الشباب والاستقلال في ظلال الآمال

أ.د: عبد الحليم قابة رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/ كلما حلّت ذكرى الاستقلال العزيزة على الجزائريين، تذكر أبناؤه ومواطنوه أعمال المجاهدين والشهداء وتضحيات الصادقين والشرفاء، وتذكروا آمالهم وما كانوا ينتظرونه ويتشوّفون إليه. وإذا لم يتذكروا؛ فينبغي أن يُذكّروا، وإن كانوا – خصوصا جيل ما بعد الاستقلال – لا يعلمون،؛ فينبغي أن يُعلّموا وأن يتعلّموا. هذا …

يوليو 7, 2025 - 13:20
 0
الشباب والاستقلال في ظلال الآمال

أ.د: عبد الحليم قابة
رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائرييـن/

كلما حلّت ذكرى الاستقلال العزيزة على الجزائريين، تذكر أبناؤه ومواطنوه أعمال المجاهدين والشهداء وتضحيات الصادقين والشرفاء، وتذكروا آمالهم وما كانوا ينتظرونه ويتشوّفون إليه. وإذا لم يتذكروا؛ فينبغي أن يُذكّروا، وإن كانوا – خصوصا جيل ما بعد الاستقلال – لا يعلمون،؛ فينبغي أن يُعلّموا وأن يتعلّموا. هذا على فرض أن الأمر تعلق بذكرى واحدة؛ فكيف إذا تعلق الأمر بمناسبةٍ أخرى، وهي ذكرى تتعلق بالشباب، فكيف إذا أضافت جمعية العلماء المسلمين ذكرى تأسيس إمامِها الأول جريدةَ المنتقد (3 جويلية 1925/ 11ذي الحجة 1343)، فيكون الحسنُ اجتمع مع المحاسن، والدافع انضم إلى الدوافع، ويصبح التوجيه للاستفادة من هذه الذكريات أمرا لازما وتذكيرا نافعا.

وأول ما ينبغي أن يقال – سدا لذريعة التطرف وفتاوى المتطرفين -: إن إحياء هذه الذكريات واستغلال هذه المناسبات بمثل هذه الأعمال والتوجيهات من العمل بالقرآن الذي يقول: «وذكرهم بأيام الله»، وهو من السير على خطى الأنبياء ومسالك العلماء والصالحين الذين سجل التاريخ صنيعهم، وخلدت القراطيس كلماتهم في التذكير بأيام الله وبالأحداث الفاصلة، وبالتوجيه المناسب للمخاطَبين على اختلاف الأزمان والأوضاع، ولم يَعدّوا ذلك من المخالفة لهدي الانبياء ومناهج الأتقياء.
– ثانيا: ينبغي أن لا نغفل عن أن المقصود بالاهتمام بهذه الذكريات ليس الترف العلمي والسرد التاريخي، فنحن نعيش ظرفا لا وقت فيه للترف الفكري ولا للتكرار الممل بسرد تفاصيل الأحداث، فقد كفتنا الدواوين وصنوف التسجيل والتوثيق، الخوفَ من ضياع التفاصيل فضلا عن غيرها، وإنما المقصود استخلاص العبر والدروس من هذه الأحداث، والتي نحن الآن بصددها
فمن العبرالتي تُذكر:
1 – رفع همم الشباب والجيل الجديد بتذكيرهم بتضحيات آبائهم وأجدادهم الذين بذلوا النفس والنفيس من أجل حرية الجزائر واستقلالها عن فرنسا المستعمِرة، لعلهم يبذلون عشر ما بذل أجدادهم من أجل استقلال الجزائر، ثم الحفاظ على ما تحقق من ذلك، ومواصلة العمل والتضحيات من أجل تحقيق ما لم يتحقق من ذلك، ومن أجل الخلاص الكامل من صور هيمنة المستعمِر السياسية والثقافية والاقتصادية.
2 – الربط بين ذكرى الاستقلال وذكرى الشباب يوحي بدور الشباب في ما تحقق من استقلال، وما نأمله من عطاء وتضحيات من الشباب – الآن وفي المستقبل – في مسار نصرة قضايا الأمة، ومسار الانعتاق التام من هيمنة الأعداء على بلادنا وعلى سائر بلاد المسلمين، وعلى مفاصل التأثير والتغيير في واقعنا.
3 – ما يُذكر عند السرد التاريخي لهذه الذكريات، والذي ينتهي عند هذا التاريخ بالإعلان الرسمي على استقلال الجزائر بعد تضحيات جسام، ودماء وأشلاء، وبعد مفاوضات ولقاءات وانتخابات، ومدّ وجزر، كلّ ذلك يفيدنا أن تحقيق الغايات يتطلب التفنن في التخطيط، والحكمة في التنفيذ، وطَرْق جميع الأبواب المشروعة والممكنة، والاستفادة من جميع الكفاءات، والاتفاق على المقاصد والغايات، والبعد عن التنازع والخلافات، والرشد في القيادات، وغيرها من الأسباب، و – قبلها وبعدها – حسن التوكل على الله، واستمداد العون منه وتفويض الأمور إليه.
– 4 – ذكرى تأسيس جريدة المنتقد (3 جويلية 1925) مع هاتين المناسبتين ينبه اللبيب إلى أهمية مصاحبة الجهاد الثقافي والجهد التعليمي والعطاء الفكري، للجهاد المسلح والمقاومة المادية الميدانية، لكي يثمر خيرا، ولا ينصرف عن مساره لتحقيق أهدافه.
كما ينبه إلى أهمية الصحافة في تنمية الوعي وتحفيز الهمم وتهيئة الأمم، فقد كتب ابن باديس في أعدادها الأولى كلمات خالدة، منها: (إن الأمة التي لا تحافظ على لغتها ودينها وتاريخها، أمة قد حكمت على نفسها بالفناء) ومنها: (الدين الحق يربي النفوس على الاستقلال، ويبعث فيها حب العدل، ويدعوها إلى الإخاء.) وهكذا.
5 – ويمكن أن نذكر -أيضا – بعض العبر التي تستفاد من إحياء هذه الذكريات بإجمال في الأسطر التالية:
– ترسيخ القيم في النفوس، كقيمة الحرية والتضحية والصبر ونحوها.
– ترسيخ حب الأوطان في النفوس أيضا.
– تجديد العهد بالوفاء لمن بذلوا من أجل حريتنا وتعليمنا وعِزّتنا.
– المحافظة على الذاكرة الوطنية، لكيلا يصيبها داءالنسيان، ومصيبة الضياع.
– تنمية الوعي السياسي والاجتماعي والديني، وتنمية الولاء لله ولرسوله وللأمة في نفوس الأجيال.
– شحذ الهمم وتقوية العزائم وترشيد المسار، لكيلا تذهب جهود الجيل سدى.
– وغير ذلك كثير، وفي هذا كفاية لتحقيق الغاية، وعلى الله الهداية.
وخلاصة الكلام، أن على العلماء والمرشدين، والدعاة والمصلحين، والمعلمين والمربين، وعلى الإعلاميين وقادة المسلمين، أن يستغلوا هذه الذكريات استغلالا راشدا، يرفع الهمم إلى القمم، وأن يجتنبوا أمرين:
– الغفلة عن هذه المحطات التاريخية في حياة الوطن والمواطنين، وسائر المسلمين.
– الاستغلال السيّئ بالفسق والفجور والسفاسف والتفاهات؛ فإننا في عصر إن لم نرشّد مسارنا، فستأكلنا وحوش أعدائنا، وسنندم، ولات ساعة مندم.
والله الموفق وهو يهدي السبيل.