في ذكرى الشيخ محمد الغزالي حديث عن المرأة
أ.د حجيبة أحمد شيدخ/ قالت: أو ما زلتن تتحدثن عن الغزالي؟ قلت: أي نعم، وسنبقى وفِيات للشيخ الغزالي إلى أن نرحل مثله، فقد كنا محظوظات برفقته والارتواء بالتزكية والرقي الأخلاقي وأخذ العلم منه. ومن الاعتراف بأفضاله علينا، إحياء ذكراه ونشر فكره للاقتداءـ به لأننا نرى أنه أهم وأرقى وأنفع شخص قابلناه في حياتنا. لم يترك …

أ.د حجيبة أحمد شيدخ/
قالت: أو ما زلتن تتحدثن عن الغزالي؟ قلت: أي نعم، وسنبقى وفِيات للشيخ الغزالي إلى أن نرحل مثله، فقد كنا محظوظات برفقته والارتواء بالتزكية والرقي الأخلاقي وأخذ العلم منه. ومن الاعتراف بأفضاله علينا، إحياء ذكراه ونشر فكره للاقتداءـ به لأننا نرى أنه أهم وأرقى وأنفع شخص قابلناه في حياتنا.
لم يترك الشيخ محمد الغزالي مسألة من المسائل التي تخص المرأة لم يعالجها، زادُه في ذلك معرفته بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وفهمه المعتدل لهما، إلى جانب اطلاعه الواسع على تاريخ المرأة في الفكر البشري والإسلامي بصفة خاصة.
لاحظ الشيخ الغزالي أن وضع المرأة المؤلم في المجتمعات الإسلامية لزمن طويل، جر على المسلمين ويلات كثيرة، ومن أسباب ذلك ما عاشه المسلمون تحت سيطرة المستدمر من سياسة التجهيل، ووجود علماء لم يفهموا حقيقة الدين (متفيقهين)، فحصروا وظيفة المرأة بين جدران البيوت، ومنعوها من التعليم والثقافة ومن ارتياد المساجد. وهو لا يقلل من وظيفتها في البيت ولكن إدارة البيوت تحتاج المكلفة بأدائها أن تكون عالمة بشؤون دينها وبفنون التربية وتحدياتها، لتستطيع إيجاد أبناء فاعلين في الحياة، وهو يرى أن حصر وظيفة المرأة في البيت يجعلها في عزلة عن العالم الخارجي، تقتصر صلتها به على سماع بعض الأخبار البسيطة …أدى ذلك إلى شلل الكبير في أوساطهم، فأصبحت المرأة لا هم لها إلا تقليد المرأة الغربية في اللباس والزينة ، أما الأمور الأخرى فقد عزلوها عنها: فلا علاقة لها بالثقافة والسياسة ومختلف العلوم.
لقد رأى محمد الغزالي أن مختلف المناصب يمكن أن تتاح للمرأة، بشرط أن يكون ذلك في حدود ما يفرضه الشرع والأخلاق، وما يتلاءم مع فطرتها، ونجاحها يتحقق بتوفير بعض الضمانات لها … وكان كثيرا ما يقارن بين المرأة الغربية الناجحة، فيذكر مارجريت تاتشر، والسيدة تريزا، وأنديرا غاندي، وهن سياسيات محنكات خدمن بلدانهن … في الوقت الذي تحرم فيه المرأة المسلمة من أبسط حقوقها، يقول: الإسلام في سباق الفضائل لا يقيم وزنا لصفا ت الذكورة والانوثة، فالكل سواء في العقائد والعبادات والأخلاق، الكل سواء في مجال العلم والعمل والجد والاجتهاد لا خشونة الرجل تهب له فضلا من تقوى ولا نعومة المرأة تنقصها حظا من إحسان.
ويتساءل الشيخ الغزالي: في النساء المسلمات آلاف وآلاف يستطعن خدمة الإيمان كما استطاعت المشركات خدمة الضلال ـ فلماذا يحال بينهن وبين هذه الخدمة؟ ثم يجيب بأنه ما يمنعهن من ذلك إلا جاهلون بالإسلام من الرجال…فقد يكون المانع عالما بفتواه أو مسؤولا بسلطته، أو زوجا أو أبا أو أخا، بدوافع مختلفة …
كان إصلاح قضايا المرأة من أهم الهموم التي شغلت محمد الغزالي في مشروعه الإصلاحي، يتحدث عنها في أغلب كتبه، ذلك اقتناعا منه أننا لن نستطيع التحضر إلا ببناء الإنسان الخليفة: رجلا وامرأة. تحدث عن ذلك في كتب: المرأة بين العادات الوافدة والراكدة، وفي الكتاب المشترك: المرأة في الإسلام، والذي خصص جزأه للحديث عن المرأة عبر التاريخ لعلاج الواقع، وفي كتاب: ليس من الإسلام وفي كتاب: هموم داعية، وفي كتاب: ركائز الإيمان بين الوحي والقلب …
لقد حققت ثورة الغزالي على الأفكار الراكدة والتقاليد البالية، نتائج طيبة في العالم الإسلامي، وانتشر له تلاميذ يدعون إلى هذه الأفكار التي تفسح المجال للإسلام النظيف، فأصبحت المرأة تذهب الى المساجد وأتيحت لها فرص العمل في مختلف المجالات، لكن نؤكد دائما أن المرأة التي يريدها محمد الغزالي هي المرأة التي تحمي أسرتها ومجتمعها بحماية دينها والتمسك به، التي تستوعب عصرها، ولاتنهزم أمام تيار الحداثة والأفكار الهدامة التي تحاصر الواقع عبر وسائل الفساد المتنوعة.
والذي أراه وتراه كثيرات غيري، أننا بفضل الشيخ محمد الغزالي ننعم بكثير من رحابة الفكر والانتماء الصحيح للإسلام. وفي ذكرى وفاته 09 مارس. نسأل الله عز وجل أن يرحمه ويسكنه فسيح الجنان.