فضائل خاتم النبيين ووصيته لأمته بأن يكونوا مؤمنين

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ ليعلم من يدرس السيرة النبوية أن حياة محمد عليه الصلاة والسلام، هي أعظم سيرة لأعظم شخصية في التاريخ البشري، من حيثُ المكانةُ الإنسانيةُ نسبا وخلقا، ومن حيثُ مَقَامُ النُّبوةِ والرسالةِ، ومن حيثُ عظمةُ المهام البشرية على الإطلاق. يكفيك يقينا على فضله أنه يذكر في الشهادتين …

سبتمبر 17, 2025 - 18:16
 0
فضائل خاتم النبيين ووصيته لأمته بأن يكونوا مؤمنين

أ. محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/

ليعلم من يدرس السيرة النبوية أن حياة محمد عليه الصلاة والسلام، هي أعظم سيرة لأعظم شخصية في التاريخ البشري، من حيثُ المكانةُ الإنسانيةُ نسبا وخلقا، ومن حيثُ مَقَامُ النُّبوةِ والرسالةِ، ومن حيثُ عظمةُ المهام البشرية على الإطلاق. يكفيك يقينا على فضله أنه يذكر في الشهادتين بعد الله سبحانه وتعالى، على لسان كل موحد ناطق بالشهادتين، في التوحيد والذكر وفي الصلوات الخمس، وأن الصلاة على النبي واجبة على كل مسلم ومسلمة. والصلاة على النبي، معناه: (الدعاء له بالرحمة والبركة والثناء عليه، سواء من الله تعالى، أو من الملائكة أو من المسلمين).
محمد خاتم النبيين عليه الصلاة والسلام: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (الأحزاب:40) ومعنى الآية: يُروى أنه لمَّا تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، زينب رضي الله عنها، قال بعض الناس: إن محمداً قد تزوج امرأة ابنه، وكانوا يقولون عن زيد أنه ابن محمد، فنزلت هذه الآية تنفي ما ادعوه، حيث جاء الخبر أنه لم يكن محمدٌ أبا رجل منكم على الحقيقة، حتى يثبت بينه وبين زيد ما يثبت بين الأب وولده من حرمة المصاهرة والنكاح، ولكنّ محمدا عليه الصلاة والسلام، هو آخر الأنبياء والمرسلين، ختم الله به الرسالات الإلهية، فلا نبيًّ بعد محمد. وزينب بنت جحش زوجة النبي محمد عليه الصلاة والسلام، ورضي الله عنها، وهي ابنة عمته أميمة بنت عبد المطلب، تزوجها، بعد أن طلقها زيد بن حارثة الذي تبناه النبي، وتزوجها لإبطال عادة التبني، فأذهب الله بهذه الآية ما كان وقع في نفوس المنافقين وغيرهم من الشك والجهل والارتياب، بشأن التبني. وأبناء النبي توفاهم الله سبحانه قبل البلوغ، وهم: القاسم، وعبد الله، وإبراهيم. قال البيضاوي: {لم يبلغوا مبلغ الرجال، ولو بلغوا كانوا رجاله لا رجالهم} (البيضاوي: 4/233) قال الله تعالى: ﴿وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ أي: وكان الله بكل شيء عليما فيعلم من يليق بأن يختم به النبوة، وكيف ينبغي شأنه، وهو الذي يعلم الأحق بالتفضيل، ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ وَيَخْتارُ مَا كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللَّهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ (القصص:68) وفي الحديث. عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فُضلت على الأنبياء بست: أعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون.] (الترمذي: 1553)
ونتائج العلم والإيمان بأن محمدا هو: خاتم النبيين. وأن القرآن خاتم الرسالات الربانية، يعني هذا أنه لا يصح عَمَلُ عاملٍ في الإيمان، والأحكام الشرعية، إلا باتباع محمد وما نزل عليه صلى الله عليه وسلم: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ﴾ (محمد:2) والذين آمنوا بكل أركان الإيمان: الإيمان بالله سبحانه، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وعملوا الصالحات، وهي الأعمال المطابقة لأحكام شريعة القرآن الكريم، وآمنوا بما نزل على محمد، وهو القرآن، ولم يخالفوه في شي، وصدقوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فيما جاء به. وهو الحق من ربهم. فمن خالف القرآن خالف الحق، ومن كَذَّب بالقرآن أو بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، فهو على غير الحق. محمد رسول الله والذين معه صلى الله عليه وسلم، عندما كانوا معه على نهج الدين القيم كانوا يمثلون المجتمع الإنساني النموذجي الفاضل، قال الله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ (الفتح:29) قال الله تعالى: ألا إنه يكفي المؤمنين هاتان الصفتان بعد الإيمان والعبادة، بأن يكونوا مؤمنين حقا وصدقا. وأعني بالصفتين:{الأولى: الشدة على الكفار شدة الحزم وإيقافهم عند حدهم، لا شدة ظلم أو اعتداء. والثانية: الرحمة بينهم بأن يتحابوا، وأن لا يؤذي أحد أخاه} هاتان الصفتان كافيتان لأن يُقال عن المسلمين: إنهم مسلمون، وبغير هاتين الصفتين فهم لا يزالون بعيدين عن كمال الإيمان وخلق القرآن. إن كثيرا من المسلمين هم أشداء على بعضهم، أصدقاء مع عدوهم. وقد ورد في بيان حجة الوداع، الوصية لهذه الأمة. [فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا]، ثُمَّ قَالَ: [اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ، فَلْيُبْلِغِ الشَّاهِدُ الغَائِبَ، لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ.] ] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: فَوَ الَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّهَا لَوَصِيَّتُهُ إِلَى أُمَّتِهِ} (البخاري: 1739) كل هذه الوصايا وهذا البيان المبين، وَوُجِدَ من خالفوا هدي الرسول عليه الصلاة والسلام، وحملوا السلاح على بعضهم، وكأنهم لم يرسل إليهم رسول، وكأنهم لم ينزل الله إليهم الكتاب، وكأنهم لم يصلوا لله ولم يصوموا ولم يحجوا.
هل سألت نفسك مرة لماذا نقرأ السيرة النبوية؟ قال أحد الباحثين: {نقرأ السيرة النبوية لأنها تعيننا على فهم الإسلام بشكل أعمق، وتقدم لنا أسوة حسنة في جميع جوانب الحياة وتزيد من الإيمان واليقين، وتساهم في بناء الشخصية الإنسانية، وتزكية النفس.} فماذا يُقال لمن قد يؤلف كتاب في السيرة النبوية ومع ذلك، قد لايقيم الصلاة في الوقت؟ وقد لا يتبع السنة؟ وقد يكذب على الناس؟ وقد يستهزئ بالعلماء؟ أما من يسمعون دروس السيرة ويطربون جدا جدا عندما يسمعون القصاصين يحكون لهم حكايات عن الغزوات بأسلوب عاطفي مثير، وأخبار عن الجزئيات والأعْدَاد وغريب التفسير. ولا يقرؤون السيرة لفهم القدوة في العمل بالشريعة. فالنبي عليه الصلاة والسلام، ما قال: احكوا عني حكايات، وإنما قال: بلغوا عني ولو آية أي تبليغ مسائل الدين. وقال خذوا عني مناسككم في الحج وغيره، وقال: [صلوا كما رأيتموني أصلي] (البخاري:631). وسمع عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، أحد المتنطعين يقول: [لا يجوز للمسلم أن يشرب وهو واقف. فأتى عَلَى باب الرحبة (رحبة مسجد الكوفة ساحة المسجد) فشرب قائما، ثم قال: إن ناسا يكره أحدهم أن يشرب وهو قائم، وإني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، فعل كما رأيتموني فعلت] (البخاري:5615 ) وقد فعل الخوارج الحروريون ما فعلوا مع أنهم قرؤوا السيرة والقرآن والأحاديث، ويدعون أنهم مسلمون أكثر من باقي المسلمين، وقد كان الشر يتطاير من عيونهم، وسموم الفتن تنطلق من ألسنتهم. فإذا لم تحقق دراسة السيرة في الدارس الخلق الحسن الذي كان عليه الرسول، فإنه كمن لم يقرأ شيئا. وأذكرك لآلاف المرات بِقَوْلِ الحسن البصري عن قارئ القرآن الذي لم يتخلق بخلق القرآن، أذكرك بقوله، في موضوع تفسير قول الله تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ قال الحسن البصري: واللهِ ما تدبُّره بحفظ حروفه وإِضاعة حدوده، حتى إنَّ أحدهم ليقول: واللهِ لقد قرأتُ القرآن فما أسقطتُ منه حرفاً، وقد أسقطه واللهِ كلَّه، ما يُرى للقرآن عليه أثرٌ في خُلُق ولا عمل.