عملية لقراف بالقنطرة (16 مارس 1962)
بقلم الأستاذ: مراد ترغيني يروي المجاهد بلقاسم هامل تفاصيل العملية التي أسفرت عن القضاء على 8 جنود فرنسيين، والاستيلاء على أسلحة وذخائر، وتحرير 3 جزائريين كانوا مجندين قسرًا، إضافة إلى اخراج برج المراقبة من الخدمة نهائيًا دون إطلاق رصاصة واحدة، وبسلامة جميع المشاركين. سُمِّيت العملية باسم “لقراف” نسبة إلى الموقع الذي جرت فيه، والذي يبعد …

بقلم الأستاذ: مراد ترغيني
يروي المجاهد بلقاسم هامل تفاصيل العملية التي أسفرت عن القضاء على 8 جنود فرنسيين، والاستيلاء على أسلحة وذخائر، وتحرير 3 جزائريين كانوا مجندين قسرًا، إضافة إلى اخراج برج المراقبة من الخدمة نهائيًا دون إطلاق رصاصة واحدة، وبسلامة جميع المشاركين.
سُمِّيت العملية باسم “لقراف” نسبة إلى الموقع الذي جرت فيه، والذي يبعد حوالي 10 كيلومترات جنوب مدينة القنطرة. كان هذا المكان استراتيجيًا، إذ يضم برج مراقبة فرنسيًا بالقرب من حاجز للسكك الحديدية، ما جعله هدفًا مثاليًا لضربة فدائية موجعة.
بداية الفكرة والتخطيط للعملية
انبثقت فكرة العملية من المجند الجزائري في برج المراقبة، عبد النور بركان، المنحدر من العاصمة، الذي كان يتواصل سرًّا مع حارس حاجز السكك الحديدية الجزائري عبد الدائم خثير. في إحدى المحادثات، طرح بركان فكرة الهجوم على البرج والانضمام إلى صفوف المجاهدين في الجبال. نُقلت الفكرة إلى أحد مجاهدي الولاية الأولى (الأوراس)، الذي عرضها بدوره على قيادة المجموعة. بعد دراسة دقيقة، وافقت القيادة على تنفيذ العملية، واضعة خطة محكمة لضمان نجاحها.
تقرر أن يتولى بركان الحراسة في الليلة المحددة لتنفيذ الهجوم، على أن يعطي إشارة انطلاق العملية يوم 12 مارس 1962 في تمام الساعة العاشرة ليلا. لضمان نجاح التسلل، قام المجند الجزائري بجلب المشروبات الكحولية لإقامة حفل للجنود الفرنسيين، مما يسهل دخول المجاهدين دون مقاومة.
تعثر الخطة الأولى وإعادة التنظيم
عند وصول المجاهدين إلى الموقع في الموعد المحدد، لاحظوا أن الجندي الفرنسي المناوب لم يكن عبد النور بركان كما كان متفقًا، بل شخص آخر يتحدث الفرنسية بصوت مرتفع، ما أثار شكوكهم. فاضطر المجاهدون إلى الانسحاب فورًا دون تنفيذ العملية. وعند استجواب بركان عن سبب عدم وجوده، أوضح أنه لم يُسمح له بالحراسة تلك الليلة رغم إلحاحه، بحجة أنهم كافأوه بعدم تولي الحراسة لإحضاره المشروبات لهم.
إزاء هذا الفشل، تقرر إعادة المحاولة في موعد جديد، وهو 16 مارس 1962. في هذه الأثناء، بلغ خبر العملية مجموعة من مجاهدي الولاية السادسة، الذين طلبوا المشاركة فيها بحكم أن المنطقة تقع على الحدود بين الولايتين. بعد التشاور، تم الاتفاق على تنفيذ الهجوم المشترك في الليلة المحددة.
نجاح العملية وضربة قاسية للفرنسيين
عند تمام العاشرة مساءً، صدرت الإشارة المتفق عليها. تسلل المجاهدون إلى داخل البرج، ليجدوا الجنود الفرنسيين نائمين. فتمت السيطرة على الموقع دون مقاومة، وأُخرج الجنود الفرنسيون واحدًا تلو الآخر، ليتم القضاء عليهم بسرعة وهدوء ذبحا. أثناء العملية، تمكن أحد الجنود الفرنسيين من الفرار واختفى في الظلام، ما أثار مخاوف المجاهدين من احتمال استدعائه للتعزيزات.
لمواجهة هذا الخطر، سارع المجاهدون إلى جمع كل ما استطاعوا حمله من أسلحة وذخائر وملابس عسكرية، إضافة إلى تحرير ثلاثة جزائريين كانوا مجندين قسرًا في صفوف الجيش الفرنسي. بعد ذلك، انسحبوا بذكاء، مموهين آثار أقدامهم لتشير إلى اتجاه معاكس لمسارهم الحقيقي، تحسبًا لملاحقتهم.
رد الفعل الفرنسي وانسحاب المجاهدين
في صباح اليوم التالي، 17 مارس 1962، طوقت القوات الفرنسية المكان وانتشرت بكثافة، بينما حلقت طائرات الهليكوبتر في محاولة يائسة لتحديد موقع منفذي العملية. رغم ذلك، كان المجاهدون قد انسحبوا بنجاح نحو القنطرة، حيث تفرقوا في مجموعتين. في هذه الاثناء طلبت المجاهدون من عبد الدايم خثير حارس حاجز السكة بعدم الالتحاق بالعمل خشية قتله أو انتقاما منه، لكن الحارس تسلح بالشجاعة وقرر الذهاب لمكان عمله وخضع لاستجواب نفى فيه علمه بشيء عن العملية، قائلا لهم لو كان على علم بالأمر لما عاد للعمل. وانطوت هذه الحيلة عليهم ونجا من المتابعة أو القتل.
بحلول مساء 18 مارس، وصل الفوج الأول المكون من 10 مجاهدين وثلاثة جزائريين محررين إلى منطقة مولية شمال القنطرة، بينما واصل الفوج الثاني، المكون من 5 مجاهدين من الولاية السادسة، مسيره في اتجاه منطقته. في الليلة ذاتها، ألقى بن يوسف بن خدة رئيس الحكومة المؤقتة خطابًا تاريخيًا، أعلن فيه وقف القتال رسميًا اعتبارًا من 19 مارس 1962، في تمام الساعة الثانية عشرة ظهرًا، ليكون ذلك إعلانًا رسميًا لانتصار الثورة الجزائرية.
أهداف العملية وأهميتها
لم تكن هذه العملية مجرد ضربة عسكرية، بل كانت تحمل أهدافًا استراتيجية أعمق، من بينها:
- تصعيد الضغط على فرنسا أثناء المفاوضات النهائية.
- الحصول على أسلحة وذخائر لتعزيز قدرات المجاهدين.
- تحرير المجندين الجزائريين من قبضة الجيش الفرنسي.
- التأكيد على استمرارية الكفاح المسلح حتى تحقيق النصر النهائي.
المجاهدون المشاركون في العملية
مجاهدون من الولاية الأولى (الأوراس):
1. مسعود حاجي
2. بلقاسم هامل
3. دراجي غانم
4. ذوادي تواتي
5. طاهر بيزات
6. طيب بوقلعة
7. عبد الرحمن مذكور
8. معيش عوابي
9. عزوز حميدة
10. رشيد عبد العزيز
مجاهدون من الولاية السادسة:
1. بشير براهم
2. أحمد بلحمر
3. محمد حفناوي
4. محمد بحري
5. محمد عميري
لقد شكّلت عملية “لقراف” مثالًا حيًا على شجاعة المجاهدين الجزائريين، وذكائهم التكتيكي في مواجهة عدو يفوقهم في العدد والعتاد. كما أكدت أن الثورة الجزائرية لم تكن مجرد مقاومة مسلحة، بل كانت حركة منظمة بإستراتيجيات دقيقة، استحقت أن تُتوج بالنصر والاستقلال.