو العدو الوحيد… ونتيح الفرصة لجميع المواطنين الجزائريين، من جميع الطبقات} وهذا عملا بقول الله تعالى:﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ (الصف:4) لأن الثورة الجزائرية قد استمدت مبادئها من الكتاب والسنة، وتعلم رجالها من السيرة النبوية. ونحن الآن علينا أن نتمسك بهذا المبدأ عاقدين العزم على نظل معتصمين بحبل الله، مهتدين بهديه. قال الله تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (آل عمران:105) أقول لمن يتابع هذه البحوث التاريخية: إن المحافظة على كيان الدولة الجزائرية بكل سيادتها ومؤسساتها وحريتها، وأمن استقلالها، لهو أعظم واجب، وأصعب جهاد من جهاد المقاومة والتحرير. وهذا هو الهدف من دراسة التاريخ.
﴿وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (الأنفال:)26) كان المجاهدون الجزائريون في ثورة التحرير يعتبرون الوحدة الوطنية من أقوى الضمانات المحققة للنصر. والمبدأ الثالث من مبادئ الثورة: العمل بالشريعة الإسلامية. لقد كان القادة الثوار، يستصحبون معهم فقهاء ليستشيروهم في المسائل الشرعية، ومنهم، ذكرت لكم في مقال سابق: الشيخ محمد أحمد المهدي شريف، الذي استشهد في ميدان الجهاد.1959ه وهو الشيخ الذي حفظت القرآن على يده رحمه الله. وكانت جريدة الثوار تسمى المجاهد، والثوار يسمون المجاهدين. وكانوا يحلون ما أحل الله، ويحرمون ما حرم الله في كل أعمالهم الجهادية. فهذا المبدأ يجب أن نعتمده في مواجهة التخلف والجهل والفساد، في كل زمان، فمبدأ العمل بالشريعة، هو مبدأ المبادئ كلها. كان الثوار يأمرون الناس بالصلاة والزكاة والصيام، ويعاقبون تارك الصلاة، ومن يتعاطى التدخين، والشمة، ويعاقبون شارب الخمر، ويقيمون الحدود على مرتكبي الفواحش، وكان الثوار المجاهدون يدعون إلى تعلم وتعليم القرآن الكريم. فقد كان بعض أعضاء جيش التحرير ممن يحفظون القرآن يقومون بتعليم الآخرين. والمبدأ الرابع: مبدأ وحدة القيادة المتمثلة في جبهة التحرير الوطني: فقد ورد في المادة الأولى من المبادئ العامة للقانون الأساسي لجبهة التحرير الوطني، مما نشر سنة:1956م: {إن جبهة التحرير الوطني هي منظمة الشعب الجزائري المحارب الذي يكافح في سبيل تحرير الجزائر من النظام الاستعماري الفرنسي، وإقامة دولة جزائرية مستقلة ذات سيادة} قد وفق الله سبحانه الثوار المجاهدين عندما عملوا بتوجيهات جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في أربع خصال: التمسك بشريعة الله عز وجل. والتزام الوحدة الوطنية. وعدم تقسيم الشعب إلى أحزاب. وتطهير المجتمع من الموبقات. وكل ذلك تحت الشعار العام، أو قل المبدأ الثلاثي العظيم:{الإسلام ديننا، والعربية لغتنا، والجزائر وطننا}