إنجاز مصانع تحلية مياه البحر في ظرف قياسي وبرنامج آخر في الأفق:الجزائر تكسب تحدي تأمين المياه..
تمكنت الجزائر في وقت قياسي من آنجاز العديد من محطات تحلية مياه البحر، بهدف ضمان التموين بالماء، وتحقيق الأمن المائي، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد كباقي دول العالم، تغيرات مناخية أثرت على كميات تساقطات المطر، هذه الأخيرة التي كانت لها تبعات عدة على مختلف النواحي والمجالات، وهو ما يعد تحد تمكنت الجزائر من تخطيه. بدلت …

تمكنت الجزائر في وقت قياسي من آنجاز العديد من محطات تحلية مياه البحر، بهدف ضمان التموين بالماء، وتحقيق الأمن المائي، في الوقت الذي تشهد فيه البلاد كباقي دول العالم، تغيرات مناخية أثرت على كميات تساقطات المطر، هذه الأخيرة التي كانت لها تبعات عدة على مختلف النواحي والمجالات، وهو ما يعد تحد تمكنت الجزائر من تخطيه.
بدلت الجزائر مجهودات كبيرة في الفترة الأخيرة، لإتمام المشاريع الخاصة بانجاز محطات تحلية مياه البحر، هذا الخيار الاستراتيجي الذي تراهن عليه لضمان الأمن المائي، في ظل التغيرات المناخية، فبعد دخول العديد من محطات التحلية الخدمة في السنوات الماضية، تمكنت الشركات الوطنية التي أوكلت إليها مهمة إنجاز 5 محطات في فترة وجيزة، من استكمال هذه المشاريع الإستراتيجية.
فبعد دخول محطة تحلية مياه البحر الرأس الأبيض بوهران، حيز الخدمة قبيل شهر رمضان، تبعتها محطتي فوكة 2 بتيبازة، والطارف حيز الخدمة أيضا عشية رمضان، ليتم أول أمس دخول محطة كاب جنات 2 ببومرداس، حيز الخدمة، حيث كان رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، قد اشرف على تدشين هذه المحطات الأربع، في انتظار دخول المحطة الخامسة ببجاية هي الأخرى حيز الخدمة في القريب العاجل.
وقد أكد رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، خلال إشرافه أول أمس، على تدشين مصنع تحلية مياه البحر “رأس جنات 2” ببومرداس، الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 300 ألف متر مكعب يوميا، أن انجاز مصانع تحلية مياه البحر مؤخرا، وفي ظرف قياسي، أسس لمدرسة جزائرية في تجسيد المشاريع الكبرى، وذكر بأن إنجاز مصانع تحلية مياه البحر جاءت لتفادي تبعات شح الأمطار والمياه الجوفية.
من جانبه، أكد وزير الدولة، وزير الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة، محمد عرقاب رقاب في حوار لمجلة الجيش، نشر في عددها لشهر مارس، أن إستراتيجية الجزائر في مجال تحلية مياه البحر تهدف إلى الوصول إلى توطين أهم مكونات محطات التحلية محليا، ما سيمكن الجزائر من تحقيق الاستقلالية التكنولوجية والصناعية في هذا المجال.
وقال إن هذه الرؤية المستوحاة من توجيهات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، ترتكز على المدى الطويل على “تحقيق سيادة مائية شاملة” وذلك من خلال “توطين صناعة أغشية التناضح العكسي التي ستمكن الجزائر من تحقيق الاستقلالية التكنولوجية والصناعية في هذا المجال الاستراتيجي”، يضاف إلى ذلك، زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة في تشغيل محطات التحلية، واستغلال المحلول الملحي الناتج عن عملية التحلية في الصناعات التعدينية، مثل استخراج الليثيوم المستخدم في بطاريات السيارات الكهربائية، والاندماج في الاقتصاد الأخضر عبر إنتاج الهيدروجين الأخضر من المياه المحلاة، مما يعزز التحول الطاقوي في البلاد.
تحلية مياه البحر خيار استراتيجي لتحقيق الأمن المائي
هذا وقد لجأت الجزائر إلى تحلية مياه البحر، كخيار استراتيجي، مدفوعة بالتغيرات المناخية التي يشهدها العالم بأسره والتي أثرت على مصادر المياه، إذ يعد الخيار الأمثل لتحقيق الأمن المائي باعتبارها مصدر مستدام بعكس الموارد التقليدية، سيما وأن الشريط الساحلي للبلاد، يسمح لها بتجسيد هذه المشاريع.
وبدخول هذه المحطات حيز الخدمة، سيرفع من نسبة الاعتماد على مياه البحر المحلاة في حدود 42 بالمائة من إجمالي المياه الموجهة للشرب.
وتهدف هذه المحطات إلى تأمين تموين الولايات الساحلية بالماء الشروب، بالإضافة إلى الولايات التي تقع على مدى 150 كلم من هذه المحطات.
وبالإضافة إلى المحطات الخمسة، هناك برنامج لإنجاز سبع محطات جديدة لتحلية مياه البحر ما بين سنتي 2025-2030 في كل من ولايات تلمسان، مستغانم، ومحطتين بتيزي وزو، شلف، جيجل، وسكيكدة، حسب ما كان قد صرح به سابقا وزير الري طه دربال.
وتعتمد الجزائر في انجاز هذه المحطات على المؤسسات العمومية الوطنية، حيث أصبحت هذه المشاريع تنجز بسواعد جزائرية بحتة، بعدما كانت هذه التكنولوجيا في الماضي حكرا على المؤسسات الأجنبية، وبالتالي فإن انجاز هذه المحطات من قبل المؤسسات الجزائرية، وهو ما من شأنه أن يرقي الأداة الوطنية للإنجاز، ويعزز السيادة الوطنية بجانبها المتعلق بالأمن المائي.
الخبير الاقتصادي عبد القادر صافي:
مشاريع تحلية مياه البحر ضرورة ملحة لتلبية حاجيات المواطنين ومواكبة التحديات الاقتصادية
أكد الخبير الإقتصادي الدكتور عبد القادر صافي، أن مشاريع تحلية المياه المنتهجة من قبل الجزائر لمواجهة شح المياه العذبة بفعل التغيرات المناخية وشح مياه الأمطار صارت ضرورة ملحة لتلبية الحاجيات المتزايدة للمواطنين والنهضة الاقتصادية التي تشهدها البلاد وخاصة في مجالي الصناعة والفلاحة.
وقال صافي، في تصريح للقناة الإذاعية الأولى، إن الاحتياجات المائية للبلاد بلغت 33 ،5 مليار متر مكعب مع حلول سنة 2025 ، الأمر الذي يجعل من الاستثمار في تكنولوجيا تحلية مياه البحر حلا مستداما لأزمة المياه الصالحة للشرب والري وذلك على الرغم من التكلفة المالية المرتفعة لانجاز مثل هذه المشاريع عبر ولايات القطر الساحلية والمقدرة بـ14 ولاية.
وأضاف قائلا ،”نثمن هذه الإستراتيجية المنتهجة من قبل السلطات العليا في البلاد تحت قيادة رئيس الجمهورية لأنها عاملا أساسيا في تعزيز الأمن المائي للبلاد وتقليل المخاطر المرتبطة بنقص المياه باعتباره ركنا أساسيا من ركائز السيادة الوطنية إلى جانب المسعيين المتعلقين بتحقيق الاكتفاء الذاتي في مجالي الغذاء والدواء.”
وتابع قائلا،”وفرة المياه تساهم في تعزيز النشاطات الاقتصادية والصناعية والزراعية في الولايات المعنية بما يرفع من وتيرة النمو الاقتصادي في تلك المناطق وتحفيز الساكنة على الاستقرار بها وذلك بالموازاة مع النهضة الاقتصادية الواعدة التي تشهدها البلاد في الأعوام الأخيرة.
واستطرد قائلا ،”مشاريع تحلية مياه البحر والمقدرة حاليا بـ24 محطة على المستوى الوطني تعد انجازات كبرى للسلطات العمومية لتأمين الأمن القومي الوطني ، بما فيها العمل على حماية الموارد المائية من أي تهديدات خارجية والتي أصبحت محل نزاعات مزمنة بين عديد الدول، بعضها على حافة الحروب بفعل تعاظم الخلافات على تقاسم المياه.”
وأردف قائلا ،”السلطات العمومية تفطنت لخطورة ملف المياه الشروب خلال العشرية الأخيرة وأدرجت عددا من مشاريع الإستعجالية لتحلية مياه البحر ضمن المخطط الخماسي 2015 -2019 لمواجهة شح مياه الأمطار لمواجهة النمو الديمغرافي المتزايد وتقليل الضغط على المصادر الطبيعية وكذا الحد من الاستنزاف المفرط لهذه الموارد للحفاظ على هذه الثروة للأجيال الصاعدة.”
وضمن هذا السياق، أبرز الدكتور عبد القادر صافي أهمية تجرية تشييد مصانع تحلية مياه البحر في الجزائر بسواعد محلية حيث تم إنجاز 03 محطات في أقل من عامين ونأمل رؤية هذا النموذج يعمم على باقي فروع قطاع الاقتصاد الوطني بما فيها الصناعة، خاصة وأن رئيس الجمهورية رقع السقف عاليا عندما أوصى بضرورة العمل على توطين كل المعدات والأجهزة المتعلقة بالصيانة محليا .”
وتابع قائلا ،” من المؤكد أن هذه التجربة تفتح آفاقا واسعة أمام تصدير هذه الخبرة للدول المجاورة أسوة بما تقوم به سوناطراك وسونلغاز في مجالي الغاز والكهرباء ونشدد على أهمية تعزيز التكوين العالي في مجالات العلوم والتكنولوجيا المتطورة وتمكين إطارات وعمال قطاع تحلية مياه البحر من التحكم في المهارات والتقنيات العصرية في مجالات الإدارة والحوكمة والصيانة الدورية للعتاد والتكنولوجي.”
وبالموازاة مع ذلك، حث الخبير الاقتصادي على أهمية إبلاء أهمية قصوى لغرس،” ثقافة الإستهلاك العقلاني للثروة المائية لدى الفرد والمواطن والابتعاد قدر المستطاع عن المغالاة في التبذير وحث السلطات المحلية على التصدي لظاهرة التسرب المائي عبر الطرقات والمسارعة لإصلاح مواطن الخلل دون تأخير.”
وقال المتحدث ذاته”اللجوء إلى الردع قد يكون ضروريا في مرحلة ما وربما يتعين مراجعة وتحيين القوانين الحالية بما يكفل محاربة ومواجهة ظاهرة الإفراط في التبذير اليومي للمياه بفعالية ، سواء تعلق الأمر بأفراد أو مؤسسات.”
رزيقة. خ