توتُّر العالم… إلى أين؟
تَحكُم العالم اليوم علاقاتُ توتر وصراع أكثر مما تَحكُمه علاقات هدوء وتعاون. تكاد تكون جميع العلاقات الدولية مُتوتِّرة، الدول الكبرى كما الدول الصغرى، وانعكس ذلك على كافة المجتمعات، بل وانتقل إلى مستوى المجتمعات والأفراد. تُشير الإحصاءات إلى أنه بدل أن يتجه العالم نحو استقرار أكبر مع بداية القرن الحادي والعشرين، فإنّ العكس هو الذي حدث؛ […] The post توتُّر العالم… إلى أين؟ appeared first on الشروق أونلاين.


تَحكُم العالم اليوم علاقاتُ توتر وصراع أكثر مما تَحكُمه علاقات هدوء وتعاون. تكاد تكون جميع العلاقات الدولية مُتوتِّرة، الدول الكبرى كما الدول الصغرى، وانعكس ذلك على كافة المجتمعات، بل وانتقل إلى مستوى المجتمعات والأفراد.
تُشير الإحصاءات إلى أنه بدل أن يتجه العالم نحو استقرار أكبر مع بداية القرن الحادي والعشرين، فإنّ العكس هو الذي حدث؛ ازداد عدد النزاعات وأصبحت أكثر تعقيدا، وأطول زمنا، والأطراف المشاركة فيها أكثر تعدّدا، وأحيانا يصعب حصرها. (بلغ عدد أطراف النزاع السوري أكثر من 10).
ناهيك عن كون عدد النزاعات غير الدولية تضاعف منذ بداية هذا القرن -30 إلى 40 نزاعا- وظهرت مجموعات مسلحة في السنوات الست الماضية أكثر مما ظهر في الستين سنة الماضية (بيانات اللجنة الدولية للصليب الأحمر). وبرغم ملاحظة حدوث نقص في عدد النزاعات التي تكون الدول هي أطرافها مباشرة كما كان سائدا خلال فترة الحرب الباردة، إلا أن التطورات الأخيرة في فلسطين وفي أوكرانيا، باتت تنبئ بعودة جديدة للحروب بين الدول. وما تقوم به الولايات المتحدة اليوم في اليمن وفي غزة ضد الفلسطينيين من خلال حليفها الكيان الصهيوني مؤشران قويان على ذلك، وما تنويان القيام به ضد إيران يعزّز هذا الاتجاه، ما يجعلنا نطرح سؤالين كبيرين: إلى أين؟ وماذا بعد؟
بالفعل، إننا نعيش اليوم مرحلة مختلفة من التاريخ البشري ناتجة عن السياسة التي باتت تعتمدها القوى الكبرى في العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وعلينا إدراك طبيعة هذه المرحلة والتكيّف معها قبل فوات الأوان.
يبدو أننا على عتبة تحوّلات عميقة ستغيّر الكثير من القواعد المعتمدة في العلاقات الدولية، وخاصة تلك القواعد التي تحكم حل النزاعات بالطرق السلمية أو عبر الاحتكام للقانون الدولي. يبدو أن مثل هذه القواعد ستُصبح قريبا من الماضي، وسيجري الحديث عنها في مسألة حل النزاعات بازدراء تام، كما أنها لن تكون ذات وزن في الحِجاج المقدّم لحل هذا النزاع أو ذاك. والسبب الرئيس في ذلك أن هذه القوى الكبرى باتت مهدّدة فيما بينها (داخليا) ويهدّد بعضها بعضا بشأن قيادة العالم (خارجيا)، يجسّد ذلك بوضوح الصراع الصيني – الأمريكي، والتنافس بينهما في كافة المجالات.
وعليه، فإن صوغ مختلف السياسات القادمة بالنسبة للدول الكبرى لن يكون إلَّا ضمن منطق وحسابات التوتر لا ضمن منطق وحسابات التعاون والتكامل والقانون الدولي. أما إذا تعلّق الأمر بدولة ناشئة أو صغرى، فإن مساحة الخيار ستصبح محدودة أمامها، مما يجعل بديل بناء سياساتها ضمن منطق التوتر أكثر إلحاحا من بديل بناء سياساتها ضمن منطق الهدوء والتعاون… أما الدول الضعيفة، فستتّجه جميعا إلى أن تكون بلا خيارات، أي ستفرض عليها الخيارات.
انطلاقا من هذا، يمكننا تأكيد استمرار التوترات الحالية لسنوات قادمة إن لم يكن لعقود من الآن، كما يمكننا توقع احتمالية توسّعها إلى أطراف أخرى تبدو الآن في حالة آمنة أو غير نشطة من حيث النزاعات.. ومنه يصبح استقرار الفاعلين الدوليين واستمرارهم أمرا مرهونا بما لديهم من قدرة على التكيّف مع التطورات المتسارعة ومدى استباقها للأحداث من خلال استشراف إستراتيجي فعلي، بعيدا عن التوقعات أو التنبّؤات الخطية التي لم تعد ذات جدوى في هذا العالم المتوتر إلى أقصى الحدود.
شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين
The post توتُّر العالم… إلى أين؟ appeared first on الشروق أونلاين.