الأسرى المُحرّرُون: من معركةِ الكرامة في السجون.. إلى تحريرِ العزةِ في غزّة
د.خديجة عنيشل/ في كلِّ مرة تُظهرُ لنا الصهيونيةُ وجهَهَا القبيح وتُبرزُ حِقدَها الدَّفين وتكشفُ عن إرادةٍ حقيقيةٍ للشرِّ لا ينفعُ معها حِلمٌ ولا مداهنةٌ ولا سلام. ففي حين تُفرِجُ المقاومةُ عن أسرى الاحتلالِ وهم في كاملِ عافيتِهم الصحيةِ والبدنيةِ والنفسية تُصرُّ دولةُ الصهاينة على إذلالِ الأسرى الفلسطينيين المُفْرَجِ عنهم حيث يُطلَقُ سراحُهم وهم مقيّدو الأيدي …

د.خديجة عنيشل/
في كلِّ مرة تُظهرُ لنا الصهيونيةُ وجهَهَا القبيح وتُبرزُ حِقدَها الدَّفين وتكشفُ عن إرادةٍ حقيقيةٍ للشرِّ لا ينفعُ معها حِلمٌ ولا مداهنةٌ ولا سلام. ففي حين تُفرِجُ المقاومةُ عن أسرى الاحتلالِ وهم في كاملِ عافيتِهم الصحيةِ والبدنيةِ والنفسية تُصرُّ دولةُ الصهاينة على إذلالِ الأسرى الفلسطينيين المُفْرَجِ عنهم حيث يُطلَقُ سراحُهم وهم مقيّدو الأيدي معصوبُو الأعين يرتدون لباساً مشحوناً بالكراهية والخُبث؛ فقد صرَّحَت محافِظةُ رام الله والبيرة ليلى غنام للصحافة على هامش استقبال الأسرى إن جيشَ الاحتلال «أفرج عن الأسرى بلباسٍ عليه عباراتٌ عنصريةٌ وتحريضية، لكن تم تزويدهم بملابس بديلة» !!! وقد لاحظَ الجميعُ تلك الملابس التي كان يرتديها الأسرى الفلسطينيون المحَّرَّرُون في الدفعةِ السادسة مطبوعٌ عليها النجمةُ السداسية ورمزُ إدارةِ السجون وعبارةُ «لا ننسى.. ولا نغفر» وهي جملةٌ صريحةُ الدلالة تحملُ تجذَّرَ الحقدِ الصهيوني في أركانِ دولةِ الاحتلال، ولكنها أبانت أيضاً عن الحُمقِ السياسيِّ الذي يتخبّطُ فيه العدو بشهادَةِ رجالِ دولة الاحتلال أنفسِهِم؛ إذ انتقدَ بشدةٍ هذا التصرفَ الرئيسُ السابقُ لمنطقة القدس والضفة الغربية في جهاز مخابرات العدو الصهيوني الشاباك أريك باربينغ حيث قال عن هذه العبارة المخطوطة في ملابسِ الأسرى: إنها «تلحقُ ضرراً كبيراً بصورةِ إسرائيل ونشرُ هذه الصور لا يشكِّلُ تهديداً للفلسطينيين، بل سيُنظر إليه بسخرية، كما أن المواطنَ (الإسرائيلي) نفسه لن يجد فيه أيَّ معنىً حقيقي» خصوصاً مع ما تُظهرهُ بروتوكولاتُ المقاومة في تسليمِ أسرى العدو من حِنكةٍ وإنسانيةٍ وإصرارٍ على المبدأ .. مبدأُ احترام الأسير وحمايته الذي يتشرَّبُهُ رجالُ المقاومة من معينِ دينِهم الصافي النقيّ.
ولأنَّ الأسيرَ الفلسطينيَّ الأبيَّ لا يرضى الدَّنيَّةَ في عقيدتِهِ وقضيّةِ وطنِه فقد كانت صفعةً قويةً للاحتلال تلك الوقفةُ البُطوليةُ الشجاعةُ التي قام بها أسرى الدفعةِ السادسة المُحرَّرون مباشرةً حين وصلوا ساحةَ (المستشفى الأوروبي) في خانيونس إذ خلعوا عنهم تلك الأثواب وأضرمُوا فيها النار وسط هتافاتِ النصرِ والصمودِ والمقاومة التي شاركهم فيها أهاليهم وذووهم في رسالةٍ واضحةٍ للعدو وللعالَم مفادُها أنَّ هذه الأرضُ لنا ونحن الذين لن ننسى جرائمَ الصهاينة ولن نغفرَ عُدوانَهم على أرضِنا ومقدَّساتِنا وسنُقاومُ المحتلَّ الصهيونيَّ حتى يتحوّلَ إلى رماد ويصبحَ نسياً منسيّاً.
كما تحدثت وسائلُ إعلامِ العدوّ عن إجبارِ مصلحةِ السجون في دولةِ الاحتلال أسرى الدفعةِ السابعة على ارتداءِ ملابسَ طُبِعت عليها عبارة «أطاردُ أعدائي فأدركهم ولا أرجع حتى القضاء عليهم» وهو تصرُّفٌ غيرُ موفّق مُطلَقاً وَصَفَهُ أحدُ المسؤولين الصهاينة بأنه «غبىٌّ وصبيانيٌّ يُعرِّضُ حياةَ الأسرى في غزة للخطر» وبالفعل؛ فإنَّ هذا السلوكَ الأرعَنَ يأتي في سياقٍ سياسيٍّ حساس ووَضْعٍ عسكريٍّ مُتأجّج يصعَدُ فيه نجمُ المقاومةِ الفلسطينيّةِ عالياً بما أبدتهُ من حكمةٍ بالغة، وتمسُّكٍ عظيمٍ بمبادئ السلام والإنسانية التي صنعها الإسلامُ في شخصيةِ أتباعِه قبل أن تدَّعيها منظماتُ الأمم المتحدة كذباً وبُهتاناً. ولقد وقَعَت دولةُ الكيانِ الصهيونيِّ في شرِّ أعمالِها وانقلبَ مكرُها عليها حيثُ كانت خطوةُ هذه الملابس المطبوعةِ بالحقدِ والدّمِ نكالاً عليها، وفتحت في وجهها بابَ انتقاداتٍ جمّة إن على المستوى السياسيِّ الذي يُعاني تخبُّطاً واضحاً أو على المستوى الشعبيِّ الذي يشهدُ احتقاناً لا مثيلَ له بسبب فشلِ الدولة العبرية في إدارةِ ملفِّ الأسرى، ولعلَّ ما نَشَرَتهُ هيئةُ البثِّ المحتلّة دليلٌ واضحٌ على هذا حيث قالت: «إنه لم يتم إبلاغُ المستوى السياسيِّ بإجبار ِالأسرى على ارتداءِ تلك الملابسِ التي كُتبت عليها عباراتُ تهديد» وهذه إشارةٌ مُضيئة إلى أن القيادةَ السياسيةَ في دولةِ الاحتلال ليست بخير !!
إنَّ كلَّ محاولاتِ المحتلِّ الصهيونيِّ في أن يُركِّعَ الفلسطينيَّ ويُذلّه، أو أن يقهرهُ ويكسره، أو أن يُفقِدَهُ طاقةَ المقاومة ويُطفئَ جذوَتَها في روحه.. كلُّها باءت بالفشل ولن تنجح في بلوغِ مُرادِها لسببينِ رئيسيين: أوُّلُهما أن الله القدير الجبّار يتولّى هذا الشعبَ المُجاهدَ الصالحَ الذي يحملُ الكتابَ في صدره ويهتدي بهُداه فهو يحفظُ معنى﴿ إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ﴾ . وثانيهما: طبيعةُ هذا الشعب الصالح المُجاهد الذي لا يركعُ إلا لله فرفعهُ الله، ولا يرضى الذلَّ فأعزَّهُ الله، ولا يخشى في حقِّ وطنهِ وعقيدتهِ ومقدَّساتِهِ لومةَ لائم فكتبَ الله له الكرامةَ والشجاعةَ حتى وهو في السجن حيثُ الابتلاءُ العظيم وهو ما شهدَ لهُ به الأعداء إذ قالت صحيفة يديعوت أحرونوت: إن أسرى فلسطينيين كتبُوا على جدرانِ السجنِ قبل الإفراج عنهم: «لن نغفر ولن ننسى ولن نركع» .. «كلنا سنموت لكنا سنموت شهداء» !!!
إنهم ليسوا أسرى بل أحرارٌ أُبـــاة … وإنهُم ليسوا مجرَّدَ شعبٍ بل قومٌ جبّارونَ أحبُّوا اللهَ فأحَبَّهُم، وأعزُّوا دِينَهُ فأَعَزَّهمُ .
﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾