كتاب “المدرسة الباديسية ومناهجها الدراسية ” للأستاذ المربي :عيسى عمراني

عرض وتقديم: الأستاذ أبو فاتح/ يقصد بالمدرسة الباديسية، ذلك المنهج التربوي الفريد الذي سلكه المعلم ابن باديس، بمعية رفقائه الذين ساندوه وآزروه واستنوا بسنّته واقتفوا أثره من بعده. أخرجت هذه المدرسة للناس، فوضعت لبناتها العام 1913م بعد أن أتمّ الشيخ دراسته بجامع الزيتونة وعاد إلى مسقط رأسه قسنطينة، حيث شرع في تقديم دروسه بالمسجد الكبير …

مارس 5, 2025 - 16:24
 0
كتاب “المدرسة الباديسية ومناهجها الدراسية ” للأستاذ المربي :عيسى عمراني

عرض وتقديم: الأستاذ أبو فاتح/

يقصد بالمدرسة الباديسية، ذلك المنهج التربوي الفريد الذي سلكه المعلم ابن باديس، بمعية رفقائه الذين ساندوه وآزروه واستنوا بسنّته واقتفوا أثره من بعده.
أخرجت هذه المدرسة للناس، فوضعت لبناتها العام 1913م بعد أن أتمّ الشيخ دراسته بجامع الزيتونة وعاد إلى مسقط رأسه قسنطينة، حيث شرع في تقديم دروسه بالمسجد الكبير ثم الجامع الأخضر -وهو المؤسسة الرئيسة لهذه المدرسة- وملحقاته بمساجد أخرى، فتأسيس جمعية التربية والتعليم والمكتب الابتدائي العربي، ثم إنشاء مدارس أخرى على خطاهما بمختلف ربوع الوطن، على يد علماء ومصلحين، ختاما بجهود جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، بعد وفاة الإمام، حيث عرف التعليم في عهدها تطورا وازدهارا كبيرين، إلى أن غلِّقت أبواب هياكلها العام 1956م من قبل السلطات الفرنسية.
طبع الكتاب بمناسبة يوم العلم 16 أفريل 2015 – ذكرى وفاة الإمام عليه رحمة الله- بدار الهدى للطباعة والنشر والتوزيع بعين مليلة –الجزائر، ضمن منشورات مؤسسة الشيخ عبد الحميد بن باديس، في 320صفحة من حجمx16.524.
تمحورت فكرة الكتاب حول الجانب التقني في هذه المدرسة الرائدة التي جمعت بين الأصالة والمعاصرة، رغم الظروف العصيبة، والأسلاك الشائكة التي ظلت تعترض سبيلها حينا من الدهر من قبل المستدمر الفرنسي وأعوانه الخائنين الخانعين الذين تصدى لهم الشيخ وقاومهم وقال عنهم في مولديته الخالدة (شعب الجزائر):
وارفع منار العدل والإحسان  *** واصدم من غصــبْ
واقـلع جذور الخائنيـن  *** فمنـهـمُ كـلُّ العطـبْ
فسلط المؤلَّف الضوء على مناهجها الدراسية من حيث: (الأهداف، والمحتويات، والطرائق والوسائل، والتقييم…) وتناولها بالطرح وشيء من التحليل والتعليل والتعليق والموازنة.
جاءت الدراسة في خمسة عشر مبحثا وملحق متسلسلة ومرتبة حسب كل موضوع وصلته بالموضوعات الأخرى، تناول كل منها ما يأتي:
المبحث الأول: التعليم في الجزائر قبل الاحتلال الفرنسي وفي أثنائه.
المبحث الثاني: لمحة عن حياة الإمام “ابن باديس” وعوامل تكوين شخصيته، وجهوده العملية والعلمية.
المبحث الثالث: مفهوم المنهاج وأهميته وخصائصه وأسسه ومكوناته.
المبحث الرابع: إصلاح المناهج الدراسية في فلسفة ابن باديس التعليمية.
المبحث الخامس: أهداف التربية عند ابن باديس.
المبحث السادس: أنواع التعليم الباديسي ومؤسساته.
المبحث السابع: المحتويات الدراسية.
المبحث الثامن: التعريف ببعض المقررات الدراسية.
المبحث التاسع: نماذج من دروس المقررات.
المبحث العاشر: الطرائق البيداغوجية والوسائل الديداكتيكية.
المبحث الحادي عشر: نظام الدراسة بالتعليمين المسجدي والمكتبي.
المبحث الثاني عشر: تعليم المرأة عند ابن باديس.
المبحث الثالث عشر: من أقوال ابن باديس ومواقفه، وأقوال العلماء فيه.
المبحث الرابع عشر: حياة بعض شيوخ ابن باديس، ورفقائه، وتلامذته.
المبحث الأخير: المدرسة الباديسية بعد ابن باديس.

الملحق: اشتمل على بعض الوثائق والصور المتعلقة بالموضوع.
لم تكن ثمة مناهج دراسية بالمفهوم المعاصر أيام الإمام “ابن باديس”، ولكن حسب الرجل أنه اجتهد وحقق الكثير مقارنة ببرامج عصره، رغم مهامه وانشغالاته ومسؤولياته المتعددة. وما يؤسف له أن هذه المجهودات لم يدون منها إلا القليل، فحاول هذا الكتاب جمع شتات ما أمكن منها، والاستناد إليها عند الشرح والتحليل والتعليل والاستنباط.
تخللت مباحث الكتاب شروحا مستفيضة لمفاهيم تربوية وبيداغوجية متنوعة مرتبطة بالموضوع، كون الدراسة طرقته من جانبين تاريخي وتربوي، منها نظريات عالمية وظفت في المدرسة الباديسية عن قصد أو غير قصد، ليكون -بشقيه هذين- متكاملا ملتحما.
بعد صدور المنتج في طبعته الأولى بسنوات، واصل صاحبه البحث مركزا على مرحلة ما بعد وفاة الإمام “ابن باديس”، فأفرد لهذه الفترة جزءا كاملا يقدر بأكثر من مائتي صفحة، ووسمها بمرحلة التطور، وما قبلها مرحلة النشأة.
نزعم أن هذا العمل في حدود الإمكان في إماطة اللثام عن أهم معالم المدرسة الباديسية ومناهجها الدراسية، بقيادة رائد الإصلاح المعلم الفذ عبد الحميد ابن باديس وصحبه وتلامذته معه ومن بعده، حيث حققوا نهضة تربوية شاملة بفضل النظرة الثاقبة والإرادة القوية والاستراتيجية المحكمة، رسّخوا من خلالها الانتماء الثقافي والحضاري للأمة الجزائرية، وثبّتوا المبادئ الدينية والوطنية التي كانت قاب قوسين أو أدنى من الانحدار والاندثار.

مقتطفات من بعض المباحث
1- من المبحث الخامس: أهداف التربية عند ابن باديس:
وضع الإمام “ابن باديس” أهدافا تربوية شاملة أحدثت نهضة متميزة في الجزائر أنقذتها من خطر الفرنسة والتنصير والتجنيس والاندماج والدروشة، بفضل تربية إسلامية واعية جمعت بين الأصالة والمعاصرة واهتمت بالفرد والجماعة للنهوض بالوطن إلى مصاف العلا وتحقيق الكمال الإنساني، وهذه محاورها:
– الدعوة إلى الوحدة الوطنية.
– السعي لتحقيق الكمال الإنساني.
– إعداد الفرد الجزائري إعدادًا كاملاً للحياة.
– تكوين جيل جديد قائد.
– المحافظة على الشخصية الإسلامية العربية في الجزائر.
– خدمة الإنسانية جمعاء.
2- من المبحث السادس: أنواع التعليم الباديسي:
اتخذ التعليم الباديسي أشكالا متعددة ومتنوعة يمكن حصرها في قسمين كبيرين: التعليم المسجدي والتعليم المكتبي.
أولا: التعليم المسجدي
فئاته:
أ‌- فئة الطلاب المتفرغين لتلقي العلم: وتفوق أعمارهم خمس عشرة سنة (15) وهي الفئة الغالبة،
ب‌- عامة الناس: وهم من المواطنين الجزائريين الراغبين في تثقيف أنفسهم وينقسمون إلى فئتين:
الرجال: ويتلقون دروس الوعظ والإرشاد كل ليلة.
النساء: وقد خصصت دروس لهن في السنوات الأخيرة في الأمور الخاصة بهن، مرة في الأسبوع؛ يوم الجمعة بعد صلاة العصر.
ج- فئة الشبان: ويتلقون دروسا عامة في الدين واللغة والتاريخ. بالإضافة إلى محاورات في قضايا وطنية وسياسية واجتماعية، وكانت دروس هذه الفئة تقدم في مقر جمعية التربية والتعليم الإسلامية.

مؤسسات التعليم المسجدي:
قام الشيخ ابن باديس بنشاطه التعليمي عبر مجموعة من مساجد قسنطينة:
– المسجد الكبير.
– الجامع الأخضر: وهو المؤسسة الرئيسة، للتعليم المسجدي عند ابن باديس.
– مسجد سيدي قموش.
– مسجد سيدي بومعزة.
– مسجد سيدي فتح الله.
– مسجد سيدي محمد بن ميمون.

ثانيا: التعليم المكتبي (المدرسي)
ويقصد به التعليم الابتدائي العربي بالمكاتب (أي المدارس).
ويخص تعليم الصغار في المدرسة الباديسية فئتين من التلامذة:
– فئة تتلقى تعليمها كله بالمدرسة الباديسية.
– فئة أخرى تزاول دراستها اليومية بالمدارس الفرنسية، ثم تتابع تعلم مبادئ اللغة والدين بالمدرسة الباديسية.

مؤسسات التعليم المكتبي:
1- المكتب الابتدائي (العربي): 1922م.
2- مدرسة التربية والتعليم الإسلامية.1930
مدارس أخرى تابعة إلى جهات مختلفة من التعليم الحر :
– مدرسة الصديقية بتبسة 1913م.
– مدرسة أبي اليقظان بالقرارة 1915م.
– مدرسة الأغواط 1922م.
– معهد الحياة بالقرارة 1925م.
– مدرسة الشبيبة الإسلامية بالعاصمة 1927م.
– مدرسة السلام للتعليم الحر بالعاصمة 1930م.
– المدرسة الموفقيّة بـ«سانت ارنو» العلمة.
– مدرسة الإخاء ببسكرة 1921م.
– دار الحديث بتلمسان 1937م.
3- من المبحث السابع: المحتويات الدراسية:
لم يهمل الشيـــــخ ورفقــــاؤه المقــــررات والمحتويات التي تقدم للمتعلمين نهائيا لأنها ركيزة أساسية في العملية التعليمية التعلمية فأدرجوا بعض المعارف والمعلومات من مقررات كانت أغلبها كتبا معروفة في تلك الحقبة الزمنية تدرس منها العلوم والفنون الآتية:
– العلوم الإسلامية
– فنون اللغة العربية
– الفنون العقلية
– الاجتماعيات (التاريخ والجغرافيا)
ويتضح من خلال هذه العلوم أنه تعليم ديني لغوي مع شيء من العلوم العقلية.

الكتب الدراسية
الملاحظ أن عددا كبيرا من الكتب استعملت نفسها مقررات، وهذه بعض الكتب المقررة بالتعليم المسجدي بالجامع الأخضر وفروعه:
– الآجرومية (في القواعد)
– متن ابن عاشر (في الفقه)
– إيساغوجي (في المنطق)
– البيقونية (في مصطلح الحديث)
– قطر الندى وبل الصدى (في القواعد)
– الرسالة لابن أبي زيد القيرواني (في الفقه)
– متن السلم (في المنطق)
– متن الكافي (في العروض والقوافي)
– مختصر خليل (في الفقه)
– المفتاح (في الأصول)
– متن ألفية ابن مالك (في النحو)
– لامية الأفعال (في الصرف)
– مقدمة ابن خلدون
– كتاب الموطأ للإمام مالك

4- من المبحث الأخير: المدرسة الباديسية بعد ابن باديس (المناهج الدراسية في مدارس الجمعية):
تولى الشيخ الإبراهيمي رئاسة الجمعية خلفا للشيخ ابن باديس سنة 1940م، فبدأ في عهده التنظيم الفعلي لمدارس التربية والتعليم التابعة للجمعية، واتسع نطاقها إلى أن شمل مختلف أرجاء الوطن مما نال إعجاب محبيها وشكل هاجسا لدى السلطات الاستعمارية التي سمحت في البداية بهذا النوع من التعليم ثم راحت تقاومه وتضيق الخناق عليه.
تهدف المناهج الدراسية الخاصة بالتعليم المكتبي بمدارس الجمعية إلى ما يلي:
– تجديد التعليم بمدارس الجمعية لأداء رسالتها نحو الإسلام والعروبة والطفولة.
– تكوين ناشئة إسلامية على علم صحيح بما هو من الدين، غير متنكرة للأجداد والوطن، ولا جاهلة بالعصر الذي تعيش فيه.
– وتطمح الجمعية إلى السير بالتعليم إلى مصاف المدارس المتميزة، التي تجمع بين ما هو مفيد قديما كان أو حديثا.
– ولتحقيق ذلك وضعت مقررات لمدارسها الابتدائية، التي تتم بها الدراسة مدة ست سنوات مقسمة إلى ثلاثة أقسام، كل قسم به مستويان ويدوم سنتين.
– يقوم محتوى مقررات مدارس الجمعية على ثلاث شعب (أركان):
تربية إسلامية متينة منظمة: وتقوم على القرآن الكريم والتاريخ المأثور والتعليم الديني والأخلاقي.
ثقافة عربية ابتدائية: وتشمل المحادثة والقراءة أو المطالعة والقواعد العربية ثم الإنشاء.
مبادئ أولية للمعارف العلمية: وتهدف إلى فهم المحيط عن طريق دروس المشاهدة المدققة ودراسة الجغرافيا والتاريخ.