كل هذا… ونحن سكوت
أ. حسن خليفة/ نقرأ للإبراهيمي -عليه رحمة الله تعالى- مثل هذه الكلمة /الصرخة عن «الشباب» (وهم ثروة الأمة ورأسمالها المعتبر الرئيس(*)..في زمن قبل زماننا، وفي وضع غير وضعنا ولا ريب أن زماننا أصعبُ ووضعنا أزرى وأفسد.. نقرأ، ونحن نستحضر مشاهد هذه المجاميع من شبابنا التائه الضائع، يهوي في مضارب «الانحراف» ويغرق في بحار «الكيف» والمخدّرات …

أ. حسن خليفة/
نقرأ للإبراهيمي -عليه رحمة الله تعالى- مثل هذه الكلمة /الصرخة عن «الشباب» (وهم ثروة الأمة ورأسمالها المعتبر الرئيس(*)..في زمن قبل زماننا، وفي وضع غير وضعنا ولا ريب أن زماننا أصعبُ ووضعنا أزرى وأفسد..
نقرأ، ونحن نستحضر مشاهد هذه المجاميع من شبابنا التائه الضائع، يهوي في مضارب «الانحراف» ويغرق في بحار «الكيف» والمخدّرات التي تدخل بالقناطير المقنطرة وتُوزّعُ على أوسع نطاق، حتى أمام المساجد والمؤسسات التربوية…!.
شباب يجري وراء أقراص و«كبسولات» المهلوسات بأنواعها وأشكالها المختلفات… ويكاد يعبد الجلد المنفوخ من قوة الاهتمام الذي هو نتيجة من نتائج الإلهاء والتخدير..
نقرأ ونـفزع وتقشعر منا الأبدان والعقول… ونتساءل: إذا كان حال الشباب في زمن الإبراهيمي كما وصف، فكيف يكون وصفه لحال شبابنا اليوم، وهو يرى هذه الثروة العظمى (الشباب) مُهدرَة، مهملة، مهمّشة، تُجرّ جرّا إلى كل ألوان الانحراف: الفكري، والديني العقدي، واللغوي، والاجتماعي … الخ.
يقول الإبراهيمي:
«إنّ شبابنا اليوم يتخبّط في ظلمات من الأفكار المتضاربة والسبل المضلّلة تتنازعه الدعايات المختلفة التي يقرؤها في الجريدة والكتاب، ويسمعها في الشارع وفي المدرسة، ويرى مظاهرها في البيت وفي المسجد. وكلّ داع إلى ضلالة فكرية أو نحلة دينية مفرّقة يرفع صوته ويجهر، ويزيّن، ويغري، ويمنّي، ونحن ساكتون، وكأنّ الأمر لا يعنينا، وكأنّهم ليسوا منّا ولسنا منهم، ولا عاصم من تربية صالحة موحّدة يعصمهم من التأثّر بهذه الدعايات، ولا حامي من مذكّر، أو معلّم، أو مدرسة، أو قانون يحميهم من الوقوع في هذه الأشراك.
إذا كان الشباب لا يفهم الدين من البيت ولا من المسجد ولا من المدرسة ولا من المجتمعات، فإن فهم شيئا فهمه خلافا وشعوذة وتخريفا، ففي أيّ موضع يفهم الإسلام على حقيقته طهارة وسموّا واتّحادا وقوّة وعزّا وسيادة.
إن عاملناه بالإنصاف نقول إنه معذور إن زلّ وضلّ بالانسياق مع هذه التيارات الخاطئة التي تختلف بالأسماء والمبادئ وتتّفق في الغاية وهي حرب الإسلام في أبنائه لتحاربه بعد ذلك بأبنائه…(الآثار ج 4ص221)
إن كلام الإبراهيمي دقيق وجريء وصريح وكثير منه في غير هذا الموضع (المقتبس) رائع وقويّ جدير بالاهتمام من كل الجهات التي يهمّها أمر شبابنا الذي هو مستقبلنا ومستقبل وطننا. وهو مبثوث في «الآثار» خاصة يمكن أن تُعدّ حوله أطروحات وبرامج عمل تشغيلية، وبرامج تكوين وإعداد ولكننا قوم مهمِلون.. كُسالى…
نعود إلى الموضوع في تساؤل صريح :من المسؤول عن هذا الوضع البائس الذي يعيشه الشباب؟
1- لا ريب أن المسؤول الأول هم الأولياء، أمهات وآباء..والكلام في هذا الجانب كثير وكبير ومؤلم، وصاعق ويكفي ملمح التفكك الأسري والطلاق والخُلعُ، وصراعات الميراث، كنذير سوء للعاقبة المشينة..
2- المدرسة وتوابعها من المؤسسات المدرسية حتى الجامعة: فلا أثر فيها لكل ما يمكن أن يكون «حصنا» للشباب في إعدادهم (نّ) للحياة على النحو المستقيم المطلوب، فالتربية الإسلامية والعلوم الإسلامية حالها كما نعرف جميعا تشكو إلى الله تعالى عدوان العادين وكيد الكائدين.
3- المسجد: كمؤسسة إيمانية لإصلاح العقول والقلوب: تكاد تكون معطّلة عن وظائفها الجليلة السامية، وحالها أيضا من حيثُ نوعيات القائمين عليها تشكو إلى الله تعالى مظالم العباد لدين الله تعالى وإنزاله «أدنى» منزلة للأسف الشديد، لا من حيث الاهتمام بالكادر البشري المشرف على المساجد ولا من حيث التكوين، وأما أن يكون المسجد «أداة إصلاح» حقيقية للواقع فهذا حُلم من الأحلام البعيدة.
4- الدولة: وهي، في كدحها وانشغالها الواسع، لتلبية المطالب الاجتماعية والاقتصادية وتوزيع ما بقيّ من الريع المنهوب، بعيدة عن أن تكون في مستوى تطلّعات الشعب في الجوانب المعنوية، خاصة في مجال الشباب، فلا أعمال ولا برامج جادة لتوفير الحصانة النفسية والأمان العاطفي والتصور الفكري الثقافي الموحّد، ولا بيئة جاذبة توفّر الأساس، في العمل، ودوافع الاستقرار(الزواج)، لذلك هناك أنواع من الشباب: الهارب (الحرّاق) والتائه الباحث عن نسيان نفسه وواقعه، ونسبة قليلة تنعم بـ «القَبول» إلى حين.
5- المجتمع: وهو «منتوج» تسيير وتدبير للشأن العام على مدى أكثر من خمسين عاما، عجيب في أخلاقه وسلوكه و«خرجاته» يريك العجائب أحيانا، في تضامنه وتآزره، وتسابقه في الخيرات والمبرّات، ولكنه أيضا يظهر لك «إفلاسا مرعبا»، بما يُجترح فيه من الجرائم: كقتل الأصول، واتساع دائرة الرشاوى والغش، وعدم دفع الزكاة، والتجارة بالمحرّمات، وشيوع الفواحش والمنكرات بكل أنواعها،… ما يجعله مجتمعا يصعب فيه أداء حق «تربية الشباب وفنّ إعدادهم» الإعداد المناسب للحياة.
6-النُّخب بأنواعها: ومسؤولياتها أيضا عظيمة، فلو عادت ببعض معارفها وعلمها وخبرتها في موضوع الشباب وإعداده، في أي صيغة تربوية – علمية – ثقافية – تكوينية.. ولو مدّت تلك النّخب يد المساعدة للدولة وللجمعيات والمؤسسات وأدت ما عليها كمسؤولية اجتماعية وأخلاقية ووطنية… لتحقق بعض الفضل، لكنها للأسف نُخب مستهلكة مستفيدة أنانية همّها «مصالحها» الضيقة، وديدنها منافعها الآنية لها وللأقربين، وينتهي الأمر هنا.
هذا هو المشهد، ولولا بعض الاجتهادات هنا وهناك في مصارف الخير من أهل الخير، في كثير من المواقع رسمية ومجتمعية، لخشينا أن نتحول إلى مجتمع متوحش، ويتحول شبابنا إلى قواضم لا تبقي ولا تذر.
كل هذا يجري أمام أعيننا… فهل ينبغي أن نبقى ساكتين …؟ وما العمل؟ ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ…
(*) يمكن التأكيد أنه لم يكتب عن الشباب مثل الذي كتب الإبراهيمي في كثير من مقالاته ودروسه.وسنشير إلى ذلك بدقة في شعاع الأسبوع المقبل بحول الله تعالى.