كيف تتعامل مع السوشيال ميديا دون أن تفقد عقلك
يا أخي ويا ولدي ويا بنتي، يا أيتها الكائنات البشرية الذين قرروا أن يغوصوا في بحر السوشيال ميديا دون أن يرتدوا سترة النجاة أو حتى إن يضعوا نظارات الغطس في الفضاء الرقمي الملائمة، هل تظنون أن الأمر مجرد “إعجاب” و “مشاركة” و “تعليق”؟ هل تظنون أن تلك الشاشات الصغيرة التي تحملونها في أيديكم هي بوابة […] The post كيف تتعامل مع السوشيال ميديا دون أن تفقد عقلك appeared first on الجزائر الجديدة.

يا أخي ويا ولدي ويا بنتي، يا أيتها الكائنات البشرية الذين قرروا أن يغوصوا في بحر السوشيال ميديا دون أن يرتدوا سترة النجاة أو حتى إن يضعوا نظارات الغطس في الفضاء الرقمي الملائمة، هل تظنون أن الأمر مجرد “إعجاب” و “مشاركة” و “تعليق”؟ هل تظنون أن تلك الشاشات الصغيرة التي تحملونها في أيديكم هي بوابة إلى جنة المعارف والحكم؟ يا لكم من سذج!( إذا كنتم تعتقدون ذلك حقيقة طبعا).
إنها بوابة جهنم الرقمية، حيث الشيطان والعياذ بالله يرتدي قناع مؤثر ما بالنظر لما يحاول نشره أو إقناع الناس به، والغباء يلبس عباءة الرأي والنصيحة، والحقيقة تُدفن تحت أكوام من التفا هات التي لا نهاية لها . وحتى لا تفقدوا عقولكم في هذا الفضاء الرقمي أو الغابة الرقمية أين تتربص بكم وحوشها في كل زاوية.
إليكم النصائح التالية :
أولا: قاعدة “يا رباه، ما هذا الهراء؟!” القاعدة الذهبية الأولى، يا وليدي ويا بنتي ويا من تقرءون مقالي هذا، هي أن تعتبروا أن نسبة كبيرة جدا مما تراه على السوشيال ميديا محض هراء. نعم، لا تتعجب. فإذا رأيت أحدهم يصور لك وجبة عشاءه وكأنها اكتشاف علمي جديد، قل في نفسك “يا رباه، ما هذا الهراء!”.
وإذا رأيت أحدهم ينشر منشورًا طويلًا عريضًا عن أهمية شرب الماء، وكأنه كشف سر الكون، قل “يا رباه، ما هذا الهراء!”. هذه القاعدة ستوفر عليك الكثير من الصداع، وستحميك من الشعور بالدونية لأنك لم تصور طبق أو سندويتش (الفريت أوملات) الذي أكلته بالأمس وغالبا ما ستأكله كذلك غدا وحتى بعد غد.
ثانيًا: فن “البلوك” المقدس. يا وليدي، “البلوك” ليس جريمة، بل هو واجب وطني! نعم، واجب وطني تجاه صحتك العقلية. فإذا وجدت أحدهم ينشر نظريات المؤامرة حول شكل الأرض، أو يرى في كل ظاهرة طبيعية مؤامرة دولية، ويُصر على أن اللقاحات هي مؤامرة للسيطرة على البشر، أو يُشكك في وجود فيروسات من الأساس، أو يُعلن أن الهبوط على القمر كان مجرد تمثيلية هوليودية، أو يؤمن بأن الكائنات الفضائية تدير الحكومات سرًا، أو يرى أن كل خبر عالمي هو جزء من خطة محكمة لمجموعة غامضة، أو يُحذر من أن شبكات الجيل الخامس تُسبب الأمراض للسيطرة على عقول البشر… فلا تتردد”بلوك”يا صديقي، “بلوك” بكل قوة وإيمان. لا تضيع وقتك في النقاش مع من يظنون أن الأرض مسطحة أو أن الشمس تدور حول الأرض، أو أن الأهرامات بناها الفضائيون، أو أن الحكومات تخفي علاجات للأمراض المستعصية، أو أن العالم يُحكم من قبل منظمة سرية واحدة تتحكم في كل شيء، أو أن شخصية تاريخية معروفة لم تكن موجودة أصلا، أو أن منتجات معينة تُسبب لك الخلود، أو أن تناول طعام محدد سيُشفيك من كل الأمراض وأنهم اكتشفوا ذلك من خلال مشاهدة قناة يوتيوب لشخص يظهر عليه انه يعلم كل أسرار العالم العلوي وكذلك السفلي منه.
ثالثًا: إياك أن تصدق كل ما يسمى ب”التريند”! “التريند” يا ولدي، هو ذلك الوحش الذي يبتلع العقول ويحولها إلى قطع غيار في آلة التسويق الرقمي. اليوم “تريندات” “يومياتي” و”حياتي المثالية”: حيث يُشارك الناس تفاصيل حياتهم اليومية بشكل مبالغ فيه، ويُظهرون جانبًا “مثاليا” لا يمت للواقع بصلة، مما يُصيب الآخرين باليأس والإحباط. “تريندات” النقاشات السياسية والاجتماعية (الساخنة): كل حدث سياسي، كل قرار حكومي، أو حتى مجرد إشاعة، يتحول إلى “تريند” للنقاش الحاد، والذي غالبا ما ينتهي بالسباب والشتائم بين الأطراف، دون الوصول إلى أي نتيجة تُذكر. “تريندات” “صوره واشكي” وحملات التوعية الاجتماعية: تظهر من حين لآخر حملات توعية ضد ظواهر اجتماعية سلبية مثل التحرش، أو الإساءة، ويقوم البعض بتوثيق الحالات ونشرها، فتُصبح “تريند” يثير جدلا واسعا حول دور الفرد والمجتمع. “تريندات” الهجرة السرية و”الحراقة”: الحديث عن الهجرة غير الشرعية، ومخاطرها، وقصص الناجين أو الغارقين. هذا “التريند” يكتسي طابعا مأساويا، ولكنه لا يزال يُسيطر على الكثير من النقاشات والمنشورات. وكل يوم، يخرج لك أحدهم بـ “تريند” جديد يجعلك تشعر أنك إنسان متخلف إذا لم تشارك فيه. لا تنجرف يا ولدي! تذكر أن “التريند” كالموضة، سريع الزوال، ولا يضيف إلى عقلك شيئًا سوى بعض الفيديوهات السخيفة التي ستندم على مشاهدتها لاحقا. اجعل “تريند”ك الوحيد هو أن تكون أنت، بكل بساطة وتلقائية، دون الحاجة إلى تقليد قطيع الخراف الرقمي.
رابعًا: تذكر أن الحياة ليست “ستوري”! نعم، يا ولدي. الحياة ليست “ستوري” يجب أن تُنشر كل 24 ساعة. ليس كل لحظة في حياتك تستحق التصوير والنشر. ليس كل طبق طعام، وليس كل نقاش عائلي، وليس كل “سيلفي” ل كاو مع أصدقائك أو حتى عائلتك يجب نشره. دع بعض الأمور في حياتك خاصة بك. دع بعض الذكريات تعيش في ذاكرتك فقط، لا في ذاكرة خوادم الفيسبوك أو الانستغرام. تذكر أن أجمل اللحظات غالبا ما تكون تلك التي لم يتم تصويرها، لأنك كنت تعيشها بكل جوارحك، لا من خلال عدسة كاميرا.
خامسًا: تصفح كـ”الشّيخ الحكيم” لا كـ”المراهق المندفع”. يا ولدي، عندما تتصفح السوشيال ميديا، تصفح كـ”الشيخ” الذي يبحث عن الفائدة والمعلومة، لا كـ”المراهق” الذي يبحث عن الإثارة والثرثرة. اقرأ المقالات التي تثري عقلك، اتبع الصفحات التي تقدم محتوى هادفًا، استمع إلى البودكاستات التي توسع مداركك. ولا تلتفت إلى تلك المنشورات التي تتكلم عن آخر صيحات الموضة أو آخر فضيحة لمشاهير “التيك توك”. تذكر أن عقلك كالمعدة، إذا غذيتها بالقمامة، فستصبح أنت نفسك مصدرا لها.
سادسًا: “الفلتر” يا ولدي، عدو الحقيقة الأول! يا ولدي، هل رأيت تلك الصور التي تُنشر وكأنها قادمة من عالم الخيال؟ وجوه خالية من العيوب، بشرة صافية كصفحة كتاب لم تُمسسها يد، وعيون لامعة كنجوم السماء في ليلة صافية؟ لا تُصدق! إنها “الفلاتر” يا صديقي، تلك الأداة الشيطانية التي حولت الحقيقة إلى كذبة جمالية. لا تُقارن نفسك بما تراه، فما تراه غالبا ليس حقيقة. تذكر أن “الفلتر” يضيف على الوجه ما يضيفه الكذب على الحقيقة: تشويها وتزييفا. كن أنت، بكل ما فيك من “عيوب” طبيعية، فهي أجمل وأكثر صدقا من ألف فلتر مزيف.
سابعًا: فن “الصمت” الذهبي. ليس كل ما يخطر على بالك يجب أن يُنشر، يا ولدي. وليس كل نقاش يجب أن تشارك فيه. هناك فن عظيم اسمه “الصمت”، وهو أغلى من الذهب في زمن الضجيج الرقمي. عندما ترى نقاشا عقيما يتحول إلى شجار، أو منشورا يثير الفتنة والكراهية، أو تعليقا لا يضيف شيئا سوى المزيد من السخافة… اصمت! أغلق فمك الرقمي، وضع جهازك جانبا، واشرب كوبا من الشاي. تذكر أن الكلمة إذا خرجت، لا تعود. والصمت في هذه الحالات، هو حكمة الأجداد التي نسيها الأحفاد وهم يركضون خلف “التريند”.
ثامنًا: لا تُصبح “سلعة” يا أخي. هل تعلم أنك لست مجرد مستخدم على هذه المنصات، بل أنت “سلعة”؟ نعم، أنت سلعة تُباع وتُشترى بياناتك، وتُحلل اهتماماتك، وتُستغل لتمرير الإعلانات والمحتوى الموجه. لا تدع هذه الشركات تحولك إلى مجرد رقم في معادلة الأرباح. كن واعيًا لما تُشارك، وما تُشاهد، وما تُعجب به. لا تكن “دمية” تُحركها خوارزميات الذكاء الاصطناعي. تذكر أن عقلك أغلى من أن يُباع بثمن بخس في سوق البيانات الرقمية.
تاسعًا: “الاستراحة الرقمية”: ضرورة لا رفاهية. هل شعرت يومًا أنك مرهق، متوتر، أو حتى غاضب بعد ساعات طويلة على السوشيال ميديا؟ هذا ليس صدفة يا ولدي، بل هو نتيجة طبيعية لهذا الكم الهائل من المعلومات والتفاعل. لذا، مارس “الاستراحة الرقمية” بانتظام. خصص ساعات أو حتى أياما خالية تماما من الشاشات. اذهب في نزهة، اقرأ كتابا ورقيا، تحدث مع البشر وجها لوجه (نعم، هؤلاء الكائنات الذين تراهم في الحياة الواقعية!). هذه “الاستراحة الرقمية” ستعيد لعقلك توازنه، ولروحك سكينتها، وستجعلك ترى العالم الحقيقي بعينين جديدتين.
عاشرًا: تذكر أن الحياة هناك… يعني خارج الشاشة لا داخلها. في النهاية يا ولدي و يا بنتي، السوشيال ميديا مجرد جزء صغير من الحياة. الحياة الحقيقية ليست في عدد “الاعجابات” ولا في نسبة “المتابعين”. الحياة الحقيقية هي في ابتسامة طفلك إن كنت أبا أو أما، في دفء حضن والدتك ووالدك، في حديث صديق وفي، في منظر غروب الشمس، في رائحة القهوة الصباحية، في صفحات كتاب يغذي روحك وعقلك. لا تدع الشاشة تُحجب عنك جمال الحياة الحقيقية. ارفع رأسك، انظر حولك، وتذوق نكهة الوجود خارج هذا العالم الافتراضي الذي يقتل فيك روح الحياة الحقيقية ويزرع فيك حياة خيالية لا وجود لها إلا في أفلام هوليوود أو الأفلام الهندية والمكسيكية. فالحياة تنتظرك هناك، بكل ما فيها من تفاصيل جميلة تستحق أن تُعاش، لا أن تُنشر فقط! وفي الختام… تحرير العقل من قبضة الجنون الرقمي.
يا أخي الكريم، بعد كل ما ذكرناه من بلايا ومصائب هذا العالم الافتراضي، لعلّك تظن أننا قد وصلنا إلى نهاية المطاف، إلى نقطة اليأس والهلاك التام. لكن مهلًا يا ولدي! الدهشة الحقيقية لا تكمن في معرفتنا لحجم الكارثة وعواقبها الكارثية على المدى القصير والمتوسط والبعيد، بل في قدرتنا على النجاة منها، والنهوض من ركامها منتصرين بعقولنا وقلوبنا. تذكر يا أخي، أن السوشيال ميديا ليست وحشًا خرج من العدم ليفترس أرواحنا. إنها أداة، مجرد أداة! كالسيف في يد المحارب، يمكن أن يكون أداة لقطع رأس عدوه وحماية وطنه، أو أداة لقطع شرايينه في لحظة يأس. يمكن أن تكون سكينًا لتقطيع الخضراوات وإعداد وليمة شهية تُفرح القلوب، أو سكينًا لقتل النفس في لحظة جنون. الأمر كله يعود إليك وحدك يا ولدي! هل ستكون ذاك الكائن البشري الذي ينساق خلف كل ضجيج، وتتلاعب به خوارزميات لا ترى فيك إلا أرقامًا تُباع وتشترى؟ هل ستدع “تريندًا” سخيفًا يحدد قيمة وجودك، أو رأيًا جاهلًا ينسف يقينك؟ هل سترضى أن تتحول إلى دمية رقمية، ترقص على أنغام ما تُبرمجه لك شاشات هاتفك اللعينة؟ أم ستكون ذلك الاستثناء المذهل، ذاك الشخص الرقمي المتوهج بذكائه، الذي يعرف كيف يسبح ضد التيار الجارف، الذي يمتلك بوصلة داخلية تقوده نحو الحقيقة لا نحو الزيف؟ ذاك الذي يستخدم السوشيال ميديا لا ليُستهلك فيها، بل ليُنتج، ليُفيد، ليُضيء دروب الآخرين، أو على الأقل ليحمي نفسه من ظلامها؟ يا أخي، الإبهار الحقيقي ليس في أن تُصبح مشهورًا على تيك توك، بل في أن تظل إنسانًا حقيقيًا في عالم يزداد افتراضية و ليس في أن تحصل على ألاف أو حتى ملايين “الاعجابات والمشاركات”، بل في أن تحافظ على سلامة عقلك ونقاء روحك. ليس في أن تُبهر الآخرين بـ”فلتر” يُخفي حقيقتك، بل في أن تُبهر نفسك بوعيك وقدرتك على التمييز بين الغث والسمين. فكن يا ولدي بطلاً في هذا الزمن الرقمي. كن الشخص الذي يعرف كيف يتعامل مع هذا “البلاء” ليس فقط دون أن يفقد عقله، بل ليزداد عقله نضوجًا وحكمة. لا تخسر روحك في متاهات الـ”تريندات. اجعل من وجودك الرقمي شهادة على وعيك، لا على تبعيتك. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، أيها العاقلون… نعم، أنتم أيها الذين ما زالوا يقاومون، أيها الذين يحاولون، أيها الذين يرفضون الاستسلام لجنون هذا العصر الرقمي. إن خلاصنا يبدأ من تحرير عقولنا من عبودية السوشيال ميديا، ومن استعادة إنسانيتنا في زمن هذا الجنون الرقمي الذي يزداد جنونا يوما بعد يوما خصوصا مع انضمام اللاعب الجديد والخطير جدا إذا لم نحسن استعماله و التحكم فيه واقصد بذلك الذكاء الاصطناعي .
هل أنتم مستعدون لهذا التحرر؟
الأستاذ بوعلام زيان
The post كيف تتعامل مع السوشيال ميديا دون أن تفقد عقلك appeared first on الجزائر الجديدة.