سجال مع “الحلزون العنيد” بين التكريم و التربية.. تبقى التربية و التعليم قضية مجتمع ومستقبل أمة !!

أ. محمد مصطفى حابس جنيف/سويسرا/ مع نهاية العام الدراسي، تتسابق الأحداث في التكريمات للفائزين في امتحاناتهم و تزدان القاعات و المساجد في أوروبا لدى جاليتنا المسلمة بالأفراح والتشجيعات، كما تخصص هدايا قيمة وأحيانا رمزية لتكريم عباقرة العلم و أهل الفضل من معلمين ومرشدين وعلماء، من جوائز متنوعة مادية ونقدية وحتى سياحية للبقاع المقدسة..،لا لشيء إلا …

أغسطس 5, 2025 - 14:47
 0
سجال مع “الحلزون العنيد” بين التكريم و  التربية.. تبقى التربية و التعليم قضية مجتمع ومستقبل أمة !!

أ. محمد مصطفى حابس
جنيف/سويسرا/

مع نهاية العام الدراسي، تتسابق الأحداث في التكريمات للفائزين في امتحاناتهم و تزدان القاعات و المساجد في أوروبا لدى جاليتنا المسلمة بالأفراح والتشجيعات، كما تخصص هدايا قيمة وأحيانا رمزية لتكريم عباقرة العلم و أهل الفضل من معلمين ومرشدين وعلماء، من جوائز متنوعة مادية ونقدية وحتى سياحية للبقاع المقدسة..،لا لشيء إلا لأن المثقفين والعلماء هم أساس تقدم المجتمعات ورفعة الأمم. إنهم يحملون رسالة سامية في نشر المعرفة والعلوم والثقافة، ويساهمون في بناء الأجيال الصاعدة وتوجيهها نحو طرق الرشد و الفلاح..

ظاهرة التكريم أمر عادي ومتوارث، بل فيه و عليه..
وخلال هذا الأسبوع تناقلت وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي صور تكريم الروائي الجزائري” رشيد بوجدرة”، وهو أمر عادي و متوارث في كل دول العالم أن يكرم أناس أحياء أو أموات من ميادين مختلفة علمية وثقافية ورياضية وفنية، الخ..
وهذا أمر معروف خاصة في الدول التي تقدر العلم والثقافة والتضحيات والجهد بصفة عامة.
كما أن ظاهرة تكريم الاحياء في آخر أعمارهم، هي أيضا متداولة في عالمنا العربي وحتى الغربي إذ أصبح يطغى عليها عموما الطابع السياسي وأحيانا الجهوي العرقي، وما جائزة نوبل عن المبصرين ببعيد.
أما الامر الذي استوقفني كما يكون قد استوقف غيري، فهو العثرات بل السقطات التي وقع فيها الروائي رشيد بوجدرة صاحب (الحلزون العنيد) في حواره مع الاعلامي احميدة العياشي، وهو يصف مالك بن نبي صاحب (شروط النهضة) بــ “الرجعي”، مكررا تلك الكلمة مرات عديدة، وبالتالي أراد بوجدرة ” أن يجعلها قناعة في أذهان الناس، أن المسلم رجعي”، وهذا ما ترجمته بعض الوسائل المغرضة في فرنسا!!
إن تصريح بوجدرة، ليس عثرة لسان عابرة مرت مرور الكرام، والاغرب من كل ذلك أن محاوره وهو رجل علم وقلم، لم ينتبه لهذا الطيش في كلامه. ومصطلح “الرجعي” قديم جدا في قاموس ” التيار اليساري في العالم العربي”، وغاب عنا ولم نسمعه منذ عقود خلت !! ..

ردود أفعال عن رجل الحلزون العنيد، منهم مستغرب ومنهم متهكم مستهزئ
هنا حق لبعض الملاحظين والمدونين أن يقولوا كلمتهم في رجل الحلزون، منهم مستغرب ومنهم متهكم مستهزئ الى ما وصل اليه مستوى الإعلام ومستوى المثقفين في عالمنا العربي ..
وقد كتب تعليقا على خرجات بوجدرة، عدد كبير من المهتمين بالساحة الثقافية من داخل الجزائر و حتى خارجها، بأن بوجدرة “خرف و هرم”، ومنهم قول بعضهم:
“حين يصف رشيد بوجدرة مالك بن نبي بالرجعي، فالمسألة لا تمس ابن نبي بقدر ما تفضح خفة بوجدرة وهشاشة عدته المفاهيمية. بن نبي لم يكن واعظًا أخلاقيًا ولا مجرد ناقد للغرب، بل مفكر اشتبك مع بنى الانحطاط في عمقها النفسي والحضاري، وأعاد التفكير في شروط النهضة من خارج القوالب الجاهزة. لقد أسس جهازًا مفاهيميًا متماسكًا ينظر إلى الاستعمار لا كقوة خارجية فقط، بل كمنظومة داخلية تنخر في وعي المستعمر ذاته. أما بوجدرة، فظل متأرجحًا بين لغة فرنسية فقدت بريقها، ومواقف لا عمق فيها سوى الرغبة في الصخب. لم يبنِ مشروعًا معرفيًا، بل اكتفى بردود أفعال تفتقر إلى البوصلة الفكرية، مسكونًا بهاجس الهدم دون قدرة على التأسيس. الحقيقة أن المشكلة ليست في ابن نبي، بل في فوبيا اسمها ابن نبي، في تلك المسافة المؤلمة بين من يحمل همّ أمة، ومن لا يحمل سوى ضجيج الذات والعفن !!”
كما تساءل آخر، قائلا:
” من حقه التكريم؟؟ ومن حقه التبحيل؟؟ ومن حقه الاصطفاف على رأس الأمة؟؟
معددا أسماء مفكرين وعلماء وكتاب يستحقون التكريم والتبجيل، كالدكتور عمار طالبي والدكتور الطيب برغوث والدكتور بلغيث والقائمة طويلة..
قائلا أن هؤلاء جامعييو بامتياز ومعلمون ومربون ومدرسون ومجددون ومنتجون للعلم والمعرفة… بكافة أشكالها الحية والمكتنزة والإلكترونية..”
أما رشيد بوجدرة هذا “المخلوق” فلا يعرف له تكوين جامعي معروف ومحترم.. ولا يحسن الحديث العام..!! صاحب التهويمات والتخليطات وملء الصفحات بالفراغ والخيال والوهم.. والحلزون العنيد والأشعة السبعة.. فيما يسمونه أدبا سرديا!!

ما لكم كيف تحكمون؟! إلى أين يسيرون بالجزائر!؟؟
وكتب آخر من باريس: ان بوجدرة وحكمه علي مالك بن نبي، وهذه الأحكام السلبية لا تليق بمستوى مثقف كبوجدرة لأنه يكرر شائعات موروثة من وقت الصراع من أجل النفوذ في محيط الرئيس بن بلة حين ارتبك اليساريون من عودة بن نبي من القاهرة. ورأى فيه اليسار منافسا في الصراع من أجل التأثير على توجهات بن بلة. وهذا الحكم المبني على مقاييس سياسية جد ذاتية أقل انصافا من التقييم الناتج عن قراءة كتب مالك بن نبي بعيدا عن التصنيفات السطحية مثل هذا رجعي وهذا تقدمي.
وهذه المفاهيم تحتاج إلي تحديد فيه مزيد من الدقة خاصة عندما يأتي بها ملحد يذكر دائما بالإلحاد ويساري لا يزال متمسكا ب “المادية التاريخية”. وسيراجع بوجردة موقفه المتسارع عندما يطالع “الظاهرة القرآنية” أول كتاب لمالك بن الذي يبدو أنه لم يسمع عنه إلى اليوم.

كرمت هذه الصائفة ثلاث شخصيات من مغربنا العربي
في ذات السياق ونحن في آخر ندوة من الموسم الدراسي على شبكة الزوم، حدثنا أحد الأساتذة الأفاضل من أوروبا قائلا لنا أنه كانت لنا سنة حميدة منذ عقود و تعثرت في المدة الأخيرة، وها نحن نعود لها هذه السنة لنكرم فيها بعض رموز التربية والتعليم ممن تعلمنا منهم أساتذة جامعات كانوا أو حتى مسؤولي مؤسسات تربوية، مدراء مدارس ومتوسطات و ثانويات وعدد لنا بعضهم وذكر بعض مناقبهم من حزم وعزم و نشاط خدمة للشعب والوطن.
وقد كرمت هذه الصائفة ثلاث شخصيات من مغربنا العربي، منهم مدير إحدى ثانوياتنا في الغرب الجزائري، الشيخ مختار هدام وهو من مجاهدي الثورة، رحمه الله، وقد إقترحه بعض معارفه منهم كاتب هذه السطور، وقد نعود في فرصة قادمة لسرد قطوف من سيرته الذاتية، بحول الله، لأن دور المعلم لا يقتصر على تقديم المعلومات فقط، بل يتجاوز ذلك إلى بناء الشخصية والتنمية الشاملة للطلاب. فهم يُشكلون حجر أساس الأجيال القادمة، ليكونوا قادة المستقبل وقوى فاعلة في المجتمع، وتكريمهم اليوم هو تكريم لرسالة التعليم التي يحملونها، و لجهودهم المخلصة في خدمة الأجيال. تقديرا لعطائهم وتفانيهم في عملهم.

ليس لأحد أن يدعي إرتهان أو احتكار مستقبل الأجيال بسياسة تجهيل وتغريب زبدة الوطن
في أوقات المحن لا يملك أحد ترف القعود عن العمل في صفوف الساعين إلى حماية البناء الوطني في عالمنا الإسلامي..
وضع الأمة الاسلامية خطير، والشعوب في محنة، و ثالوث الجهل والفقر والمرض يقرع أسماعنا ليل نهار، وبالتالي في أوقات المحن كهذه لا يملك أحد ترف القعود عن العمل في صفوف الساعين إلى حماية البناء الوطني، أو يملك رخصة الشح بنفسه أو ماله أو جهده عن المساهمة في العمل على تحقيق نجدة الوطنية، والسعي- بعدها – إلى رفعة الوطن وتقدمه ونهضته
وبالتالي، فليس لأحد أن يدعي إرتهان أو احتكار مستقبل الأجيال بسياسة تجهيل وتغريب زبدة الوطن. والمحتكر- في السلع التي يحتاجها الناس- خاطئ. وهو في العمل السياسي والتربوي الوطني مجرم آثم، لأن الأول يحرم عددا من الناس- قل أو كثر- حقهم في استعمال سلع بعينها، والثاني يحرم الوطن كله، حاضره ومستقبله، من جهد أبنائه وعطائهم، ومن جهادهم بالنفس والمال والعقل والقول والفعل في سبيله.

العالم والمثقف والمعلم المرشد يستحق كل التقدير والاحترام
فالمعلم والعالم والمرشد يستحقون كل التقدير والاحترام في كل مناسبة. فهم ركائز المجتمع وأساس تقدمه. لأن المؤسسات والدول التي تُكرم المثقفين والعلماء هي مؤسسات تُحترم وتُقدر، لأنها تعرف قيمة العلم والمعرفة ودورها في بناء المجتمعات. إن تكريم المثقفين والعلماء هو استثمار في بناء مستقبل زاهر، وهو ضمان لاستمرار التقدم والتنمية.
فلنكرم المثقفين والعلماء العاملين، ولنُقدر جهودهم، ولنُعزز دورهم في مجتمعاتنا. فهُم الأمل في بناء مستقبل أفضل، وهم منارة تضيء دروبنا نحو التقدم والتنمية.. و الله ولي التوفيق.