هل الاعتراف الدولي الجديد بفلسطين مجرد خديعة؟

تُطرَح الآن فرضيتان بشأن تزايد الاعتراف الغربي بفلسطين، واحدة تَعتبرُه لعبة لإنقاذ الكيان الصهيوني من الهزيمة التي تَكبَّدها تجاه المقاومة، والثانية تَعتبرُه تعزيزا لنصرِ المقاومة وبداية حقيقية نحو تغيير الوضع القائم في فلسطين لصالح إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المحتلة بعد الرابع من جوان سنة 1967. دعنا نراجع المسألة من مختلف الجوانب قبل الحكم. […] The post هل الاعتراف الدولي الجديد بفلسطين مجرد خديعة؟ appeared first on الشروق أونلاين.

سبتمبر 23, 2025 - 19:20
 0
هل الاعتراف الدولي الجديد بفلسطين مجرد خديعة؟

تُطرَح الآن فرضيتان بشأن تزايد الاعتراف الغربي بفلسطين، واحدة تَعتبرُه لعبة لإنقاذ الكيان الصهيوني من الهزيمة التي تَكبَّدها تجاه المقاومة، والثانية تَعتبرُه تعزيزا لنصرِ المقاومة وبداية حقيقية نحو تغيير الوضع القائم في فلسطين لصالح إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على الأرض المحتلة بعد الرابع من جوان سنة 1967.
دعنا نراجع المسألة من مختلف الجوانب قبل الحكم.
بداية، لا يمكن الحكم على كون الاعتراف الحالي من قِبل عدد متزايد من الدول الغربية الوازنة بأنه “لعبة” جديدة من قبل الغرب لخدمة الكيان الصهيوني لِسبب أساسي مفاده أن هناك تغيرا حقيقيا وليس شكليا داخل المجتمعات الغربية بشأن الموقف من “إسرائيل” ومن فلسطين. لم تعد “إسرائيل” في نظر الغالبية الساحقة من الغربيين هي ذلك النموذج الديمقراطي العصري بعد الذي تابعته الجماهير الغربية على المباشر من ممارسات إجرامية غير مسبوقة للجيش الإسرائيلي في غزة باتت تصُنَّف ضمن الإبادة الجماعية بشكل واضح إعلاميا وقانونيا… وزاد من ترسيخ هذه الصورة لدى الرأي العام والنخب الغربية رفض حكومة الاحتلال الاستجابة للمطالب الداخلية التي تدعوها لوقف الحرب واستعادة الأسرى، وإصرارها على مواصلة ارتكاب الإجرام بكل أنواعه في حق السكان المدنيين في غزة من قتل جماعي وتجويع و قطع للمياه وهدم للمستشفيات ومنع دخول الدواء والحد الأدنى من عناصر الحياة… وكان من نتيجة ذلك أن انتهت سردية معاداة السامية التي لطالما بنى عليها الكيان مظلوميته وبرَّر اعتداءاته، وبات الجميع لا يخشون رفع الصوت عاليا ضد هذا الكيان الظالم وبالملايين في مختلف أنحاء العالم، وفي نفس الوقت الصدح بالحرية لفلسطين… هذه الخلفية تُلغي فرضية أن الحُكَّام الغربيين إنما قاموا بالاعتراف بفلسطين فقط لمخادعة الفلسطينيين والعرب بشكل خاص، ذلك أنه حتى وإن افترضنا إمكانية خِداع مَن خُدعوا منذ سنة 1948 وتم التلاعب بهم، فإننا لا يمكن أن نُقِر بإمكانية خداع الرأي العام الغربي المنظَّم والقادر على التأثير في حكوماته عبر الانتخابات، بدليل ما يحدث اليوم في إيطاليا والضغط الشعبي الكبير ضد حكومتها التي تأخرت في اتخاذ مثل هذا القرار، وذات الأمر بالنسبة لألمانيا واليابان وباقي الدول الغربية الوازنة التي مازالت لم تعترف بالدولة الفلسطينية بعد.
المسألة الأخرى التي تجعل هذه الاعترافات الغربية تختلف عن سابقاتها -مثل اتفاقيات أوسلو مثلا – أنها تأتي في وقت مازالت المقاومة في فلسطين تُواجه العدو في الميدان وتُكبِّده الخسائر البشرية والمادية يوميا وتمسك بالأسرى وتستبعد كل فرضية للاستسلام، كما أن المقاومة في اليمن مازالت تدك مدن العدو بالصواريخ والطائرات المُسيَّرة وتُجبر المستوطنين للفرار نحو الملاجئ بالملايين، كما أن حزب الله، وإِنْ تَكبَّد خسائر كبيرة في صفوفه وقَبِل بوقف إطلاق نار مازال محتفظا بسلاحه غير قابل للتنازل، والأمر ذاته بالنسبة لإيران التي استوعبت الضربة الصهيونية الأمريكية وتمكنَّت من ترميم صفوفها وبقيت على نفس موقفها السياسي لما قبل العدوان عليها، سواء تجاه الكيان الصهيوني أو تجاه قوتها الصاروخية وبرنامجها النووي، إضافة إلي هذا يوجد تحول لافت في الموقف السعودي بإعلان الدخول في مسار دفاع مشترك مع باكستان التي هي قوة نووية في المنطقة مع ما يشير كل ذلك من توجه جديد في سياستها الدفاعية بعد استخلاص العبرة من العدوان الصهيوني على قطر.
هذه المؤشرات الدولية والعربية تُبيِّن اختلاف السياق الدولي اليوم عما سبقه من اعتراف بالدولة الفلسطينية سابقا، ومادامت المقاومة تحمل بيدها السلاح، وتقارع العدو على الأرض، ومادام الشعب الفلسطيني صابرا على حرب الإبادة يُفضِّل الشهادة على مغادرة أرضه، فإن فرضية “خدمة” الكيان الصهيوني بهذه الاعترافات تبقى ضعيفة، وسيتأكد لنا ذلك من خلال ردود الفعل المرتقبة للاحتلال التي ستكون على شكل إعلان مُتوقَّع لضم الضفة الغربية للأراضي المحتلة سنة 1948، وعدم الاعتراف بالسلطة الفلسطينية الحالية، وهي ردود فعل ستجعل العالم يكتشف أكثر حقيقته العنصرية وحقيقة سياساته السابقة القائمة على الهيمنة والاعتداء لا على التعايش مع الآخرين والقبول بقرارات الشرعية الدولية.
وهكذا، يتبين لنا أن معركة طوفان الأقصى لم تكن مجرد معركة محدودة، بل هي فعل استراتيجي كبير انتزع المبادرة من الظالم، لأول مرة منذ احتلال فلسطين، وكشفه على حقيقته وجعل كل العالم ينقلب عليه، وما مواقف الحكومات الجديدة إلا انعكاس لهذا التغيير الكبير الذي أحدثه قرار السابع من أكتوبر المظفّر…

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post هل الاعتراف الدولي الجديد بفلسطين مجرد خديعة؟ appeared first on الشروق أونلاين.