هل تقوّي سيداو المرأة حقًا ؟ أم تُضعف مكانتها في الأسرة والمجتمع؟

د. علياء العظم. الأردن/ منذ إقرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1979، رفعت الأمم المتحدة شعارات براقة حول المساواة والحرية وتمكين المرأة. وقد التزمت كثير من الدول، ومنها دول عربية وإسلامية، بالانضمام إليها مع بعض التحفظات. وبعضها بدأت ترفع التحفظات عن بعض المواد، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هذه …

سبتمبر 17, 2025 - 15:25
 0
هل تقوّي سيداو المرأة حقًا ؟  أم تُضعف مكانتها في الأسرة والمجتمع؟

د. علياء العظم. الأردن/

منذ إقرار اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) عام 1979، رفعت الأمم المتحدة شعارات براقة حول المساواة والحرية وتمكين المرأة. وقد التزمت كثير من الدول، ومنها دول عربية وإسلامية، بالانضمام إليها مع بعض التحفظات. وبعضها بدأت ترفع التحفظات عن بعض المواد، والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل هذه الاتفاقية فعلاً تقوّي المرأة، أم أنها تضعف مكانتها في الأسرة والمجتمع.

أولاً: وعود براقة.. لكن!
ترى بعض النساء أن اتفاقية (سيداو) الشهيرة التي تعني «القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة»، تبدو فكرة جميلة وبراقة، فعنوانها يوحي بالحماية والحرية والدعم، ويعد المرآة بالإنصاف من الظلم المحتمل ضدها، بينما ترى أخريات أن وراء البريق يكمن حريق، وخلف الانبهار يوجد دمار، فما حقيقة الأمر؟؟ دعونا ننطلق في رحلة غوص في بحور بعض مواد الاتفاقية، للنظر في حقيقتها ومآلاتها على حياة المرأة والأسرة، للوقوف على حقيقة الأمر.
إن المادة (1) توضح معنى التمييز الذي يقصد القضاء عليه في الاتفاقية، وتبين أنه يعني: (التفرقة، الاستبعاد، التقييد)، باعتبار أن التفرقة: تعني وجود فوارق بين الرجل والمرأة، والاستبعاد: يعني استبعاد المرأة من بعض الأعمال والأدوار في المجتمع، والتقييد يعني أي أمر يحد من الضوابط التي تقيدها، وتقلل من حريتها المطلقة، ومن رغباتها المتنوعة.
في حوار بين سيدتين حول معاني القضاء على التفرقة بين الزوجين، تقول ليلى: إن القضاء على التفرقة في الأسرة يعني أنها مساوية للرجل في كل شيء، وإنه من الجميل أن تتساوى أدوارها مع أدوار زوجها في البيت، وأن يكون لها ما له، وعليها ما عليه، لكن سعاد ترد عليها بقولها: إن حقيقة المساواة بينها وبين زوجها أعمق من ذلك، فمن معانيها أن تكون مطالبة بالإنفاق على نفسها وعلى الأسرة بنفس المقدار الذي يقوم به الرجل، وأن لا يكون لها مهر عند الزواج، وهذا يعني أن تفقد حق رعاية الزوج لها، وقيامه على شؤونها، والإنفاق عليها، الأمر الذي يكفله لها معنى القوامة في الشريعة الإسلامية، وفيما ذكر ليس مخالفة للشريعة الإسلامية فقط، وإنما هو مخالفة للفطرة البشرية، وإن الاتفاقية حين تطالب بالمساواة التامة في الأدوار الأسرية يُفهم هذا على أنه إلغاء دور الأمومة المميز للمرأة، والنظر إلى الإنجاب والتربية كخيار ثانوي قد يعيق تحررها.
وفيما يخص القضاء على الاستبعاد الذي يعني إتاحة كل مجالات الحياة لها كما هي للرجل، وكل الأعمال كذلك، فتقول ليلى: نعم من حقي أن أكون مثلاً قاضية أو رئيسة مجلس إدارة، وألا يتمكن زوجي من منعي، فترد سعاد: ولكن ماذا لو تقرر عدم استبعاد المرأة من بعض الأشغال، مثل عمل التنظيف في الشوارع، أو العمل في المناجم، أو العمالة الليلية، أو المشاركة في القتال في الحروب؟ وما تأثير ذلك على حياة المرأة أولاً، وعلى الأسرة ثانياً؟
وأما فيما يتعلق بالقضاء على التقييد فتقول ليلى: وهل أجمل من أن تلغى القيود التي تجبر المرأة على الزواج ممن لا تريد في بعض المجتمعات، أو تمنعها من إكمال دراستها، فتجيب سعاد: ليت الأمر كما تظنين، فمن معاني إلغاء التقييد اعتبار القيم والأخلاق، والعادات والتقاليد، بل الشرائع والدين، قيوداً تشكل تمييزاً ضد المرأة، وبالتالي فالاتفاقية تكفل دعم المرأة في تنفيذ رغباتها مهما كانت، ومهما كان تأثيرها في علاقتها مع زوجها ومع أبنائها، وأكثر من ذلك هي تدعم المراهقات في تنفيذ ما يخطر لهن دون وجود سلطة تربوية للآباء عليهن.
وحول البند 4 من المادة 15 الذي يقول أنه تمنح الدول الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكنهم ومكان إقامتهم، قالت ليلى: وهل أجمل من يدعم القانون الطالبة التي تريد السفر لإتمام دراستها؟ فأجابتها سعاد: تخيلي ابنتك الصبية تقرر ترك بيت العائلة والانتقال لسكن منفصل؟ بل تخيليها تسافر إلى حيث يخطر لها مع من يخطر لها؟ وتخيلي أن القانون يدعمها ولا يستطيع والدها ولا المجتمع أن يمنعها؟؟؟!!! هنا أطرقت ليلى واجمة مذهولة.

ثانياً: الأسرة تحت الضغط
إن الأسرة ليست مجرد عقد مدني بين فردين، بل هي مؤسسة تقوم على التكامل بين الرجل والمرأة. لكن بعض بنود سيداو تضرب هذا التكامل، فإن المساواة التامة بين المرأة والرجل في مؤسسة الأسرة، تفقد المرأة حق القوامة، الذي أنعم الله به عليها، حينما جعل الرجل قواماً عليها، بمعنى شدة قيامه باستمرار على شؤونها، ورعايتها والإنفاق عليها، كما أنها تدفع المرأة للاستهانة بدور الأمومة، والاستعلاء على الزوج، والخروج عن التفاهم معه واحترامه، وفي ذلك كله خرق لمفهوم السكينة الذي أراده الله هدفاً للزواج، وبالتالي مدعاة لتفكك الأسرة، ومن ثم تدهور المجتمع.
في دول غربية متأثرة بهذه الاتفاقيات، ارتفعت نسب الطلاق والعزوف عن الزواج والإنجاب، وزادت الأسر المفككة والأمهات العازبات، حتى إن بعض الدول الأوروبية باتت تُعاني من أزمة تفكك اجتماعي، حيث يعيش الأطفال بعيدًا عن إطار الأسرة الطبيعية، كما أن بند «الصحة الإنجابية» في سيداو يُستخدم عالميًا كمظلة لتشريع الإجهاض والإباحية الجنسية، وهو ما يفتح الباب أمام تفكك الروابط الأسرية وتراجع قيمة العفة والحياء.

ثالثاً: هل هذه هي القوة التي تريدها المرأة؟
يُروّج لسيداو باعتبارها وسيلة لتمكين المرأة، لكن أي تمكين يتحقق إذا فقدت المرأة خصوصيتها وفطرتها؟ وأي تمكين إذا تنافرت مع زوجها، وفقدت سكينة روحها، وتفككت أسرتها، وأي تمكين إذا فقدت المعيل تحت بنت المساواة، و إذا انجرفت مع تيار الحرية بلا حدود وبلا ضوابط.
القوة الحقيقية للمرأة تكمن في:
• أن تكون شريكةً في القرار، لا نسخة مطابقة من الرجل.
• أن تُكرَّم كأمّ ومربية، لا أن يُنظر إلى دورها الأسري باعتباره «عبئًا» أو «تأخراً».
• أن تتمتع بحقوقها التي كفلها الإسلام منذ قرون، حين كانت المرأة في الحضارات الأخرى سلعةً أو تابعًا.

رابعاً: ماذا يعني رفع تحفظ بعض الدول العربية عن بعض المواد التي تخالف الشريعة الإسلامية؟
في بعض الدول العربية التي حاولت تطبيق تعديلات مستندة إلى سيداو، حدثت موجة رفض شعبي واسعة، وخرجت أصوات المجتمع المدني ترفض المساس بقوانين الأحوال الشخصية، وإن إصرار الحكومات على الموافقة على بعض البنود سيحدث شرخاً بينها وبين الشعوب المسلمة، من جهة، ويمكّن الدول الغربية من الهيمنة عليها، ومن التدخل في أدق شؤونها.

خاتمة
إن القوة الحقيقية للمرأة ليست في نسخ النموذج الغربي، ولا في الذوبان في قيم مفروضة خارجيًا، بل في الاعتزاز بهويتها وتفعيل حقوقها الأصيلة التي منحها إياها الإسلام.
وسيداو، وإن رفعت شعار «تمكين المرأة»، إلا أنها في الواقع تُعرّض الأسرة والمجتمع إلى تفكيك وتهميش، وتُضعف دور المرأة بدلًا من أن تقوّيه.
فهل نقبل أن تُبنى قوانيننا الأسرية على نمط غريب عن قيمنا؟ أم أن الوقت قد حان لنطرح بدائلنا المستمدة من حضارتنا، حيث تُحترم المرأة حقًا لا شعارًا؟