تهديد أمني وأخلاقي.. كيف يجب أن تواجه الجزائر ظاهرة المؤثرين؟
نقول “اختلط الحابل بالنابل” عند اختلاط الآراء والمواقف وتضاربها وعدم وضوحها، غير أن هذا المثل ينطبق على المُحتوى الرديء الذي يُقدمه المؤثرين الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي بعضهم متواجدين خارج الوطني والبعض الآخر داخله لكن كُلهم يشتركون في مسألة التأثير الكبير على المجتمع الجزائري مستغلين الفجوة الهائلة بين الشعب والإعلام التقليدي، حتى أنهم يُشكلون خطرًا […] The post تهديد أمني وأخلاقي.. كيف يجب أن تواجه الجزائر ظاهرة المؤثرين؟ appeared first on الجزائر الجديدة.

نقول “اختلط الحابل بالنابل” عند اختلاط الآراء والمواقف وتضاربها وعدم وضوحها، غير أن هذا المثل ينطبق على المُحتوى الرديء الذي يُقدمه المؤثرين الجزائريون على مواقع التواصل الاجتماعي بعضهم متواجدين خارج الوطني والبعض الآخر داخله لكن كُلهم يشتركون في مسألة التأثير الكبير على المجتمع الجزائري مستغلين الفجوة الهائلة بين الشعب والإعلام التقليدي، حتى أنهم يُشكلون خطرًا استقرار وأمن الدولة وهُو ما أشار له وزير الاتصال، مُحمد مزيان، على هامش ندوة نُظمت الأسبوع الماضي بجامعة الجزائر، إذ سلط الضوء على خفايا الكتائب الإعلامية مُتعددة الجنسيات المجندة من قبل محور الشر لتشويه كل ما هو جزائري معتمدة في ذلك على إغراق وسائل الإعلام العالمية، ومنصات التواصل الاجتماعي بسيل من الأخبار الكاذبة والمضللة والمفبركة للإساءة لمؤسسات الجمهورية الجزائرية.
منذ أيام، شهدت مواقع التواصل الاجتماعي جدلا كبيرًا دخل أيضا أروقة البرلمان الجزائري بعد تعليق ساخر لمؤثرتين شهيرتين حول شخصية تُعتبرُ رمزًا من رموز الثورة الجزائرية، فقد أطلت المُلقبة بـ “فلة الملكة” (تحوز على1.8 مليون متابع على منصة تيك توك) والمؤثرة الملقبة بـ “شاهيناز” (تحوز على 365 ألف متابع على تيك توك) في بث مباشر، ذاكرتين مقولة جزائرية شهيرة “يا علي موت واقف” أي (يا على مت واقفا) المُقتبسة من رائعة “الأفيون والعصا” (1970) وهو الفيلم الذي لا يزال خالدًا في ذاكرة الجزائريين أدى فيه الممثل الجزائري سيد على كويرات دور الثائر على، والذي قتل في النهاية على يد الجيش الفرنسي تحت صيحات زوجته “يا علي موت واقف”، وقد انفجرت المؤثرتان بالضحك والسخرية.
كل شيء مباح
الواقعة ورُغم أنها لم تكن الأولى من نوعها فتحت المجال واسعًا للحديث عن وجود ثغرات في التشريع الذي يؤطر ويضبط محتويات مواقع التواصل الاجتماعي لا سيما تلك التي تخص “المشاهير”، ويُقر في هذا المضمار الأستاذ العلالي سليمان عضو منظمة المحامين ومحامي مُعتمد لدى المحكمة العُليا ومجلس الدولة وناشط سياسي بـ “الأثر السلبي الذي يتركه بعض المؤثرين على قيم وأخلاق المجتمع مُقابل الحُصول على مبالغ مالية طائلة فهُناك من يُروج للمثلية وهُناك من يروج للتطرف والانحراف والانحلال الأخلاقي في وقت هناك فئة أخرى من المؤثرين تُقدم أفكارًا إيجابية وتسعى لصناعة رأي عام حول قضايا ذات أهمية للمواطن والدولة على حد سواء”.
والدليل القاطع على ذلك الأخبار العاجلة التي تتناقلها شاشات التلفزيون أو المواقع الإخبارية بين الفنية والأخرى عن توقيف واعتقال تلك المُؤثرة أو ذلك المُؤثر، إما بسبب الاتجار في المخدرات أو في قضايا الاحتيال والنصب والتزوير وغيرها من المُخالفات التي يُعاقب عليها القانون العام.
ويعتمد بعض المؤثرين على المبدأ الذي تبناه نيكولو مياكافيلي المفكر والفيلسوف والسياسي الإيطالي الذي يُؤسس لقاعدة الغاية تُبرر الوسيلة، فمن أجل كسب الأموال لا “التأثير” كما يعتقد البعض أصبح بإمكاننا مُشاهدة الذي لم يكن مُتاحًا لنا مشاهدته فمثلا: هُناك خلافات زوجية صارت تُناقش على الملأ وتسويق للطلاق والترويج لمختلف اشكال العنف المباشر الممارس ضد المرأة على سبيل المثال الضرب والتهديد والإهانات وهناك أيضا من يستغل الدين للانتشار، ورُغم كل هذا أصبح المؤثرون قوة لا يُستهان بها ومصدر إلهام لدى الكثيرين حتى أنهم أصبحوا دائمي الحضور على القنوات التلفزيونية الإخبارية، وعندما سألنا أحد الصحفيين العاملين في إحدى القنوات الفضائية الخاصة عن سبب استضافتهم رد قائلا: “هذا ما يلهث وراءه الجمهور الذي هجر المسارح وقاعات السينما ومعارض الكتاب التي تُقام سنويًا”.
وتحظى منصات التواصل الاجتماعي، وخُصوصا “تيك توك” و “انستغرام” بشعبية كبيرة في البلاد، وهما من المنصات الأكثر رواجًا بين الشباب في الوقت الحالي، بينما تراجع حضور “فيسبوك” الذي بقي لفترة طويلة الأكثر انتشارا بين الجزائريين.
أين الرقابة؟ وما المطلوب اليوم؟
لا يُخفي الأستاذ العلالي سليمان في حديثه مع “الجزائر الجديدة” بأن “الوضع خطير، فالكثير من القيم شهدت تدهور واضمحلال كبير داخل المجتمع”، واليوم في تقييمه أصبح من الضروري سن القوانين وفرض الضوابط كخيار حتمي من أجل الحفاظ على استقرار النظام العام، واستدل المتحدث بـ “حظر تطبيق التيك توك في أمريكا والصين بسبب تحكم هذا الأخير في صناعة الرأي العام العابر للحدود أي الدولي والوطني وما يحمله ذلك من انعكاسات مثلا على الانتخابات والهوية والتأثير في القضايا الجيوسياسية الحساسة لا سيما إبان الأزمات”.
وعن الإجراءات القانونية المُقترح إقرارها ضد كل من يتعمد نشر محتوى غير أخلاقي على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول المتحدث إنه “بإمكاننا فرض رقابة صارمة على المحتوى المنشور من طرف الجزائريين المقيمين داخل الجزائر أما بالنسبة لما هو مرتكب خارج التراب الجزائري فإن الدولة قادرة على محاكمته وقادرة على إثارة الملاحقات ضده وتوجيه طلب للدولة التي يقيم بها لتسليمه”، وتابع قائلا إن “الدولة قادرة على إصدار بطاقات جلب دولية في حق من يرتكب أي جريمة”.
فالمطلوب اليوم برأي الحقوقي الجزائري “الإسراع في سن قوانين مستعجلة للحد من الانهيار المقصود الذي تدعم بعض الدول لدعمها لهؤلاء المُؤثرين والمُؤثرات لا سيما الذين يمس محتواهم الدين والأخلاق وهوية المجتمع الجزائري وهو ما يُنذر بتهديد الأمن والسلم في البلاد”.
نفس الإشكالية طرحناها على المحامية والنائبة البرلمانية السابقة فطيمة سعيدي، فأوجزت قائلة إن “ما يقدم من قبل بعض المُؤثرين يدعو إلى التملص من كل القيم الاجتماعية ومحاولة لتدمير الأسرة الجزائرية المُحافظة لأن بعض المحتويات أصبحت تُكسر قواعد الدين والاحتشام والعادات”، لكن هذه المعركة لن تكون فاصلة إذا لم تتدخل السلطات المعنية من أجل وضع حد لهذه المهازل التي أصبحت تضرب العمق الجزائري، إذ لم تتخذ إجراءات رادعة، إذا لم ترفع وتيرة الرقابة إلى حد أقصى، وإذا لم نحم الشعب من التشنج العكسي للأخلاق، وتقول في هذا المضمار فطيمة سعيدي في إفادة لـ “الجزائر الجديدة” إن “اتخاذ إجراءات قانونية ضد كل من يتعمد نشر محتوي غير أخلاقي على مواقع التواصل الاجتماعي اصبح ضرورة مُلحة لأن الثورة الرقمية أصبحت بلا مفاتيح وحدود”.
ويُمكن أن نسند مُهمة تنظيف مواقع التواصل الاجتماعي من كل الدخلاء العابرين إلى سلطة الضبط السمعي البصري، وتشرحُ النائبة البرلمانية السابقة رؤيتها بالقول إن “سلطة الضبط السمعي البصري هي الفاصل المحكم الذي يملك صلاحيات تنظيف منصات التواصل الاجتماعي وفي حالة عجزها يُمكن استحداث هيئة أخرى تُطبقُ قوانين صارمة لتسيير الأمن، ومُعاقبة المخالفين الذين يريدون تشويه ثقافتنا ومحاولة إدخال إليها بعض الأفكار الحديثة التي تجسد مبادئ عدم الاحتشام ومنافية للتدين والتقاليد التي ورثناها وعرفناها طول حياتنا”.
أزمة أخلاقية
وتكون هذه الهيئة شبيهة بالهيئة الوطنية للوقاية من الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال ومكافحتها، وتشكيلها وتنظيمها وتسييرها، ووضعت تحت سلطة وزارة الدفاع الجزائرية، وتتضمن مجلس توجيه يرأسه وزير الدفاع أو ممثله الذي يتشكل من وزارات الداخلية، والعدل، والمواصلات السلكية واللاسلكية، وتضم الهيئة أيضاً المديرية العامة التي تتولى مهام عدة بينها تبادل المعلومات مع مثيلاتها الأجنبية، لجمع المعلومات المتعلقة بتحديد مكان مرتكبي الجرائم المتصلة بتكنولوجيا الإعلام والاتصال والتعرف عليهم، وتضم المديرية العامة مديريةً تقنية تتولى مهمة المراقبة الوقائية للاتصالات الإلكترونية في إطار الوقاية من الجرائم الموصوفة بالأفعال الإرهابية والتخريبية والاعتداء على أمن الدولة، إضافةً إلى مساعدة السلطات القضائية ومصالح الشرطة، بما في ذلك في مجال الخبرات القضائية في إطار مكافحة الجرائم المتصلة بتكنولوجيات الإعلام والاتصال وتلك التي تتطلب اللجوء إلى أساليب التحري لصالح الهيئة.
وبرأي الأستاذ حسين زبيري أستاذ بقسم علم الاجتماع والديموغرافيا “فلا بُد أن ننظر إلى الموضوع نظرة متوازنة تتطلب انتقادًا صريحًا لتصرفاتنا السلبية واستخدامنا غير السليم لهذه التقنيات مُقابل تحسين الذوق العام وهذه مسألة تربوية وإعلامية والعمل على دعم المؤثرين الحقيقيين ومشاركة أعمالهم من أجل توقيف هذا النزيف الأخلاقي والانفلات والتسيب المعتبر، فمواقع التواصل الاجتماعي صارت مصدر أخبار وترفيه وتسلية حيث عوضت كل الوسائط الكلاسيكية والتقليدية التي هي محصورة في أماكن معينة كقاعة الضيوف مثلا في حين الوسائط الجديدة يمكن أن تتبعك حتى بيت الخلاء”، لذلك يُمكن القول حسب حسين زبيري أن “عملية التأثير حاضر بقوة بسبب التطور التكنولوجي ويُضاف إلى ذلك ما يتم عرضه من محتوى لم يكن متاحًا لبا سيما فيما يتعلق بكل ما هو حميمي مثلا”.
The post تهديد أمني وأخلاقي.. كيف يجب أن تواجه الجزائر ظاهرة المؤثرين؟ appeared first on الجزائر الجديدة.