آن لأيقونة عين ولمان وفارسها أن يترجّل… «الأستاذ القدير والمربي الحكيم صالح مخناش»

أخوه ورفيق دربه عبد الفتاح داودي/ الحمد لله الذي جعل الموتَ حقًّا على العباد، وجعل بعده حياةً خالدةً عند رب العباد، وجعل الصالحين مصابيح يهتدي بها الناس، فإذا رحلوا بقي أثرهم شاهدًا لا يزول. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله …

سبتمبر 22, 2025 - 13:23
 0
آن لأيقونة عين ولمان وفارسها أن يترجّل… «الأستاذ القدير والمربي الحكيم صالح مخناش»

أخوه ورفيق دربه عبد الفتاح داودي/

الحمد لله الذي جعل الموتَ حقًّا على العباد، وجعل بعده حياةً خالدةً عند رب العباد، وجعل الصالحين مصابيح يهتدي بها الناس، فإذا رحلوا بقي أثرهم شاهدًا لا يزول.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقف اليوم في مقامٍ عصيبٍ، قلوبنا مثقلةٌ بالحزن، وألسنتنا تعجز عن حمل أمانة الكلمة، ونحن نودّع رجلاً قلّ نظيره، نودّع الأستاذ القدير، المربّي الصادق والرجل الفاضل: سي صالح مخناش، تغمده الله بواسع رحمته وفضله.
لقد كان –رحمه الله – أيقونة عين ولمان، وفارسها النبيل، رجل علمٍ وجهادٍ وإصلاح، حمل مشعل المعرفة في جامعة سطيف، فكان للطلبة أستاذًا معلِّمًا، مربِّيًا موجِّهًا وناصحًا أمينًا. وعرفته مساجد عين ولمان مناراتٍ للذكر والإرشاد، وعرفته المؤسسات التربوية ساحاتٍ للتربية والبناء، وعرفته المراكز الثقافية محركًا للخير وباعثًا للوعي. لقد كان –رحمه الله – حيثما حلّ غرس الأمل، وحيثما جلس نشر النور، وحيثما علّم زرع بذور اليقين.
كان –رحمه الله – رجل الظلّ: لا يحب الظهور ولا يتصدر المحافل، يعمل بصمت، يؤثر في عمق ويعطي بسخاء. عُرف بصفاء سريرته، نقاء قلبه، كرم يده وابتسامته التي لا تفارقه حتى في أشد المواقف. وما رآه أحد إلا أحبّه، وما جالسه أحد إلا أجلّه. وما ذلك إلا من دلائل محبة الله لعبده، كما قال المصطفى ﷺ: «إذا أحبّ الله عبدًا نادى جبريل: إني أحبّ فلانًا فأحبّه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبّه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض.»
لقد عرفناه منذ نعومة أظفاره في حلقات المسجد العتيق ومسجد مالك بن نبي، يافعًا طاهر الوجه بريء القسمات، يحمل نورًا يسطع في محيّاه، وكأن الله قد اصطفاه ليبقى جوهره صافيًا طوال حياته. ومنذ ذلك الحين، جرى ذكره في القلوب، فصار محبوبًا عند كل من يراه، موقرًا عند كل من يعرفه، مقبولًا في الأرض كما هو محبوب في السماء.
إن فقدان الصالحين فجوة في الأُمّة، ورحيل العلماء والمربين ثلمة في المجتمع لا يسدّها شيء. لكن عزاءنا أنّ من مات وقد خلّف علمًا نافعًا، أو زرع أثرًا صالحًا، أو ربّى أجيالًا على الخير، فإن عمله صدقة جارية لا تنقطع، وأجره عند الله عظيم لا يُحصى. وسي صالح –رحمه الله– ترك علمًا يُنتفع به، طلّابًا يسيرون على خطاه وأثرًا خالدًا في النفوس، فهنيئًا له بما ادّخر الله له من الأجر والثواب.
نم قرير العين أيها الفارس النبيل، فقد آن لك أن تترجل من صهوة الدنيا إلى رحاب الآخرة، آن لك أن تفارق دار العناء والشقاء إلى دار البقاء والجزاء، آن لك أن تصعد في هدوءٍ ورفقٍ إلى جنات الفردوس التي اشتاقت إليك، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
اللهم ارحم عبدك الصالح رحمةً واسعة، واغفر له مغفرةً شاملة، اللهم اجعل قبره روضةً من رياض الجنة، ولا تجعله حفرةً من حفر النار. اللهم اجزه عن علمه وتعليمه وتربيته وجهاده خير الجزاء، اللهم ثبّته عند السؤال، وأنر قبره بالقرآن، واجعل عمله شفيعًا له يوم الدين. اللهم ألهم أهله وذويه وطلابه وأحبابه الصبر والسلوان، وبارك في أعمارهم ليواصلوا مسيرة الخير من بعده.
سلامٌ عليك أيها الأخ العزيز، سلامٌ على علمك وعطائك، سلامٌ على وجهك البشوش وقلبك الطاهر، سلامًا ولا أقول وداعًا، فالنفس تأبى أن تراك عديمًا. إلى الملتقى عند حوض الحبيب المصطفى ﷺ، إن شاء الله.
«إنا لله وإنا إليه راجعون».