الذكاء الاصطناعي وعمران الأنسان
مازن صاحب إن الذكاء الاصطناعي وما بعده مجرد تصدير متجدد للثقافات الغربية عن وقائع الثقافة العربية والإسلامية ونموذجا لاستعمار الدول والحصول على مواردها المالية والبشرية، وتوظيفها في مشاريع تدر الأرباح على تلك الشركات متعددة الجنسيات لصالح دول ترعى برامجها عمران الأنسان… انشغل العالم برسوم الرئيس الأمريكي ترامب على التبادل التجاري مع بقية الدول لعل أبرزها …

مازن صاحب
إن الذكاء الاصطناعي وما بعده مجرد تصدير متجدد للثقافات الغربية عن وقائع الثقافة العربية والإسلامية ونموذجا لاستعمار الدول والحصول على مواردها المالية والبشرية، وتوظيفها في مشاريع تدر الأرباح على تلك الشركات متعددة الجنسيات لصالح دول ترعى برامجها عمران الأنسان…
انشغل العالم برسوم الرئيس الأمريكي ترامب على التبادل التجاري مع بقية الدول لعل أبرزها الصين ودول الاتحاد الأوروبي، فيما أي مقارنة بين توجهات لزعماء العالم المتقدم تبدو اليوم أقرب الى تعريف ابن خلدون في مقدمته لعمران البلدان، حيث يرى في العمران البشري أنه “ما يعرض في اجتماعهم من أحوال العمران في المُلك والكسب والعلوم والصنائع بوجوهٍ برهانية، يتضح بها التحقيق في معارف الخاصة والعامة، وتُدفع بها الأوهام والشكوك”، ثمَ يقسم هذا العلم لفصول في العمران البشري على الجملة وأصنافه وقسطه من الأرض.
من تحت رماد الشيوعية الماوية
هكذا احتلت الأرض الجديدة في الهند الأمريكية ثم نشوء الولايات المتحدة الأمريكية بقوتها الإمبريالية، فيما تبعث الصين من تحت رماد الشيوعية الماوية لتمارس نموذجها الإمبريالي الجدد، وتقف القارة الأوروبية العجوز بانتظار فرصة النهوض من رماد الأفول العسكري ما بعد سقوط الشيوعية السوفيتية، فيما يسعى بوتين لتقمص أدوار القياصرة، فما الذي ننتظره في عالمنا العربي والإسلامي؟؟
الإجابة الأكثر وضوحا، إن تراكم الاحتلالات على منطقة وادي الرافدين ما بعد سقوط الدولة البابلية الثالثة، لم ينته الى بروز أي عقد اجتماعي خارج فلسفة السلطة الى منافع العمران التي يؤشرها ابن خلدون في مقدمته، والتي عدلت وطورت في نماذج العقد الاجتماعي وفق الانسجام ما بين فلسفة السلطة وعمران الدولة القومية الأوروبية ما بعد اتفاقات وتيسفاليا ومن ثم اتفاقات فينا، التي سقطت في أتون الحرب العالمية الأولى ولم تتملص من آثام الحرب العالمية الثانية، وكلاهما صدر للعالم العربي والإسلامي النموذج الأوروبي، وما بين تلك الفجوة المعرفية التي تركتها الدولة العثمانية على “أسلابها” التي وزعت بين المنتصرين في الحرب العالمية الأولى، قفز التطور المجتمعي والتربوي من دون اتفاق وطني بثوب ديني لعمران الأنسان والأوطان، بل فقط الاستكانة للغزو وقواته والتعامل مع المصالح التي تتصارع محليا لكسب رضا المحتل الأجنبي وصولا الى منصة السلطة .
في المقابل، حينما نتابع وقائع الصراع الحالي بين أمريكا الرئيس ترامب وغيره من الدول، يمكن ملاحظة ذلك الاعتراف بان القرن الجادي والعشرين الذي أرادته الولايات المتحدة إن يكون” نهاية التاريخ” وفق رؤية الدكتور فوكو ياما، أو إن يكون صراعا بين الحضارات وفق رؤية هنتنغتون، كان لابد أولا إن يتوقف عند ما شخصه الدكتور بول كنيدي في كتابه الاستعداد للقرن الحادي والعشرين، في امتلاك تلك المسافة الواضحة في برامج البحث والتطوير التي تتفوق فيها الولايات المتحدة على الشركاء والخصوم في إن واحد، لاسيما فيما ظهر بعد ذلك في محال الذكاء الاصطناعي وصناعات الفضاء وتطورات الصحة العامة والتربية والتعليم .
مخزون محلي من مواهب الذكاء الاصطناعي
لذلك الأولوية الأولى هي الحفاظ على مخزون محلي من مواهب الذكاء الاصطناعي وتعزيزه وحمايته، بينما تواصل أمريكا ممارسة جذب قوي للمواهب الأجنبية، فإن رصيدها المحلي من العمال المهرة أو المتخصصين للغاية أصبح ضحلًا للغاية بحيث لا ينافس بشكل صحيح منافسها الأكثر شراسة، الصين.
في التقييمات الدولية، لا يزال نظام التعليم الأمريكي من الروضة إلى الصف الثاني عشر متخلفا عن أنظمة العديد من الدول الصناعية الأخرى، وخاصة في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وكما لاحظت لجنة الأمن القومي الأمريكية المعنية بالذكاء الاصطناعي في تقريرها لعام 2021، تواجه واشنطن عجزا هائلا في القوى العاملة، و”المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي والمواهب الرقمية نادرة للغاية في الولايات المتحدة”، على الرغم من أن الطلب على مهندسي البرمجيات أقل مما كان عليه قبل عامين أو ثلاثة أعوام، إلا أنهم لا يزالون مطلوبين بشدة في جميع أنحاء مؤسسة الأمن القومي الأمريكية، حيث يصف البعض النقص الحالي في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات في القاعدة الصناعية الدفاعية بأنه “لحظة سبوتنيك أخرى لا يمكننا تجاهلها”.في غضون ذلك، تستمر فجوة المواهب المحلية مع الصين وغيرها في الاتساع، وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، بعد استثمارها بكثافة في برامج الذكاء الاصطناعي الجامعية والدراسات العليا، تشير التقديرات إلى أن الجامعات الصينية تُخرج الآن ما يقارب 50% من أفضل باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم، بينما تُخرّج الولايات المتحدة حوالي 18% فقط، تجدر الإشارة، بالمناسبة، إلى أن هذه الظاهرة لا تقتصر على مجال الذكاء الاصطناعي – فبحلول العام المقبل، من المتوقع أن تُخرج الصين ضعف عدد حاملي الدكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات مقارنة بالولايات المتحدة.
ضح 500 مليار دولار في برامج البحث والتطوير
وفق هذا التصور، بدأ الرئيس ترامب حربه التجارية في ولايته الثانية، وأيضا ضح 500 مليار دولار في برامج البحث والتطوير، للتعبير عن الطموح في إعادة تقديم جزئي على الأقل لروح القسوة التنافسية مع الشركاء والخصوم، السؤال المقابل، هل العالم العربي والإسلامي يواجه استعمار الذكاء الاصطناعي بإدارة شركات متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة الأمريكية وان كان ثمة تنافس دولي لعالم متعدد الأقطاب؟؟
الإجابة الموضوعية، إن اغلب الأفكار العربية والإسلامية، سواء تلك التي أخذت المنحى القومي أو الإسلام السياسي، لم تنجح في الوصول الى عمران الأنسان العربي والإسلامي وفق ذات نموذج تراكم ثقافات السلوك المجتمعي التربوي بسبب النظام التعليمي أولا وثقافة السلوك الإنساني وتأثيرات النظام الاقتصادي سواء أوروبي أو أميركي أو حتى صيني وروسي، فالجميع يعملون من اجل ضمانات مستقبلية لأجيالهم، ترسخ حالة العمران الإنساني في بلدانهم لتعميرها، فمن دون وجود عمران الأنسان لا يمكن الحديث عن عمران البلدان.
لذلك ستتواصل فجوة التباعد المعرفي بين ما يمتلكه طالب المدراس الابتدائية في كوريا الجنوبية مثلا وطلاب المدراس ذاتها في العراق، على الرغم من إن الفرص المتاحة لكليهما تبدو متقاربة ، لكن النظام التعلمي فيهما ما زال يتباعد بسبب الفجوة المعرفية في حوكمة التعليم وإنتاج المعرفة، ربما تظهر حالات مبدعة في العالم العربي والإسلامي، لكنها ستكون مثل بداية الصناعات الهندية والصينية، إن تتعامل مع الشركات الأم في الدول الصناعية المتقدمة، مثال ذلك إن شركات الاتصالات الكبرى أنما استوعبت كل المبدعين الهنود ومن دول أسيوية أخرى وبعضهم من دول عربية وإسلامية ، فيما استطاعت الصين والهند وبعض دول النمور الأسيوية الانتقال بالتصنيع لشركات متعددة الجنسيات بسبب رخص العمالة المحلية من الانتقال الى التصنيع بإدارة المعرفة وظهر ذلك جليا في شركات كبرى مثل هواوي الصينية أو تحول الهند في صناعتها الدوائية الى صيدلية العالم.
تصدير متجدد للثقافات الغربية
لذلك يتكرر ذات السؤال، إن الذكاء الاصطناعي وما بعده مجرد تصدير متجدد للثقافات الغربية عن وقائع الثقافة العربية والإسلامية ونموذجا لاستعمار الدول والحصول على مواردها المالية والبشرية، وتوظيفها في مشاريع تدر الأرباح على تلك الشركات متعددة الجنسيات لصالح دول ترعى برامجها عمران الأنسان فانتهت الى عمران البلدان، نعم سوف نركب موجة صناعات “الذكاء الاصطناعي” مثلما ركبنا السيارة والطائرة وتوصلنا عبر المذياع ثم التلفاز وبعدها مواقع التواصل الاجتماعي، من دون إن تبادر الدول العربية والإسلامية لإنتاج نموذجها من ” الذكاء الاصطناعي” بل حتى كلما يمكن إن يقال عن طموح دول الخليج في برامج متقدمة من الشراكة مع الولايات المتخذة للاستثمار في صناعات الذكاء الاصطناعي لن تمون ألا تحت أدارتها وحقوق الملكية لشركاتها وليس له غير حقوق الاستخدام ربما الأول على غيرها من الدول فقط لا غير.