الإعدام لمهندس معماري قتل ممرضة بأم البواقي

لم تشغل جريمة قتل أهل ولاية أم البواقي، وخاصة مدينة عين البيضاء كما شغلتها جريمة تصفية الممرضة الشابة حفيظة منصوري صاحبة الـ27 سنة، التي اختفت ذات شتاء من نهاية سنة 2021، عن الأنظار، وأثار اختفاؤها الرأي العام، خاصة أنها معروفة بطيبتها واجتهادها في مستشفى الأمومة والطفولة “بومالي محمد” بمدينة عين البيضاء. قبل أن يُصدم سكان المنطقة والجزائر قاطبة عند اكتشاف جثة حفيظة محروقة إلى درجة التفحّم في أجزاء مختلفة ومدفونة في قبر في مكان بعيد عن الأنظار بإحدى مشاتي ولاية أم البواقي.
المحاكمة الابتدائية أدانت الجاني المهندس المعماري المدعو “هـ.أ” البالغ من العمر 35 سنة، بالإعدام، وجاء الطعن، فبُرمجت المحاكمة الاستئنافية لتاريخ 21 أفريل الماضي، وتم تأجيلها قبل معاودة فتحها يوم الخميس في محاكمة ماراتونية امتدّت إلى غاية الجمعة، حيث طابقت إدانة محكمة الجنايات الاستئنافية بمجلس قضاء أم البواقي، التماس ممثل النيابة العامة بتهمة جناية القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد والحرق وجنحة تخريب وثائق إدارية، مع إلزام المتهم بتعويض والد ووالدة الضحية بمبلغ إجمالي قدره 700 مليون.
تعتبر الضحية حفيظة منصوري ناشطة سياسية، حيث ترشحت في سنة 2021 للانتخابات المحلية وكانت تمني النفس برئاسة بلدية مسقط رأسها عين البيضاء تحت مظلة حركة النهضة، وتقدم منها الجاني في بحر سنة 2021 لأجل خطبتها، ولكن مشاكل متعلقة بمزاج الجاني، ورفضه لعملها، بخرت المشروع وبقي يطاردها بين الحين والآخر، إلى أن تفاجأت أسرتها بعدم عودتها في الثاني والعشرين من شهر ديسمبر 2021 إلى البيت العائلي، وباءت كل محاولات البحث عنها بالفشل، وباشر أهلها وزملاء السياسة والعمل في المستشفى نشر صورها على مواقع التواصل الاجتماعي، كما باشرت مصالح الأمن والدرك الوطني حملة بحث وتحقيق في سبيل كشف خيوط لغز اختفاء الممرضة حفيظة.
إلى أن اكتُشفت جثتها محروقة ومدفونة في قبر غير بعيد عن منطقة فكيرينة، وهنا وجهت أصابع الاتهام مباشرة للمهندس المعماري الذي اختفى في أول يوم من اختفائها، ولم تجده مصالح الشرطة في بيته، فحاول والده مرة ومرارا الاتصال به عبر هاتفه النقال المغلق، إلى أن تواصل معه وترجاه بالعودة، لأن رجال الأمن حضروا إلى البيت وهم يسألون عنه، فقرر العودة من أجل إلقاء السلام على والده، واتضح بأنه سافر إلى وهران وتواصل مع منظمي الهجرات السرية من أجل الإبحار إلى الضفة الأخرى فرارا من أيدي الأمن بعد ارتكابه جريمته البشعة واكتشاف جثة ضحيته التي قال خلال المحاكمة بأنه كان ينوي خطبتها ولكن رفضها له أثار غضبه الذي تحوّل إلى قتل وتنكيل بجثتها.
خلال كل مراحل التحقيق، اعترف الجاني بما اقترفه من بشاعة الانتقام، وقال بأن سبب ذلك هو خلافات بينه وبين خطيبته المستقبلية كما قال، حيث اختصر مشهد الجريمة في مكالمة هاتفية جمعته بالضحية، بلقاء في وسط مدينة عين البيضاء، فتنقلا سويا عبر سيارة الجاني من نوع “رونو كليو” إلى مدينة أم البواقي، فعرج إلى مكان معروف في الولاية وهو سبخة الشط التابعة لبلدية فكيرينة، فجريمة خنق استعمل فيها خمار الضحية، إلى غاية الموت وحرق جثتها ودفنها في قبر اتضح خلال التحقيق، بأنه حفر قبل الحادثة بأكثر من أسبوع، إضافة إلى تواجد قارورة من البنزين في سيارته من دون داع لذلك، مما يعني أن تخطيطه للجريمة قديم مع سبق الإصرار والترصد، كما أحرق حقيبتها في مكان آخر، دلّ عليه مصالح الأمن بعد ذلك، وكان بحقيبة الضحية، أهم الوثائق الخاصة بالضحية ومبلغ من المال.
خلال المحاكمة الماراطونية، تم سرد تقرير الطبيب الشرعي، الذي اعتبر الخنق سببا للوفاة وقدر نسبة حرق جسمها بقرابة الخمسين بالمائة، وكل الحروق كانت من الدرجة الثالثة الخطيرة، حيث سعى الجاني إلى طمس جريمته، وظن بأن اختفاء الممرضة حفيظة منصوري سيبقى سرا مدى الحياة، خاصة أنه منّ النفس بالإبحار إلى إسبانيا من دون رجعة.
محامي المتهم حاول التركيز على توقيت حفر القبر، من خلال القول بأنه حدث بعد جريمة القتل، في محاولة لإسقاط صفة الإصرار والرصد، لكن ممثل النيابة أعاد المحاكمة إلى حقيقتها عبر جريمة بشعة هزت ولاية بأكملها، وكل الدلائل، وأقوال الشهود، وحتى اعترافات الجاني تؤكد بأن الجريمة حدثت مع سبق إصرار وترصد، فلا مبرر لأن يتنقل شاب بخطيبته المستقبلية إلى مكان مهجور، ولا مبرر في أن يحمل في سيارته قارورة بنزين، ومن دون الحديث عن القبر المحفور مسبقا، وحرق حقيبة الضحية اليدوية بما فيها من وثائق وأموال.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post الإعدام لمهندس معماري قتل ممرضة بأم البواقي appeared first on الشروق أونلاين.