نحو وقف إسلامي… للإعلام الديني في الجزائر من يتشرف بتأسيس هذا الصرح ويجعله صدقة جارية؟*

أ. حسن خليفة/ يستطيع من يتابع القنوات الفضائية ووسائط الإعلام بصفة عامة أن يلحظ تلك «الظاهرة» الملفتة، وهي كثرة ووفرة الجزائريين والجزائريات السائلين. والمتدخلين، وبقطع النظر عن الاستنتاجات الممكنة، وهي كثيرة متعددة، فإن قاعدة الهرم في تلك الاستنتاجات في تقديري هي: شدة احتياج الناس إلى معرفة أمور دينهم.أو فلنقل بلغة أكثر تعبيرا عن الحال «تعطشهم …

مارس 10, 2025 - 13:00
 0
نحو وقف إسلامي… للإعلام الديني في الجزائر من يتشرف بتأسيس هذا الصرح ويجعله صدقة جارية؟*

أ. حسن خليفة/

يستطيع من يتابع القنوات الفضائية ووسائط الإعلام بصفة عامة أن يلحظ تلك «الظاهرة» الملفتة، وهي كثرة ووفرة الجزائريين والجزائريات السائلين. والمتدخلين، وبقطع النظر عن الاستنتاجات الممكنة، وهي كثيرة متعددة، فإن قاعدة الهرم في تلك الاستنتاجات في تقديري هي: شدة احتياج الناس إلى معرفة أمور دينهم.أو فلنقل بلغة أكثر تعبيرا عن الحال «تعطشهم الشديد والكبير للمعرفة الدينية».
كما يستطيع المرء أيضا أن يلاحظ في واقعنا الجزائري، في مجال الصحافة المكتوبة، تلك الوفرة في العناوين الصحفية التي تقدم ثقافة دينية بأشكال مختلفة. إقرأ، القلم، العربي، الشيماء، زهرة الإسلام، أسماء، الدعوة وغيرها كثير، فضلا عن صحف كانت إلى وقت متأخر صحفا اجتماعية فنية، ثم صارت صحفا دينية أو شبه دينية .
وبقطع النظر ـ مرة أخرى ـ عن نوايا أصحاب تلك الجرائد، وأهمية ما تقدمه ، فإن السؤال الجدير بالطرح في كل ما مضى : هل يدخل كل ذلك (ما تقدمه القنوات والصحف على حد سواء)…هل يدخل في «صلب» التكوين الثقافي/الديني الصحيح أم لا؟ وهل هوكاف للاستجابة لهذا الاحتياج الكبيرالمعبرعنه بوضوح وصراحة؟.
إن الأمر إذا كان مؤشرا واضحا على «جوع « إلى معرفة دينية في مختلف ميادين الحياة، فهو يدل أيضا على مدى الفراغ الكبير الذي يعاني منه الناس؛ خاصة وأن أسئلتهم في أحايين كثيرة أسئلة مصيرية ، فاهتمامهم بالدين إنما هو نوع من السعي لتقويم حياتهم على أصل صحيح، وأيضا سعيا لجبر كسور وأخطاء وخطايا، وربما جرائم، في الماضي، وقد أفادني بذلك كثير من الإخوة الأئمة والمدرسين والأخوات المرشدات… ما عزز تلك القناعة عندي، وهي أن الناس يريدون أن تستقيم حياتهم على أمر الدين والشرع، وأن الجهل كثير وكبير وعام، وأن الناس يبحثون عن التوبة من «شرور»كثيرة وكبيرة ويريدون معرفة كيفية العودة إلى الله.وهناك أسرار وعجائب وغرائب في حياة الناس وتفاصيل مرعبة …وكثيرون وكثيرات لديهم رغبة في الاستدراك قبل فوات الأوان،وذلك حقهم على كل حال ،و سيبقى الإنسان إنسانا حتى تقوم الساعة : يخطيء ويغش ويفجر ويمكر ويخون ويفعل»السيئات» …ثم يبحث عن التوبة.
إن المسألة دقيقة ونحن نحتاج إلى تبين هذا الأمر وفهم هذا الاحتياج الإنساني العقلي والعاطفي والروحي، والمعرفة الدينية هي المعادل الموضوعي لكل تلك الحاجة الأكيدة والماسة إلى السؤال عن كثير من الشؤون ..بما يعني أن توفير الحد المناسب والجيد من الثقافة الدينية ممثلة في :المعلومات والمعارف والفتاوى والعلوم الشرعية، والإجابات عن التساؤلات الكبيرة والصغيرة، بالأخص ما لا يجوز أن يُجهل من الدين بالضرورة ..أمر لازم وضرورة من الضرورات المستعجلة والأولويات التي لا تقبل التأجيل.
لذلك السبب ،وهو كاف في حد ذاته، ولأسباب تتعلق بتيسير سبل التعريف بالإسلام وتعليمه، والتوجيه والإرشاد والمعرفة وكل ذلك يجسده مفهوم «الدعوة إلى الله».
أدعو إلى اعتماد وقف إسلامي خيري يشترك فيه كل مصلح وخير، ويُنتدب له من أهل العلم والخبرة والكفاءة والصلاح والنزاهة ما يليق به وبمكانته وعظمته ودوره الكبير.وما أجمل أن تكون جمعية العلماء المسلمين الجزائريين «رائدة» في هذا المجال، فتقوم بـ»عبء» المبادأة والمبادرة، والتأطيروالإشراف.
ومن أبسط ما يمكن البدء في تنفيذه إنشاء وقف فضاء إلكتروني إسلامي واسع ومتميز يهتم بتدبير الشأن الديني في الجزائر، ويوفر كل ما يجب من معارف وعلوم، مبسطا ميسرا سهل المنال، باللغتين العربية والفرنسية، ملبيا لاحتياجات الجزائريين والجزائريات، مجيبا عن تساؤلاتهم، ويكون في شكل موقع تفاعلي قوي متين، يشتمل على عدد من المحاور الرئيسية، يُراعى فيه سهولة التصفح، وتكون له جاذبية جمالية ملموسة، وفيه أيضا بساطة ووقار.يشتمل على عدد من المحاور الأساسية في شؤون الدين، وشؤون الدين والدنيا، بنك الفتاوى، الأسئلة، الإجابات، أركان الإسلام، نصائح توجيهات، كتب، مطويات، قرآن وحديث، لكل سؤال جواب ،منابر النور، حقوق المسلم، واجبات المسلم، الخ ….يتولاه عدد من العلماء والأئمة والدعاة في فريق متجانس متفاعل منفتح على أدوات العصر ولغاته، يثرونه بكل مفيد ونافع، في كل وقت، ويعرفون به في دروسهم وخطبهم ويحيلون إليه لاستكمال الاستنفاع خارج الدروس والخطب الجمعية،يفيد الرجال والنساء والأطفال ، كل حسب مقتضاه ومستواه .
أتصور أن عملا كهذا وهو غير مكلف وغير صعب التحقيق سيتحقق به خير كثير ونفع عظيم، وسيسد جزءا كبيرا من النقص الحاد الموجود؛ خاصة بوجود المعطيات التالية:
1-لدينا آلاف من الأئمة والأساتذة والمدرسين والدعاة في حاجة ماسة إلى الاستزادة من العلم والفقه والمعرفة.
2- وملايين من المتعطشين إلى معرفة الدين .
3- ولدينا مئات إن لم أقل ألوف من البارعين في تكنولوجيات الإعلام والاتصال والمعلوميات والانترنيت.
4- ولدينا ما لا يعد ولا يُحصى من أهل الخير والمال والفضل واليسر …
5-ولدينا مئات من العلماء والدعاة والأئمة المقتدرين الذين يمثلون «النخبة» التي تستطيع التكوين والتعريف وترسيخ الدين الصحيح بمبادئه السليمة .
أفلا يمكن تدبير أمر كهذا يخرجنا من دائرة «الأمية الدينية» التي نعاني منها ما نعاني.
إنه، في تقديري، لعمل صالح نظيف نحقق به ما نحقق ونرفع الغبن عن ألوف من السائلين والسائلات في المجال الديني والحياتي والمعيشي
إنه في تقديري لتفريج لكربات المسلمين، ومن الكربات كربات عقلية وعاطفية رهيبة، بسبب الجهل ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن نَفَّس عن مُسْلِم كُرْبة من كُرَب الدنيا، نَفَّس الله عنه كُرْبة من كُرَب يوم القيامة، ومَن يَسَّر َ على مُعْسِر في الدنيا، يَسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد، ما كان العبد في عون أخيه)(2).
وعن ابن عُمَر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (لأَنْ أمشي مع أخ في حاجة، أحبّ إليَّ مِن أن أعتكف في هذا المسجد -يعني مسجد المدينة- شهرًا.
اليأس والضياع والحيرة وعدم المعرفة وفقدان البوصلة، وعدم المعرفة بما يجب، أفليست تلك كربات؟ والحاجة إلى معرفة الصواب من الخطأ، والعودة إلى الله، والتوبة، والبصر بالدنيا أوليست تلك حاجات يجب أن نمشي فيها مع أخواننا لنكون سببا في عودة السكينة والطمأنينة والهدوء النفسي ومعرفة الأجوبة عن أسئلة الحيرة .

*هذا نداء لأهل العزم والخير ، خدمة للدين والوطن وللمجتمع الجزائري الذي تحقق لدى الدارسين والمتابعين اهتمامه بدينه ورغبته الكبيرة في «التفقه» والمعرفة بكل ما يمس دينه وآخرته. وإنه لشرف للجمعية أن ترقى هذا المرقى، بالتعاون مع أهل الخير والعلم والفضل.