سياقات إقليمية متأزمة تعجّل في صدور مشروع قانون التعبئة العامة في الجزائر
صادق مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، مساء الأحد المنصرم، على مشروع قانون التعبئة العامة، مما أثار جملة من التساؤلات في الساحة، تتعلّق بدوافع هذا الإجراء، لا سيما وأنه يأتي في سياق يتسم بتصاعد حدّة التوترات الإقليمية، بما في ذلك تدهور العلاقات مع مالي، على خلفية إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة يستخدمها الجيش المالي كانت قد […] The post سياقات إقليمية متأزمة تعجّل في صدور مشروع قانون التعبئة العامة في الجزائر appeared first on الجزائر الجديدة.

صادق مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، مساء الأحد المنصرم، على مشروع قانون التعبئة العامة، مما أثار جملة من التساؤلات في الساحة، تتعلّق بدوافع هذا الإجراء، لا سيما وأنه يأتي في سياق يتسم بتصاعد حدّة التوترات الإقليمية، بما في ذلك تدهور العلاقات مع مالي، على خلفية إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة يستخدمها الجيش المالي كانت قد اخترقت الأجواء الجزائرية، إضافة تدهور العلاقات مع المغرب المتحالف مع الكيان الصهيوني، وحملة العداء المخزنية الصهيونية ضد الجزائر ومصالحها الاستراتيجية، فيما أعلنت الجزائر مؤخرًا اعتماد مقاربة شاملة لمحاربة ظاهرة المخدرات.
وحول مشروع قانون التعبئة العامة، فإنّ المادة 99 من التعديل الدستوري لعام 2020 تنصّ على أنه: يقرر رئيس الجمهورية التعبئة العامة في مجلس الوزراء، بعد الاستماع إلى المجلس الأعلى للأمن، واستشارة رئيس مجلس الأمة، ورئيس المجلس الشعبي الوطني البرلمان. تعتبر التعبئة العامة حالة تمهيدية لحالة الحرب أو أزمة أو كارثة ما، يقوم خلالها رئيس الجمهورية بكافة الاستعدادات لحالة الحرب عن طريق تحويل القوات المسلحة من حالة السلم الى حالة الحرب. وغالبًا يستخدم هذا المصطلح في حالة الحروب والأزمات الخانقة، حيث تجهز الدولة كل مواردها البشرية (الشعب) والاقتصادية والعسكرية لمواجهة حالة طارئة.
وفيما يتعلق بالتعبئة العسكرية واستدعاء قوات الاحتياط للانضمام إلى صفوف الجيش، فإنّها تخضع لـ “قانون الاحتياط العسكري” الذي حظي بموافقة البرلمان في عام 2022، والذي “يُحدّد كيفية استدعاء قوات الاحتياط والفئات المستهدفة بالاستدعاء في حالة وجود خطر نشوب حرب“.
رؤية استباقية..
وعلى الرّغم من أنّ هذا القانون يكتسب أهمية دستورية وتنظيمية واضحة، حيث من المقرّر عرضه على البرلمان لاحقًا، يرى مراقبون أنّ هذه الخطوة القانونية قد تجسّد رؤية استباقية تهدف إلى الاستعداد لمواجهة أي ظرف طارئ يستدعي تعبئة شاملة للموارد البشرية والمادية في البلاد. ويستدعي هذا التطوّر التساؤل عن المفهوم الحقيقي للتعبئة العامة التي يسعى القانون الجديد إلى تنظيمها، بالإضافة إلى تحديد الآليات والقطاعات التي سيشملها نطاقه.
واتجه المهتمون بالشأن العام إلى تحليل القانون من منظوره التشريعي، بينما يفرض الواقع الجيوستراتيجي نفسه بقوة في تقديم تفسيرات متعدّدة الأوجه، فيما لوحظ وجود خلط واضح بين مخرجات مجلس الوزراء المتعلقة بمشروع القانون – الذي يهدف إلى تفعيل المادة 99 من دستور 2020 من خلال تنظيم إجراءات التعبئة العامة وشروط إعلانها – وبين قرار أو مرسوم فعلي بإعلان التعبئة.
على الصعيد السياسي، استقطب مشروع القانون اهتمامًا واسعًا، حيث يرى الكثيرون أنّ التركيز على مفهوم “التعبئة العامة” يعود في المقام الأول إلى السياق الإقليمي المضطرب والتوترات المتصاعدة في المنطقة، بما في ذلك التوترات الأخيرة مع مالي، بعد إسقاط الجيش الجزائري طائرة مسيرة مالية كانت قد اخترقت الأجواء الجزائرية، مما أثار أزمة على صعيد العلاقات، بعد غلق الملاحة الجوية مع مالي وسحب السفراء مع مالي وحلفائها (النيجر وبوركينافاسو)، وهو ما اعتبره مراقبون أمر طبيعي في ظلّ السياق الإقليمي المتوتر والقلق إزاء التحديات الأمنية المحتملة.
توترات إقليمية متنامية..
كما يأتي مشروع القانون في سياق توترات إقليمية متنامية، بما في ذلك عدم الاستقرار الأمني والسياسي في منطقة الساحل المحاذية للجزائر، تواصل حملات العداء والاستفزازات المغربية ضد الجزائر، بتنسيق وتعاون “صهيوني” بارز، إلى جانب التوترات في العلاقات مع فرنسا، والتي أوشكت على بلوغ مرحلة القطيعة، مدفوعة بحملات يقودها اليمين المتطرف بدعم ورعاية أجنبية. كما تشهد الأوضاع في ليبيا حالة من عدم الاستقرار، في ظل التدخلات الأجنبية المباشرة، ووجود عدة قوات وميليشيات وكذا مرتزقة أجانب يسهمون في تأزيم الأوضاع أكثر، هذا ما أدى بالجزائر إلى المطالبة مؤخرًا بخروج كافة القوات الأجنبية من ليبيا، بهدف الحفاظ على أمنها واستقرارها.
وكان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون القائد الأعلى للقوات المسلحة وزير الدفاع الوطني يوم الإثنين المنصرم، اجتماعا للمجلس الأعلى للأمن. ويجتمع هذا المجلس في دورة عادية “كلما اقتضت الحاجة ذلك. للبتّ في كلّ مسألة تتعلق بالأمن الوطني، سواء كانت ذات بعد داخلي أو خارجي”.
وباعتبار أن تفشي المخدرات أضحى تهديدًا حقيقيًا، كان رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، قد دعا إلى اعتماد مقاربة شاملة لمحاربتها، تبدأ بآليات ميدانية لمحاصرة الظاهرة بالتوعية والمتابعة والعلاج وتنتهي بالردع وتسليط أقصى العقوبات على تجار ومستهلكي المخدرات.
رسم إطار شامل لمواجهة الظروف الطارئة
في خضمّ التطورات الإقليمية الراهنة، يكتسب مشروع القانون أهمية مضاعفة في رسم إطار شامل لمواجهة مختلف الظروف الطارئة التي قد تستلزم حشد القدرات الوطنية وتضافر جهودها، مما يجعله أداة تنظيمية تهدف إلى تعزيز قدرة الدولة على مواجهة الأزمات وحماية مقدراتها ومصالحها الحيوية، وفق مراقبين.
ويأتي مشروع القانون بالتزامن مع إعلان رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، الفريق أول السعيد شنقريحة، خلال تنصيبه لقائد الدرك الوطني، يوم 19 أفريل الحالي، أنّ “الجزائر مُستهدفة لعدة اعتبارات، وأن أعداء الشعب الجزائري لم يهضموا إلى حد الآن استقلاله ولم يتحملوا إصرار أبنائه المخلصين على التمسك بموروثه الثوري والحضاري”، مشيرا إلى أن هؤلاء الأعداء لم يهضموا أبدا استقلاله، ولم يتحملوا صلابة وقوة وحدته وتماسكه الاجتماعي وتلاحمه مع جيشه”.
عبدو.ح
The post سياقات إقليمية متأزمة تعجّل في صدور مشروع قانون التعبئة العامة في الجزائر appeared first on الجزائر الجديدة.