إسقاط التجربتين الأسترالية والهندية لصناعة السيارات على الجزائر
لا تقاس قوة الاقتصاد الوطني بحجم الإيرادات الريعية أو رصيد الدولة من العملات الأجنبية، وإنما تقاس بمدى قدرتها على الإنتاج الصناعي والتكنولوجي، وعلى خلق قيمة مضافة حقيقية داخل الاقتصاد، فالدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية كمصدر رئيسي للدخل، تبقى اقتصاداتها هشة وعرضة للتقلبات الخارجية، رغم ما قد تحققه من فوائض تجارية ظرفية. وغالبا ما يؤدي […] The post إسقاط التجربتين الأسترالية والهندية لصناعة السيارات على الجزائر appeared first on الشروق أونلاين.


لا تقاس قوة الاقتصاد الوطني بحجم الإيرادات الريعية أو رصيد الدولة من العملات الأجنبية، وإنما تقاس بمدى قدرتها على الإنتاج الصناعي والتكنولوجي، وعلى خلق قيمة مضافة حقيقية داخل الاقتصاد، فالدول التي تعتمد على الموارد الطبيعية كمصدر رئيسي للدخل، تبقى اقتصاداتها هشة وعرضة للتقلبات الخارجية، رغم ما قد تحققه من فوائض تجارية ظرفية.
وغالبا ما يؤدي هذا النمط الاقتصادي إلى تكريس التبعية، حيث تعتمد تلك الدول بشكل شبه كلي على استيراد حاجياتها الأساسية من أغذية وأدوية وتجهيزات ووسائل نقل، بل وحتى الأسلحة، مما يجعلها مجرد أسواق استهلاكية تستفيد منها الدول الصناعية المتقدمة.
في المقابل، تعد الولايات المتحدة الأمريكية دليلا حيا على أن قوة الاقتصاد تقاس بقدراته الإنتاجية وتنوعه الصناعي وعمق سوقه المالية، وليس بمستوى مديونيته، إذ تعتبر من أكثر دول العالم مديونية بما يفوق 33 تريليون دولار، ومع ذلك، تبقى أكبر قوة اقتصادية عالمية بفضل تفوقها التكنولوجي، وصناعاتها المتقدمة، ومؤسساتها المالية القوية.
التوجه الجزائري نحو الاكتفاء الذاتي الصناعي
بدأت الجزائر في السنوات الأخيرة مسارا طموحا نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي، ليس فقط في المجال الزراعي، وإنما بتوسيع الطموح ليشمل القطاع الصناعي، وبالأخص صناعة السيارات، وقد تم الإعلان عن حملة وطنية تهدف إلى تجنيد الكفاءات الجزائرية من داخل الوطن وخارجه، لبناء صناعة ميكانيكية متكاملة، تضمن مطابقة المنتجات للمعايير الدولية، ضمن رؤية تشاركية جامعة لأصحاب الاختصاص، ومراكز البحث، والجامعات، والمجتمع المدني.
إن إطلاق هذه الحملة الوطنية يعد خطوة إيجابية ومبشّرة، ويحبذ الاستمرار على هذا النهج التشاركي البنّاء، في جميع المجالات، كما يستحسن إشراك أصحاب الاختصاص من داخل الوطن، ومن أبناء الجالية الجزائرية في الخارج، إلى جانب فعاليات المجتمع المدني، في تنظيم ورشات وطنية علمية وأكاديمية، وذلك من أجل بلورة مقترحات عملية ومجدية، من شأنها أن تساهم في خدمة الوطن وتلبية تطلعات المواطن.
لقد سبق لي أن تقدّمت بعدد من المقترحات خلال عهدتي النيابية بالمجلس الشعبي الوطني، كان أولها في تدخلي البرلماني سنة 2007، بإمكانية صناعة السيارات تحت اسم “سوناكوم” ما دامت الشركة الأم تصنع الشاحنات والحافلات، ثم جدّدتها في سنة 2011 خلال ورشة برلمانية نظمت مع وزير الصناعة، آنذاك، حول واقع وآفاق صناعة السيارات في الجزائر، وقد جاءت هذه المقترحات عقب عودتي من زيارات ميدانية لكل من أستراليا والهند، في إطار المهام التمثيلية التي قمت بها تجاه الجالية الجزائرية المقيمة بالخارج، والتي كنت أمثلها في البرلمان. وقد أتيحت لي فرصة الإطلاع المباشر على تجارب تلك الدول في تطوير قطاع صناعة السيارات، ما مكّنني من الوقوف كشاهد عيان على مساراتها التنموية. وفي مقال سابق كتبته سنة 2023 بعنوان: (سيارة “السوناكوم” الكهربائية.. التجربة النرويجية في صناعة السيارات الكهربائية وإسقاطها على الجزائر)، وهذا لما تزخر به الجزائر من مادة “الليثيوم” أو ما يعرف بـ”الذهب الأبيض”، وهي القلب النابض للكثير من التكنولوجيات وخاصة بطاريات السيارات الكهربائية، والتي تمثل حوالي 50 إلى 70 بالمئة من تكلفة السيارة الكهربائية.
وتجدر الإشارة إلى أن التجربتين الأسترالية والهندية في هذا المجال اتسمتا بالتدرج والانتقال عبر مراحل مدروسة، ما مكّنهما لاحقا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال تصنيع السيارات، والتحوّل إلى دولتين صناعيتين مستقلتين في هذا القطاع الإستراتيجي.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post إسقاط التجربتين الأسترالية والهندية لصناعة السيارات على الجزائر appeared first on الشروق أونلاين.