الـمناسك التعبّدية ومقصدها في وحدة الأمّة
أبو إياد كمال بن عطاء الله/ قال سبحانه وتعالى:» إنّ هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربّكم فاعبدون «[سورة الأنبياء 91 ]. قال عز وجل:» وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون»[سورة الذاريات 56 ]. القارئ للقرآن الكريم والـُمتدبّر في آيه والـُمدقّق في روح مناسك الإسلام، يجد أنّها شُرعت لتحقيق العبودية الحقّة والتوحيد الخالص لله، فهي تُوحّد …

أبو إياد كمال بن عطاء الله/
قال سبحانه وتعالى:» إنّ هذه أمتكم أمة واحدة، وأنا ربّكم فاعبدون «[سورة الأنبياء 91 ].
قال عز وجل:» وما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون»[سورة الذاريات 56 ].
القارئ للقرآن الكريم والـُمتدبّر في آيه والـُمدقّق في روح مناسك الإسلام، يجد أنّها شُرعت لتحقيق العبودية الحقّة والتوحيد الخالص لله، فهي تُوحّد الأّمّة نحوربّ واحد، وترسّخ وتدعوإلى وحدة الاتباع للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم الخاتم، وفي أهدافها أيضا العامّة تربية المؤمنين على وحدة الأداء سلوكا ورصّا للقلوب، والخطاب الشرعي في عمومه يأتي بصفة الجمع وعلى صيغ مختلفة بلغت ثلاثين وجها على حدِّ قول العلماء الذين تتبعوا أنواع الخطاب الشرعي، حتى وإنْ بدت بصيغة المفرد لكن المراد به الجمع وأظهرها مثل: « يا أيّها الذين…»،»يا أيّها النّاس…»، فابتداءً النطق بالشهادتين يكون باللغة العربية ولومرة واحدة للدخول في الإسلام ولن يقبل غيرها، إلى الأركان الأساسية في الصلاة ومنها قِراءة القرآن وسورة الفاتحة وهي ركن التوجه إلى القبلة -الكعبة- بالمسجد الحرام وهي وجهة واحدة موحدة قال عز وجل:» إنّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا»[سورة النساء102] فالصلوات الخمس مفروضة توقيتا وأداءً من كل مسلم في أي بقعة إلى قيام الساعة، فوحدة الأداء تنعكس على نُفوس المسلمين المصلين الذين تهفوا قلوبهم وأفئدتهم لإرضاء إله واحد سبحانه وتعالى، أمّا الصيام فتترقب الأعين مُشرئِبة لرؤية هلاله لصيام شهر واحد في السنة ليتحقق فيه سموالنّفس والتقوى قال عزوجل:» كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» [سورة البقرة183]، للإحساس بافتقار العبد لربّه وتعويد النّفس البشرية المؤمنة على الصّبر في جوجماعي للبلد الواحد وسائر الأمّة قاطبة متسابقة على فعل الخيرات والتراصّ في صفوف المساجد من خلال صلاة التراويح والتهجّد إلى مظهر خاتم في صلاة العيد والتهاني إلى أشكال التراحم لمواساة المعوزين من الفقراء والمساكين وما إن تتعاقب الأشهر وصلوات الجُمع والصلوات الخمس في المساجد والمصليات وما تمثله من أماكن للوحدة واللقاء والسؤال عن أحوال المصلين المرضى والمسافرين،… ليتذكّر المسلم المؤمن إخوانه عند الزكاة وما يمتلكه من حقٍّ للفقير والمسكين وغيرهما من مستحقيها وما تحقّقه من تكافل اجتماعي يُعزّز التآخي ويُطفئ أمراض الحسد والغيرة والعين وغيرها من مظاهر الفُرقة والتشتّت، إلى أن يأتي أواخر كل سنة هجرية وتترقب قلوب المؤمنين اللقاء بعرفة للحج في تجمّع جاءوا من كل أطراف الدنيا قال الله سبحانه وتعالى:» يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فجّ عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيّام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير، ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذرهم وليطوفوا بالبيت العتيق، ذلك ومن يعظم حرمات الله فهوخير له عند ربّه» [سورة الحج25-27] شعور مهيب تـقشعر منه الأبدان أيّام يكون الحجّاج بلباس موحّد تبتهل ألسنتهم بالذكر والدعاء، لا فرق بين أبيض أوأسود ولا أصفر ولا بين غني وفقير في صعيد واحد (أياما معدودات) يؤديها الحاجّ صابرا محتسبا أمره لله معتقدا أنّه سيغفر الله له ما تقدم من ذنبه، وحدة ما بعدها وحدة في المظهر والمقصد والسلوك، دين ارتضاه الله لعباده لتحقيق السعادتين الدنيوية والأخروية من خلال الشعائر التعبدية والمناسك المتنوعة التي تُشبِع النّفس وتُـرويها ولضمّ الأسرة والمجتمع من خلال المناسبات من أفراح وأتراح فهي تُضيف قيمة أخلاقية إيمانية من خلال التعاون وتلبية الدعوة والمشاركة الشعورية التي تداوي النّفوس من خلال الإحساس بوجود السّــند والمهتم، فهي تبدأ من الفرح الجماعي بالمولود الذي يخرج إلى الدنيا لأول مرة بوليمة العقيقة إلى الصلاة على الميت – الذي يغادرها- جماعة والتنادي لتكثير المشيعين إلى العزاء والمواساة بل هذا كله سيُربـّي المجتمع والأمّة على التآزر ومواجهة التحديات الخارجية فمن جهاد النّفس إلى جهاد الأعداء الخارجين عند النفير العام لتحرير الأوطان من رجس المحتلين ونبذ عملاء الداخل الذين ملأ النفاق مداخل قلوبهم، إلى التعاون على البرّ والتقوى من خلال المشاريع الخيرية من تعليم وتثقيف لها ودعوتها على الابتعاد عن المفاسد العقدية والخُلقية ومحاربة مظاهر الفحش والمنكر، إلى التناصح والرفق في الدعوة إلى الخير والصبر في التبليغ ومرافقة الناس بالحسنى لهي الكفيلة بالقَبول والانتشار، إنّ دينا منهجه مبني على روح الجماعة الواحدة وحُبّ الخير للنّاس كافّة لن ينقطع حبله ولن يهزم، إنّ أمّة هذا دينها لن تندثر حتى وإنْ مرضت لكنّها بالتربية الحقّة على هذه الحقائق ستقف من جديد وتعود قريبا بإذن الله، ولنا أنْ نقول كم خسِر العالم من عقود بتهاون المسلمين في تطبيق دينهم.