هل ستستطيع فرنسا الحصول على تنازلات من الجزائر؟
أ. عبد الحميد عبدوس/ تصاعدت في فرنسا، في مجرى الأسبوع الماضي، موجة الهذيان السياسي والسعار الإعلامي ضد الجزائر، مما دفع بالعلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة، نحو حافة القطيعة .كان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في طليعة المهددين بفرض عقوبات على الجزائر وتشديد طريقة التعامل معها، حيث جاء في تصريحه لقناة «tf1» يوم الثلاثاء الماضي 25 فيفري …

أ. عبد الحميد عبدوس/
تصاعدت في فرنسا، في مجرى الأسبوع الماضي، موجة الهذيان السياسي والسعار الإعلامي ضد الجزائر، مما دفع بالعلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة، نحو حافة القطيعة .كان وزير الداخلية الفرنسي برونو روتايو في طليعة المهددين بفرض عقوبات على الجزائر وتشديد طريقة التعامل معها، حيث جاء في تصريحه لقناة «tf1» يوم الثلاثاء الماضي 25 فيفري 2025: «لقد كنا لطفاء بما فيه الكفاية مع النظام الجزائري وقد حان وقت استخدام القوة»، وحذا حذوه وزير الخارجية جان نويل بارو الذي قال: لقد فرضنا قيودا على التنقل والدخول إلى الأراضي الوطنية (الفرنسية) لبعض الشخصيات الجزائرية منذ عدة أسابيع”. بينما صرح رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، يوم الأربعاء 26 فيفري 2025 أن بلاده: «ستطلب من الحكومة الجزائرية مراجعة جميع الاتفاقيات الموقعة وطريقة تنفيذها، وأنه سيمهل الجزائر شهرا إلى ستة أسابيع». الجزائر التي لم تتعود الرضوخ للتهديدات، ولم تخضع لابتزاز السلطات الفرنسية في مناسبات سابقة، ردت على تصريحات المسؤولين الفرنسيين بقولها: «ترفض الجزائر رفضا قاطعا مُخاطبتها بالمُهل والإنذارات والتهديدات، مثلما ستسهر على تطبيق المعاملة بالمثل بشكل صارم وفوري على جميع القيود التي تُفرض على التنقل بين الجزائر وفرنسا، وذلك دون استبعاد أي تدابير أخرى قد تقتضي المصالح الوطنية إقراراها»، كما أكدت أن: «أي مساس باتفاقية 1968، التي تم أصلا إفراغها من كل مضمونها وجوهرها، سينجر عنه قرار مُماثل من الجزائر بخصوص الاتفاقيات والبروتوكولات الأخرى من ذات الطبيعة». أمام رفض الجزائر الخضوع للهجة التهديدات الفرنسية، عادت الحكومة الفرنسية لتقول إن طلبها من الجزائر إعادة النظر في كل الاتفاقيات المتعلقة بالهجرة، هو: «يد ممدودة ومحاولة لإعادة الهدوء للعلاقات بين البلدين».
يبدو أن فرنسا لم يبق لها العديد من الأوراق لتستعملها في لعبتها الانتقامية ضد الجزائر، فقد سقطت ورقة المساعدات الفرنسية المزعومة للجزائر، بعدما كذبت الجزائر قضية تلقيها لأموال فرنسية في مساعدات التنمية، وأنها مستعدة للتنازل عنها في حالة وجودها .لذلك أصبحت فرنسا تستنجد بالاتحاد الأوروبي لدعم موقفها في خلافها مع الجزائر، وقد صرح وزير الخارجية الفرنسي بأنه سيقترح على الدول الأوروبية تقييد منح التأشيرات وخفض الرسوم الجمركية في حال استمر خلاف بلده مع الجزائر، وكانت مجموعة من النواب الفرنسيين من التيار اليميني المتطرف قد تقدمت بمقترح لتمرير قرار أوروبي يدعو إلى تعليق المفاوضات بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، وإلغاء اتفاق الشراكة بينهما. أما الوزير الفرنسي الأسبق للشؤون الأوروبية اليميني المتطرف، بيير لولوش، فقد نصح حكومة بلاده بالاستعانة بمحكمة العدل الدولية لإجبار الجزائر على قبول المهاجرين الجزائريين الذين تطردهم فرنسا نحو الجزائر..
لكن الورقة التي مازالت تلوح بها فرنسا لتبرير تصرفها المعادي للجزائر، هي ورقة توقيف عميلها الكاتب الفرانكوفوني المأجور بوعلام صنصال الذي أساء لتاريخ الجزائر، وشكك في وحدتها الترابية، وبذلك تقررت محاكمته بموجب المادة 87 مكرر من قانون العقوبات التي تنص على أنه “يعتبر فعلا إرهابيا أو تخريبيا، في مفهوم هذا الأمر، كل فعل يستهدف أمن الدولة والوحدة الوطنية والسلامة الترابية واستقرار المؤسسات وسيرها العادي”.. مع أن الكثير من السياسيين والإعلاميين والكتاب الفرنسيين جعلوا قضية بوعلام صنصال قضيتهم المفضلة في دعاياتهم الإعلامية ،إلا أنهم لم يتفقوا في تصريحاتهم، حتى على تحديد عمره،فمنهم من يقول إنه يبلغ 80 سنة من العمر، ومنهم من يعتبر أنه يبلغ 75 سنة من العمر. وكذلك لم يتفقوا على توصيف الوضع القانوني له، فمنهم من يدعي أنه « مختطف»، ومنهم من يدعي أنه «رهينة»، ومنهم من يدعي أنه «محتجز»، ما يشير إلى أنهم جعلوا قضية صنصال مجرد معزوفة إعلامية لإشباع رغبة الظهور الإعلامي والإساءة للجزائر. وزير الخارجية جان نويل بارو ذكر أنه من جملة الأسباب التي دفعت فرنسا لاتخاذ إجراءاتها المتشددة ضد الجزائر هو» احتجاز الكاتب بوعلام صنصال المسجون في الجزائر»، كما دعا الوزير الفرنسي الأسبق بيير لولوش للتعامل مع الجزائر، بإلغاء جميع التأشيرات وتصاريح الإقامة لمدة ثلاثة أشهر قابلة للتجديد، وإغلاق الحدود، في انتظار أن تطلق الجزائر سراح صنصال.. أما المحامي الفرنسي اليهودي، فرنسوا زيمراي، فيدعي أن بوعلام صنصال تعرض لضغوط من اجل توكيل محامي غير يهودي يمكنه الحصول على تأشيرات دخول الجزائر للدفاع عنه، وأن صنصال رفض ذلك، ودخل في إضراب عن الطعام.بعد يومين من تصريح المحامي فرنسوا زيمراي، كرر رئيس الوزراء الفرنسي، فرانسوا بايرو، نفس الأكذوبة عن ممارسة الجزائر للضغوط على بوعلام صنصال من أجل تغيير محاميه. نقيب المحامين الجزائريين الأستاذ، محمد بغدادي، نفى أن يكون الكاتب بوعلام صنصال، قد بدأ إضرابا عن الطعام أو أوقف علاجه ، وأوضح في حديث لصحيفة «الوطن» اليومية الصادرة بالفرنسية يوم الثلاثاء 25 فيفري 2025أن: «صنصال وجه رسالة إلى قاضي التحقيق، هدفها سحب التوكيل عن جميع محاميه، بمن فيهم زيمراي»، مضيفا: “ما يفاجئني هو أن زيمراي يواصل القول إنه لا يزال محاميه، بينما هناك رسميا رسالة إلغاء توكيل يعود تاريخها إلى أسبوع”. كما ابدى نقيب المحامين الجزائريين في حديثه مع جريدة الوطن «انزعاجه من موقف الكاتب بوعلام صنصال الذي قرر عدم توكيل محام ، لأنه سيتولى الدفاع عن نفسه».
يمثل بوعلام صنصال همزة وصل بين ثالوث الشر المعادي للجزائر المتكون من فرنسا وإسرائيل ومملكة المخزن المغربي، فقد كان من المدافعين عن الإرث الاستعماري الفرنسي، وعن استدامة وضعية الهيمنة الثقافية واللغوية للمحتل الفرنسي على مستعمراته السابقة، وهو معروف كذلك منذ سنوات طويلة بدفاعه عن الاحتلال الإسرائيلي، ومسار التطبيع، والدفاع عن نظام المخزن المغربي واحتلاله لجمهورية الصحراء الغربية وعن أطروحاته التوسعية وإطماعه المعلنة في تراب جيرانه. ومنذ توقيفه في مطار الجزائر في منتصف شهر نوفمبر الماضي (2024) تحولت أغلب وسائل إعلام هذا الثالوث الاحتلالي الشرير، ومواقع التواصل الاجتماعية التابعة له إلى منابر للتهجم على الجزائر، وتمجيد الكاتب الفرانكوفوني المتصهين المأجور، بوعلام صنصال، والتباكي على مصيره والتنديد بـ«الظلم» الذي يتعرض له في الجزائر. حتى معهد العالم العربي في باريس الذي يفترض أن يكون مؤسسة ثقافية تهدف إلى تشجيع التبادل الثقافي وتنشيط التواصل والتعاون بين فرنسا والعالم العربي، والذي هو ثمرة تعاون بين فرنسا وبين اثنين وعشرين بلدا عربيا هي: اليمن، المملكة العربية السعودية، البحرين، جزر القمر، جيبوتي، سوريا، الإمارات العربية المتحدة، العراق، الأردن، الكويت، السودان، ليبيا، قطر، موريتانيا، عُمان، فلسطين، المغرب، الصومال، لبنان، مصر، تونس والجزائر. هذا المعهد الدولي العربي، وضع نفسه في خدمة الدعاية الفرنسية، ضاربا عرض الحائط بآراء ومصالح الطرف العربي. ففي 18 فيفري 2025 نظم المعهد بالتعاون مع دار «غاليمار» الفرنسية الناشرة لروايات بوعلام صنصال أمسية تضامنية مع الكاتب بوعلام صنصال، وتولت قناة «فرانس 24» الفرنسية الناطقة بالعربية إعطاء الصدى الإعلامي لهذا الحدث الذي شارك فيه عدد من المثقفين الفرنسيين من الوسط الماسوني والصهيوني، طالبوا جميعا بالإفراج الفوري عن بوعلام صنصال،كما دعوا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ممارسة الضغط على الجزائر لإطلاق سراح الكاتب بوعلام صنصال، وقال مدير المعهد وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، جاك لانغ، إن «هذا الحدث لا يستهدف الجزائر أو شعبها بأي شكل من الأشكال. إنه لقاء يجمع كتّابًا لدعم زميل لهم، كاتب نتمنى له العودة إلى الحرية».
جاك لانغ الذي تمنى عودة صنصال إلى الحرية، وكان يصيح من على منصة القاعة التي احتضنت فعاليات هذه الأمسية التضامنية، بحماس من سيدخل حربا مقدسة قائلا: «أنا صنصال..» يبدو أنه لم لم يخطر على بال جاك المدافع عن الحرية والكتاب أن يبادر بتنظيم أمسية تضامنية، على سبيل المثال، مع الكاتب الفلسطيني، باسم خندقجي، الفائز بالجائزة العالمية للرواية العربية في عام 2024 التي كتبها في سجنه، والذي ترجمت بعض أعماله إلى اللغة الفرنسية. هذا الكاتب الفلسطيني الشجاع المبدع الذي ألقت به دولة الاحتلال الإسرائيلي في السجن في نوفمبر 2004 عندما كان طالبا في الجامعية، ومازال منذ 21 سنة محبوسا في سجون إسرائيل ويعبر عن معاناته بالقلم والإبداع الأدبي. حقا لقد أصبح من المقرف أن يصدر كل ذلك القدر من النفاق والتدجيل والكذب من طرف وسائل إعلام ومثقفون وسياسيون ملأؤا الدنيا بتبجحهم في الدفاع عن الحرية والقيم الإنسانية وحقوق الإنسان. لقد فضحت ملحمة طوفان الأقصى تضليل الإعلام الغربي وسقوط مصداقية، كما فضح الخلاف الجزائري الفرنسي زيف القيم الغربية، وتهافت الإعلام الفرنسي.