الغرب وحيلُه الاستعمارية
لا توجد سلطة شرعية مستقلة تتولى شؤوننا تستطيع تكييف الموقف الغربي عموما لكي نتخذ الموقف المناسب منه. ولكن أليس في كل هذا الذي نراه أمامنا حقيقة أن الغرب جله، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مشاركٌ في العدوان علينا؟ عندما تكون الأخلاق نسبية يحدث ما حدث للجامعات والدول والمنظمات، ويحدث للمنظومة الديمقراطية ككل. أظن بأن الإنسان الغربي […] The post الغرب وحيلُه الاستعمارية appeared first on الشروق أونلاين.


لا توجد سلطة شرعية مستقلة تتولى شؤوننا تستطيع تكييف الموقف الغربي عموما لكي نتخذ الموقف المناسب منه. ولكن أليس في كل هذا الذي نراه أمامنا حقيقة أن الغرب جله، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مشاركٌ في العدوان علينا؟
عندما تكون الأخلاق نسبية يحدث ما حدث للجامعات والدول والمنظمات، ويحدث للمنظومة الديمقراطية ككل. أظن بأن الإنسان الغربي وقع في شر فعاله، فهو متغطرس وطماع وأناني، والديموقراطية قيدٌ أخلاقي أوثق نفسه به فترة من الزمن ثم بدأ يتبرَّم به، وها هو اليوم يكسره ويتفلت منه ليعود سيرته الأولى.
مساكين أولئك الذين ينادون بالقيم الديموقراطية ويخرجون في مظاهرات عبر العالم، ومساكين أولئك الذين لا يزالون يشدّون أنفسهم بهذا الوثاق.
هذه هي العلمانية تضيق بالإسلام ذرعا ولن تستطيع استيعابه، في بلدها الأم فرنسا كما في بلدان مسلمة يودُّ المعجبون بالنموذج العلماني الفرنسي لو استلهموه لها. ورب ضارة نافعة، فما ينفع المحجّبات المشاركة في المنافسات العلنية غير
الشهرة والمال، وقد أبدلهن الله خيرا منها، يتولى اتحاد نسائي دولي تنظيم منافسات رياضية بين المسلمات في فرنسا وخارجها، منافسات لا تحضرها غير النساء، فتحفظ المرأة المسلمة عرضها المصون ولا تفقد الاستمتاع بالحلال الذي تريد.
لا تزيد فرنسا في دعمها للبنان على نفض الكتفين من غبار “علقة” يأكلها لبنان كل مرة، أما تسليحه من أجل أن يدافع عن نفسه فلا. ولا يزال بعض السذج يحنُّ إلى أمه الرؤوم. المحور الأمريكي- الإسرائيلي أرعن وهو يستخدم سياسة العصا والجزرة بفجاجة، وفجاجتُه نابعة من شعوره بأن الوقت ضيق لا يسعه لتحقيق أهدافه الانقلابية، فولاية ترامب محدودة ومستقبل نتنياهو غامض. إن الصبر والمصابرة والمرابطة والاتكال على الله يجعل الحزن إن شاء سهلا.
بدعة الرسوم الجمركية التي ابتدعها الرئيس الأمريكي وألقى بها في وجه العالم ضاربا بنود اتفاقية التجارية العالمية مظهر للرأسمالية وبعضها يأكل بعضها الآخر، في انتظار أن يتعرف العالم “الحر” على النظام الاقتصادي العادل.
سواء أكان الهدف من إجراء منع التحايل بالاطّلاع على حسابات التواصل الاجتماعية لطالبي التأشيرة الأمريكية دفع السلطات كل من تقدم إلى التراجع عنها، أم كان الغرض منه ترويض الأحرار بالعصا والجزرة ليدخلوا هذه “الجنة” طائعين فالأمران سيان. من حق هذه الدولة أن تنتهج السياسة التي تراها، ولكن ليس من حقها أن تفرض نفسها على العالم وصيّة على الحريات وحامية لحقوق الإنسان، هذا قناعٌ قد سقط. وللطلاب ولكل من يتقدم لطلب هذه التأشيرة المزجّاة أقول لهم ما قاله الله لنا: “إن الذين توفّاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها”.
وصف ترامب سلفه بايدن بـ”الغبي”، وها هو يبوء بالصفة ذاتها بهذه الحماقات التي يرتكبها، والتي تُضحك الولدان. اليمنيون طباعهم شرسة ومعاندون، ويكفيهم إغراقُ سفينة واحدة لتتوقف الملاحة. أنصح الأمريكان أن ينحو مع الحوثي والفلسطيني السياسة نفسها التي نحوها مع الروس، وينهوا العلاقة مع الكيان الصهيوني، لأن سفينة “التيتانيك” تغرق!
تحصينُ القلاع
يحسن بالمثقفين التغريبيين أن يجرِّبوا أدوات بحث مغايرة لفهم الظواهر الاجتماعية، ولا يبقوا أسيري منتجات مدرسة فكرية لا تعرف غير نفسها. من الخطأ المنهجي اعتبار الإسلام السياسي أيديولوجية، ومن ثم إخضاعه لعوامل التحليل المعروفة في علم الاجتماع الغربي. هنالك قسمة حسنة في الفكر الإسلامي، بين ما هو “معلوم من الدين بالضرورة” لا مجال للالتفات عليه في أي مجتمع اختار أن يكون مسلما، أي أن هذا المعلوم عقيدة تتسم بالثبات، وهنالك “الاجتهاد”، إذ تتنوع الرؤى وتختلف الآراء، وفي ذلك ينشط العقل ويبدع وفق ضوابط معروفة في “علم الأصول”.
ما يستورده بعض المثقفين من أيديولوجيات يمينية أو يسارية إلى البلدان المسلمة يتصادم مع تلكم البنية لا شك في ذلك، والعملية أشبه ما تكون بمن يورد للمجتمعات الغربية نظرة الإسلام للدولة ويحاول حمل الناس عليها.
لقد انتهت فكرة العولمة على أيدي أصحابها، وبدأ عصر الإمبريالية الجديدة، فلا مناص من أن تنزع الشوك بيديك، وتقلع عن مناشدة الآخرين. من رتَّب العالم بعد الحرب العالمية الثانية بشكل يخدمه،يمكنه أن يرتِّبه بأسلوب جديد يخدمه أيضا. القانون الدولي كان خدعة صدَّقها السذّج، وهناك خدعة أخرى في طريقها إلى التسويق.
الممارسة الديموقراطية في أحسن أحوالها ليست مثالية كما يظن البعض، إنها تفتقر إلى الأخلاق كثيرا، ولك أن ترى ذلك جليا في الانتخابات الغربية. ولا يستطيع حراس الديموقراطية الحيلولة دون ما يهددها مهما حاولوا؛ لأن الممارسة الديموقراطية في أفضل صورها بشرية بامتياز، فتحتاج إلى حماية إلهية لتستقيم لها الأمور.
التسليم بجدوى الديموقراطية والاكتفاء بمناقشة مخرجاتها المتناقضة عدولٌ عن أساس المشكلة التي تعود إلى طبيعة متأصلة في هذا النظام التي تسمح بالمكايدة السياسة والتلاعب بالقوانين. ورغم أن الكتّاب الديموقراطيين يستدلون بممارسات كارثية في بلدان عريقة ديموقراطيًّا، إلا أنهم لم ينتقلوا بعد إلى توجيه النقد الموضوعي إلى فكرة الدمقرطة كمنتَج بشري قابل للمراجعة من جذوره.
التجربة الأوروبية في هذا المضمار، بدءا بعصر النهضة، ألبست الشعوب لباس المواطنة، واستبطنت السلطة حكومة وأحزابا التعددية الثقافية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. أي أن المواطنة كانت ملهاة للشعوب، تفقد تأثيرها أحيانا كثيرة فيتمرَّد الغرب بما تمليه أصوله على كل القوالب القانونية. من المهم القول إن بعضنا رضع لبان تلك الثقافة فأعمى ألقُها بصره فلم يستطع النظر إلى شعاع الشمس.
الديمقراطية مبناها على المصلحة النفعية لا على الأخلاق، وافتراض ديمقراطية أخلاقية افتراضٌ غير واقعي، تاريخ الممارسة لم يكن كذلك مطلقا، لذلك ليس من الحكمة المراهنة على الديموقراطية ولا على الاستبداد، هنالك الشورى، نعمَ النظام للمسلمين هو، لو كانوا يفقهون.
مفهوم. الراعي والرعية من أكثر المصطلحات تداولا في تراثنا السياسي، رعية متنوعة ثقافيا ودينيا لا حرج في تسميتها والمناداة بها في الوثائق الرسمية، ولأن الدولة كانت قائمة على الإسلام، فقد جرت أحكامها المعاملاتية تلقائيا على الرعية بالسوية، مع لحاظ الخصوصية الثقافية في بعض المجالات الخاصة، علما بأن الجميع كان راضيا بهذا الوضع ولم يحدث أن أحدا من الطوائف طلب من خليفة حقه في أن يتولى هذا المنصب، أو طلب إلغاء الشريعة واستبدالها بالقانون الكنسي أو الحمورابي أو البيزنطي أو الفارسي… هذه بدعة فكرية ظهرت بمجيء الاستعمار ولا تزال متداولة.
“الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها” عرض الثقافة الإسلامية في بلاد النصارى عملٌ مبرور وفن له أهله العارفون به، ولمن أراد تعريف الغربيين بثقافة تنقذهم مما هم فيه فليسأل به خبيرا.
ما الذي يمنع السلطات والشعوب في المغرب الكبير من الاستفادة من هؤلاء الأفارقة وقد جاؤوا، كطليعة لتوثيق الصلات بالعمق الإفريقي، وكيد عاملة مؤقتة، وكعنصر مغيِّر لبنية الاتحاد الأوروبي، لأن هذا الأخير في حالة تآكل وزوال، “قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا، إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ”.
ما يستورده بعض المثقفين من أيديولوجيات يمينية أو يسارية إلى البلدان المسلمة يتصادم مع تلكم البنية لا شك في ذلك، والعملية أشبه ما تكون بمن يورد للمجتمعات الغربية نظرة الإسلام للدولة ويحاول حمل الناس عليها.
لقد انتهت فكرة العولمة على أيدي أصحابها، وبدأ عصر الإمبريالية الجديدة، فلا مناص من أن تنزع الشوك بيديك، وتقلع عن مناشدة الآخرين. من رتَّب العالم بعد الحرب العالمية الثانية بشكل يخدمه، يمكنه أن يرتِّبه بأسلوب جديد يخدمه أيضا. القانون الدولي كان خدعة صدَّقها السذّج.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post الغرب وحيلُه الاستعمارية appeared first on الشروق أونلاين.