وهم المنهجية العبثية وحقيقة التناقضات الجلية
بقلم الشيخ عماد قندوز مراجعة د. جلال لمرد قد يبدو العنوان غريبا نوعا ما، كيف يمكن وصف اللامنهجية بأنها منهجية؟ و لكن سوف أحاول بيان ذلك بعيدا عن تتبع التعاريف الأكاديمية للمصطلحات، و الاختصار بما اظنه معلوما لدى القراء الكرام من تعاريف للمنهجية و للتناقض و للمدارس الدينية، لكي نسرع حثيثا نحو فهم المقصود خاصة …

بقلم الشيخ عماد قندوز
مراجعة د. جلال لمرد
قد يبدو العنوان غريبا نوعا ما، كيف يمكن وصف اللامنهجية بأنها منهجية؟ و لكن سوف أحاول بيان ذلك بعيدا عن تتبع التعاريف الأكاديمية للمصطلحات، و الاختصار بما اظنه معلوما لدى القراء الكرام من تعاريف للمنهجية و للتناقض و للمدارس الدينية، لكي نسرع حثيثا نحو فهم المقصود خاصة ونحن نلمس معكم قصدا واضحا من بعض الباحثين على – حد زعمهم- و بعض المتكلمين في المجال الديني، والمنظرين لبعض مظاهر التدين في العالم الإسلامي اليوم، وما نراه من الضرب صفحا عن العمل العلمي التراكمي الديني الأصيل و المؤصل، بل قد يسفهون من يحتج به و يتهمونه بالجمود و التخلف وعدم التفاعل الآني مع الواقع، و قد يلفون هذا الانسلاخ و التنكر للمدارس الفقهية والعقدية و السلوكية والتي لا ينكر باحث عاقل ذا تفكير منهجي ما بذلته و اعتمدته هذه المدارس من منهجية محكمة على الأقل في تحديد ضوابط البحث والنظر فيها، مما يجعل الباحث المنصف يرفع لها القبعة على هذا الانضباط المنهجي و المعرفي في عرض نتاجها الفكري، لفوا كل هذا بلفيف التتبع المنطقي أو التحقيق التأصيل لبيان الغث والسمين.
مناهج المدراس الفقهية، ومنهجية النقد المعتمدة:
إن الحقيقة التي لا تخفى على من درس منهجية البحث في العلوم الإسلامية خاصة و أصولها وضوابطها هي تلك النتيجة التي لا تدع مجالا للشك أن أصحاب المدارس الدينية المذكورة لم يكونوا سذجا ولا عبثيين بل كانوا من الدقة والتحقيق و المنطقية بمكان، غير أن عين السخط توري المساوي كما قال الشاعر، إن اللامنهجية التي تدعمها جهات عدة تارة تتلبس باسم الدين و التدين، وتارة تتدثر باسم التطوير والتجديد، يتعمد أصحابها قصدا القفز على أصول الضوابط التي رسمها أرباب هذه المدارس، ومن أبرز الأمثلة: من يزعم مثلا نقد مذهب المالكية معتمدا على أصول مذهب أخر من المذاهب الفقهية، أو من يظن أن نقد المدارس الكلامية لابد أن يتجرد من فهم المباحث العقلية و قل مثله فيمن يريد ترشيد المدارس السلوكية بمخرجات وخرافات التنمية البشرية أو الرياضات الروحية الهندوكية، كل هذا عبث في عبث و تنصل من المنهجية البحثية المزعومة لدى متبني هذه الطرق في النقد.
من المعلوم أن ضبط المصطلحات في كل فن هو المفتاح لفهم أو نقد أي فن، و ضبط الأصول ومنهجية النظر في كل مدرسة هو المصباح للحكم والتحاكم، وإذا كانت المنهجية هي من ترسم الطريق الواضح و المعالم للباحث من أجل النقد أو الإيضاح، فاللامنهجية لا تراعي هذا أبدا، بل يتعامى دعاتها عن فهم القوانين التي خطها أصحاب المدارس للسير في طريقهم الذي يريد منتقدوه أن يجعلوه دارسا،و المنهجية العلمية تفرض على كل منتقد أو مجتهد الإحاطة بأصول وضوابط فهم هذه المدارس ومدارج الاستدلال عندها و طرقه فإن تعدى هذا الذي يتسمى بالمنتقد كل هذه الضوابط فالظاهر أنه متمرد فقط يلجأ إلى الثورة على الكل دون عذر ولا عزو ولا فهم، وجهده المبذول لا يعدو قصدا للمخالفة يخالفهم ولو بتتبع المغالطة.
إن التعرف على منهجية المدارس و نقدها وفق منهجية هي الطريقة العلمية لإلزامهم بما التزموا، و إقامة الأدلة عليهم منهم، أما ان نقفز من مدرسة للنقد أخرى ثم نعاود القفزة الى اختيارات نفس المدرسة التي نقدنها في السابق للنحتج بها ضد من استندنا عليها أولا في الرد عليها ليس من المنهجية في شيء، بل هذا اسمه عبث معرفي واضح، وتخييرا لا يولد إلا تحييرا نراه مثلا اليوم أمامنا في هذه المظاهر المشوهة للتدين بين تعصب وترسب و تكسب، إن المنهجية التي وضعها علماء الإسلام في مذاهبهم العقدية والفقهية والسلوكية لها من المتانة ما يعجز أمام تفنيدها من يريد نقدها من الداخل، إلا أن يصل الى ما يسميه أهل الاختصاص الخلاف السائغ، الذي لا يثير النعرات ولا يفرق البلدان و الجماعات، بل يدخل في التنوع الجميل لهذا الفضاء الفكري البديل، و الكفيل لكل متدين رصين لا يكب مركب التلفيق و يأخذ كل ما حلى له من طريق كيفما شاء هواه، لذا يلجأ انصار اللامنهجية الى ابتكار منهجية جديدة هي في ظاهرها منهجية بحث وتقصي ونقد وقد تتسم بما تتسم به منهجية البحث من تسمية و طريقة عرض فقط، أما المصداقية والموضوعية فيظهر لي أنها غائبة و سبب ذلك في نظري هو التجني الفاضح على هذه المدارس لا لشيء إلا من أجل إثبات غلطها وقدمها، وعدم مواكبتها للعصر، مما يدفع متبنوا ما أسميته بمنهجية اللامنهجية من ليي النصوص، و التنصل من قواعد هذه المدارس، ثم محاكمتها بقواعد غيرها من المدارس المخالفة له.
العبثيون… و وهم المنهجية؟:
يظن الغر أنه قد حصل شيئا لكنه لم يزد إلا بعدا عن الموضوعية و المصداقية، إن هذا الأسلوب الذي يتوهم مبتكروه بأنه منهجية عالمية ما هو الى تخليط و تغليط، و محاولة مصادرة على المطلوب، و أنا إذ أقول هذا لست أدعو الى نبذ الردود وتمحيص التراث المدرسي الديني، لكن لابد أن يكون ذلك التمحيص و التنصيص وفق منهجية علمية موضوعية و مرنة ننقد كل مدرسة سواء كانت عقدية أو فقهية أو سلوكية ولكن وفق منهجية بحثية علمية حقيقية، مع مراعاة أصول كل مدرسة وما تقول عليه حقا وما ليس منها صدقا، لا ما يفعله اللامنهجيون من دس و قصن، وهذا مخالف لما يدعون من منهجية علمية، مع مراعاة أيضا فضل السبق و تولد عنه من تراكمية معرفية موجبة للاحترام والشكر و التقدير و النظر الحيادي و الخبير، فإن طبقنا مبادئ النقد العلمية الموضوعية و تبين لنا غلط تلك المدارس صوبنا وما عبنا ولا
استهزئنا، ولا شوهنا واجتزأنا، لا شهرنا وشوهنا و قلنا:إن كل هذا هراء و ضلال مبين أو ضعف في البحث والتلقي و التلقين، و غيرها من الألفاظ المطلقة المعممة المعتمة، و التي تشعر قارئها بأن القصد قطع السند بين الامة ومصادرها وأصولها بدعوى التجديد أو التأكيد على الصحيح من العليل و الله من وراء القصد وهو يهدي الى سواء السبيل.