الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور!

تُعَدُّ جلُّ مساهمات الحداثيين العرب ارتدادًا عن الحداثة الغربية التي أحدثت ثورة ضخمة في عالم الفلسفة مع إيمانويل كانط Immanuel Kant، أحد أعظم فلاسفة الأنوار، بل ومن أبرز الفلاسفة على الإطلاق.. لقد طرح كانط فكرة بسيطة، لكنها كانت ثورة عارمة في ذلك الوقت؛ ذلك أن الفلاسفة قبل كانط كانوا غارقين في الميتافيزيقا، وكانت الفلسفة ميتافيزيقية […] The post الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور! appeared first on الشروق أونلاين.

مارس 28, 2025 - 17:04
 0
الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور!

تُعَدُّ جلُّ مساهمات الحداثيين العرب ارتدادًا عن الحداثة الغربية التي أحدثت ثورة ضخمة في عالم الفلسفة مع إيمانويل كانط Immanuel Kant، أحد أعظم فلاسفة الأنوار، بل ومن أبرز الفلاسفة على الإطلاق.. لقد طرح كانط فكرة بسيطة، لكنها كانت ثورة عارمة في ذلك الوقت؛ ذلك أن الفلاسفة قبل كانط كانوا غارقين في الميتافيزيقا، وكانت الفلسفة ميتافيزيقية بامتياز. فلما جاء كانط، طرح فكرة بسيطة، وهي أننا نستطيع أن نفكر في الميتافيزيقا، لكننا لا نستطيع أن نعرفها، ولذلك أصبح التفكير في الأمور الميتافيزيقية كله عبثًا؛ لأننا لا نملك القدرة العقلية ولا الأدوات التي تمكّننا من معرفة الموضوع. لقد شكك كانط في المعرفة التي تأتي عن طريق الحواس فكيف بمعرفة عالم ما بعد الحواس؟! نستطيع أن نفكر في الغيب، لكننا لا نستطيع أن نعرفه.
وهو ما يتوافق تمامًا مع النظرة الإسلامية التي تقول إننا لا يمكن أن نعرف الغيب وتفاصيله. نؤمن به، ولكننا لا نعرفه إلا عن طريق الوحي الذي يخبرنا بما فيه. فمحاولة هؤلاء الحداثيين مناقشة الجانب الغيبي في الوحي والدخول في تفاصيله كما يفعل شحرور باسم القراءة المعاصرة تعد ارتدادًا عن إحدى البديهيات التي جاءت بها فلسفة الأنوار، ومحاولة لإغراق الناس في نقاشات لا تنتهي وتنتمي إلى الميتافيزيقا القروسطية، بدل المضي في درب الحداثة الذي يقوم على حل مشاكل الناس والتقدم بهم إلى الأمام. فالحداثة العربية هي حداثة رجعية ردّية قروسطية، سلفية في طرحها، وغير نهضوية في راهنها. لو أنكر منكرٌ الغيبَ جملةً باسم المادية والحداثة، لوجدنا لذلك مسوغًا، لكن أن يغوص في تفاصيله باسم الحداثة التي لا تؤمن بالماورائيات، فهو تناقض منهجي، وجمع بين الماء والنار.
فعلينا أن نفرق بين من يريد إعادة قراءة النصوص، ومن يريد هدم النصوص. فكثيرًا ما يهدم بعض الناس النصوص وهم يظنون أنهم يعيدون قراءتها. وأول الهدم أن تُرفع العناوين دون المضامين، وأن يُدعى إلى إعادة القراءة دون منهجية واضحة. وأول الهدم أيضًا أن يُبدأ بهدم المناهج القديمة التي قرأت النصوص، باسم إرادة التغيير أو الرغبة فيه، أو لمجرد كونها قديمة. فالصحيح القديم يبقى صحيحًا ولو مرت عليه آلاف السنين؛ فنظرية فيثاغورس في الرياضيات لا تزال صحيحة رغم مرور آلاف السنين، أما شطحات الحداثيين العرب، فهي كلام سخيف لا قيمة له، رغم أنه لم يمر عليه سوى سنوات معدودات.
وصح فطوركم يا أهل القرآن!

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post الحلقة الخامسة والعشرون: بين كانط وشحرور! appeared first on الشروق أونلاين.