عاشوراء يوم الآية والبيان يوم نجاة أهل الإيمان وإغراق أهل الطغيان
الشيخ محمد مكركب أبران نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/ يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، والمحرم هو الشهر الأول من السنة القمرية. فعاشوراء هذه السنة يوم 10 محرم 1447ه وهو يوم تاريخي عظيم، من أيام الله الكبرى في التاريخ. روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله …

الشيخ محمد مكركب أبران
نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين/
يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم، والمحرم هو الشهر الأول من السنة القمرية. فعاشوراء هذه السنة يوم 10 محرم 1447ه وهو يوم تاريخي عظيم، من أيام الله الكبرى في التاريخ. روى مسلم في صحيحه، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لَمَّا قدم المدينة وجد اليهود صياما، يوم عاشوراء، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما هذا اليوم الذي تصومونه؟] فقالوا: هذا يوم عظيم، أنجى الله فيه موسى وقومه، وأغرق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرا لله، فنحن نصومه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[فنحن أحق وأولى بموسى منكم فصامه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بصيامه] (صحيح مسلم:128/1130) وصوم يوم عاشوراء من السنن.
وظاهر هذا الخبر في هذا الحديث تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما صام عاشوراء وأمر بصيامه اقتداء بموسى عليه السلام، بناء على ما أخبر به اليهود في المدينة، وليس الأمر كذلك، والله تعالى أعلم، فالرسول عليه الصلاة والسلام، يعمل ويُشَرِّعُ للأمة بالوحي لابرواية الناس، وقد روت عائشة رضي الله عنها، قالت [كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، يعني قبل الهجرة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يصومه في الجاهلية، فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان ترك صيام يوم عاشوراء،(وبقي نافلة) فمن شاء صامه ومن شاء تركه]. قلت: وإنما قد يكون الأمر أنه قال لليهود ما قال، ليخبرهم أنه صلى الله عليه وسلم يعلم ذلك، ويصومه عن علم من علم الله علمه إياه. والله تعالى أعلم.
وسئل النبي عليه الصلاة والسلام، عن صوم يوم عاشوراء فقال: [يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ] (صحيح مسلم: 197/1162)وفي سنن الترمذي: [إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ] (الترمذي:752) فحكم صيام يوم عاشوراء من النافلة والتطوع، وليس صوم يوم عاشوراء واجبا. لأن الصوم الواجب في الدين هو صوم شهر رمضان. ﴿شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ (البقرة:185)
وفي الحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي جاء يسأله عن الإسلام، قال له: [وصيام شهر رمضان]قال السائل: وهل علي غيره (يعني في الصوم)؟ قال: [لا. إلا أن تطوع] (الموطأ. م. خ. باب جامع الترغيب في الصلاة، ص:121. الفقرة:424). اعتاد كثير من المسلمين أن يخرجون الزكاة يوم عاشوراء. اليوم العاشر من شهر المحرم، هذا.
والحقيقة أن يوم إخراج الزكاة ليس شرطا أن يكون يوم عاشوراء. وإنما يوم إخراج الزكاة يحدد ياليوم الذي يبلغ فيه النصاب ويحول عليه الحول، بالنسبة للنقود، والعروض التجارية، والأنعام. ويوم الزكاة للغلال والزروع وكل المحاصيل الزراعية يوم الزكاة هو يوم الحصاد، قال الله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشابِهاً وَغَيْرَ مُتَشابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ (الأنعام:141) ولكن من اتخذوا يوم عاشوراء كمعلم تاريخي لإخراج الزكاة، حتى يكون لهم تذكيرا وتنبيها كل سنة، فذلك مفيد لمن حدده كيوم لإخراج زكاته، وهذا عمل حسن، واتخاذ مناسبة يوم عاشوراء لإخراج الزكاة والتوسعة على الفقراء والمساكين عمل يدل على رؤية طيبة ونية حسنة. غير أن ثمة طوائف أخرى من البشر، يتخذون يوم عاشوراء للحزن والبكاء، ونذكرهم بأنه لايجوز اتخاذ هذا اليوم مأتما لأجل من قُتِلَ فيه، وذلك لأن الله سبحانه لم يأمرنا باتخاذ أيام مصائب الصالحين وموتهم مأتما، فلا يليق بالمسلم العاقل أن يتخذ يوم عاشوراء يوم بكاء، وعويل، وأحزان. فعن عبد الله رضي الله عنه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: [لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ] (صحيح البخاري، رقم:1294) وعن مالك الأشعري، أن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: [أربع من أمر الجاهلية: الفخر في الأحساب، والطعن في الأنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة.] وقال:[ النَّائِحَةُ إِذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا، تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ، وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ] (صحيح مسلم:29 /934) والمستحب في مثل هذه الأيام العظيمة، والمناسبات التاريخية الدينية: الصوم كما علمنا من الحديث، ومنه هذا الحديث:[أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة، بعد الفريضة، صلاة الليل] (مسلم: 202/1163) والصدقات وهي مستحبة في كل الأيام.[ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم، أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم، أعط ممسكا تلفا] (مسلم:57/1010) وجبر الخواطر، والذكر، والدعاء، والاستغفار، وإطعام الطعام، ولو في التوسعة على العائلة، وعلمتم من الحديث أن إطعام الأهل من الصدقات. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:[دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ.] (مسلم: 39/995) ومعلوم أن الإنفاق على الأهل يشترط فيه اجتناب الإسراف والتبذير. ويستحب لمن استطاع صيام اليوم التاسع والعاشر من المحرم. ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية:{صوم يوم تاسوعاء مسنون، أو مستحب، كصوم يوم عاشوراء، فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان يصوم عاشوراء، فذكروا أن اليهود والنصارى تصومه. فقال صلى الله عليه وسلم، إنه في العام المقبل يصوم التاسع، إلا أن صوم يوم عاشوراء آكد في الاستحباب.
وذكر العلماء في حكمة استحباب صوم يوم تاسوعاء، أن المراد منه مخالفة اليهود.} (الموسوعة الفقهية: 10/50) والله تعالى أعلم. ومن الجانب التاريخي ليوم عاشوراء أن فيه آية تاريخية يجب أن يعتبر بها كل الحكام والسلاطين والأمراء، أن كل من بغى وطغى وتجبر وتكبر، فإن الله يمهل ولا يهمل، فالله يملي للظالم حتى إذا جاء اليوم المحدد لعقابه أخذه أخذة تنسيه طغيان حياته، واستهتار كل دنياه. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ] ثمّ قرأ: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ (هود: 102) وقال الله تعالى، لفرعون: ﴿فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ﴾ (يونس:92) وذلك أن بني إسرائيل لم يصدقوا أن فرعون غرق، وقالوا: هو أعظم شأنا من ذلك، فألقاه الله على نجوة من الأرض، أي على مكان مرتفع من البحر حتى شاهدوه.
وكما يفعل كثير من الناس أنهم ينظرون إلى طاغية ظالم على رأس دولة قوية، ينظرون إليه على أنه لا يقهر أبدا، فيستعبدهم ويُذِلهم، كما يفعل كثير من الطغاة. ﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ﴾ (ابراهيم:42)