والد العقيد سي الحواس الروحي…
وراء الثورة الجزائرية المباركة ضد الاستدمار الفرنسي رجال صدقوا العهد مع ربهم، و وراء كل رجل ن رجالات الثورة داعم روحي وسند هيأه ليكون في ذلك المقام من القيادة والجهاد الخالص للمولى تعالى، ومن هؤلاء العلماء الكبار الذين كانوا في صفوق جهاد الكلمة، العالم الكبير، عالم الأوراس في وقته، العلامة الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الباتني …

وراء الثورة الجزائرية المباركة ضد الاستدمار الفرنسي رجال صدقوا العهد مع ربهم، و وراء كل رجل ن رجالات الثورة داعم روحي وسند هيأه ليكون في ذلك المقام من القيادة والجهاد الخالص للمولى تعالى، ومن هؤلاء العلماء الكبار الذين كانوا في صفوق جهاد الكلمة، العالم الكبير، عالم الأوراس في وقته، العلامة الشيخ أحمد تيمقلين السرحاني الباتني رحمه الله.
الميلاد والنشأة والتعليم:
ولد شيخنا العلامة أحمد تيمقلين، المدعو السرحاني، يوم 20 أكتوبر1912، ببلدية كيمل، منطقة آريس الكبرى، والتي ينتمي لها عرش السراحنة، وهي قبيلة أنجبت الكثير من العلماء وقادة الثورة في الأوراس، إذ تقع جنوب الأوراس، ويعتبر شيخنا فردا من أسرة محافظة مشتهرة بالعلم والصلاح، تشتغل بالفلاحة، متوسطة الحال، بدأ مسيرته العلمية صغيرا وهو ابن سبع سنوات كأبناء المنطقة بحفظ القرآن الكريم، وكان أول شيخ له الشيخ مصطفى بن محمد المالحي، شيخ القرية إذ ذاك، وهو أحد تلامذة الشيخ عبد الحميد بن باديس، كما أخذ عن الشيخ أحمد مبادئ بعض العلوم الشرعية واللغوية من فقه، ونحو وصرف ومواريث وغيرها…
وبعد أن أتم حفظ كتاب الله تعالى انتقل إلى زاوية الشيخ الصادق بلحاج بـمنطقة تيبرماسين قريبا من تكوت أعالي الأوراس، ومنها انتقل وشد الرحلة لطلب العلم إلى بلدية خنقة سيدي ناجي التي زاول فيها دراسته الابتدائية والإعدادية في ذلك الوقت، وغفي تلك الفترة تتلمذ على كثير من العلماء والأشياخ، أمثال: العلامة الشيخ الصديق المكي الأزهري، خريج الأزهر الشريف بمصر، غير أن شغفه الكبير بالعلم دفعه للاستزادة، وبالخصوص بعد أن سمع الكثير عن العلامة الشيخ عبد الحميد بن باديس وما اشتهر به علم كبير، ففي سنة 1936 قرر القصد توجه لقسنطينة قاصدا الجامع الأخضر، الذي يعتبر الشيخ ابن باديس شيخه وإمامه، واجتاز الاختبار بتفوق وتم تسجيله، فزاول دراسته من نفس السنة في الطبقة الثانية -الثانوي- ولازم الشيخ ابن باديس إلى وفاته رحمه الله في 16أفريل 1940.
العمل العلمي للشيخ أحمد قبل الثورة التحريرية:
لقد كان شيخنا طوال تلك الفترة التي مكثها بقسنطينة والتي تمتد من: 1936 إلى1940 داعيا للعلم، محاضرا وخطيبا ومبرزا للأعمال الفظيعة التي كان يقوم بها المستعمرون وأزلامهم من الخونة والقياد المتغطرسين، وكان كذلك يفضحهم من خلال مقالاته التي كان ينشرها على جريدة البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، ويكتب في مجلة الشهاب أيضا.. الأمر الذي أقلق المستعمر، وفي شهر سبتمبر من سنة 1941 ألقي عليه القبض بدوار كيمل مسقط رأسه، بتهمة حث الجماهير على عصيان فرنسا في خطبه، وتوعيتهم وإرشادهم بأن هذا هو أوان ثورة الشعوب المغلوبة على أمرها، وهذه التهمة كانت تطال كل المشايخ كالعلامة الشيخ عمر دردور رحمه الله، وفي ذلك الوقت كانت فرنسا مشغولة مع حلفائها بحرب دول المحور، وكان مما ثبت التهمة عليه من طرف خليفة حاكم الحوز – موريزو- الذي جاء خصيصا لإلقاء القبض عليه: أكثر من سبعين أصلا لمقالات نشرت، ورسائل إخبار إلى الشيخ ابن باديس، وجرائد مشرقية من جملتها: القبس لسان الكتلة الوطنية بسوريا، وجريدة القلم الحديدي لعرب المهجر بأمريكا، فزج به في سجن آريس بأمر الحاكم – فابي – مدة ستة شهور، ثم نفي إلى حوز مسكيانة مدة ثمانية شهور، وفي نوفمبر من سنة 1942 أطلق سراحه.
وفي سنة 1943 عين من قبل جمعية العلماء المسلمين الجزائريين معلما بمدرسة مشونش، أعالي الأوراس من جهة الحدود بين باتنة وبسكرة، وكان مع ذلك مديرا ومرشدا وإمام جمعة ومشرفا على مدارس الجمعية بأوراس إلى سنة 1948.
جهاده في الثورة:
بدأ لعمل من أول شهر نوفمبر سنة 1954 بمشونش، حيث كان له اتصال وثيق جدا بـ: “ابنه الروحي” أحمد بن عبد الرزاق حمودة “القائد سي الحواس، وفي شهر سبتمبر من سنة 1955 نفي من الأوراس بأمر من عامل عمالة قسنطينة – بارلانج – الذي كان ضابطا مكلفا بشؤون الأهالي في المغرب الأقصى، حيث كان يجيد التكلم بالعربية، ثم جلب الى الجزائر لما له من تجربة في سياسة التنكيل بالشعوب، فلجأ إلى قسنطينه، وفي قسنطينة كان على اتصال دائم بالمناضلين فى الأوراس، حيث كان يرسل إليهم الأدوية وأدوات الجراحة والبوصلات والمناظير المكبرة والمال والمذاييع…
وبعد حادثة قسنطينة التي استشهد فيها أكثر من خمسين مناضلا منهم الشهيد الأستاذ أحمد رضا حوحو، لجأ صحبة بعض إخوانه إلى الجزائر العاصمة، وفيها لم يفتر عن العمل مع الشيخ أحمد حماني والشيخ مصطفى بوغابة والشيخ محمد حفناوي، وكان على اتصال مع المجاهدين الذين أوفدوا آنذاك من الأوراس إلى جهة بوسعادة.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر رجع إلى بسكرة بأمر من الشيخ الشهيد الأستاذ العربي التبسي بعد إلحاح من الإخوان السابق ذكرهم، فدخل بسكرة خفية، حيث عين معلما ومديرا بمدرسة التربية والتعليم ببسكرة سنة -1956/1958- إلى أن أقفلت جميع مدارس التربية والتعليم في شهر مارس من سنة -1958، وبعد إقفال مدارس الجمعية واستشهاد بعض الفدائيين اتصل بالقائد أحمد بن عبد الرزاق “سي الحواس”، وطلب منه الالتحاق بالثوار في الجبل فأشار عليه بالذهاب إلى الصحراء لأنها في حاجة إلى دعاية وتوعية وتحسيس، سافر إلى الزاوية الكحلاء بالهقار، ثم وادي ريغ ووادي سوف.
وفي آخر سنة – 1960 – طلب منه أن يصوغ بعض الأناشيد للثورة، فنظم مجموعة منها: “الرصاص فصل الخطاب” نشر في العدد السابع من جريدة الأحرار، و”تحية الجيش ” نشر في العدد الثاني من نفس الجريدة، و”نشيد النجاح المثلث”…. وغيرها.
الشيخ العلامة وعمله في الجزائر المستقلة: تولى الشيخ رحمه الله تعالى مناصب عديدة بعد استقلال البلاد، أولها كونه مفتشا لوزارة الشؤون الدينية والأوقاف للأوراس الكبير وعنابة سنوات 1963/1965حيث قضى هذه الفترة تفقد المساجد كما يسهر على سيرها الحسن وتأدية وظيفتها على أكمل وجه. ثم انتقل بعد ذلك كونه أستاذا ومديرا لثانوية عباس الغرور بباتنة في الفترة الممتدة من 1965/1968 وهي أول ثانوية معربة في المنطقة، فقام بترميمها وتنظيمها وتسييرها وبعث التعليم العربي الإسلامي فيها، فأضحت مركز إشعاع علمي في المنطقة. كما كان عضوا في لجنة الثقافة والنشر بالمجلس الإسلامي الأعلى، كما كان عضوا في جماعة الأعيان في المجلس القضائي بباتنة، يستشار في القضايا الشائكة، ويستدعى لعقد الصلح بين المتخاصمين. و يمكن أن تصنف نشاطاته – باختصار شديد – في هذه الفترة إلى:
تراثه العلمي والثقافي: ترك يخنا مجموعة من الكتب والمؤلفات، منها: كتاب في النحو العربي للمستوى الثانوي، لم يطبع إلى يومنا رغم المحاولات الجادة، وقد قرضه الشاعر الفحل محمد العيد آل خليفة بقصيدة عنوانها “هي الهمة القعساء”:، كما ترك شيخنا العلامة مجموعة كبيرة من الدروس الفقهية منظمة ومرقمة حسب إذاعتها عبر إذاعة باتنة، وكذا مجموعة من الخطب القيمة – خطب جمعة – تعتبر كنماذج، كانت ترسل إلى مختلف الأئمة في عنابه والأوراس، وأيضا مجموعة من الأناشيد في الثورة وفي الاستقلال منها ما صدر في الجرائد والمجلات وبعضها مازال مغمورا، كما ألف الشيخ أحمد بعض المسرحيات الهادفة التي تروي بعض مآثر ومعارك الثورة، وأخرى في الشخصيات التاريخية. وكذلك ترك شيخنا مخطوطا رصد فيه كل مساجد الأوراس بمعناه الكبير وعمالة عنابة، من حيث: العدد المساحة والنوعية والقائمين عليها وفذلكة تاريخية عن النشأة في الفترة الممتدة من 1963 إلى سنة 1965.
وفـــــــاته رحمه الله تعالى:
توفي شيخنا يوم 17/06/1968 بقسنطينة بعد معاناة مع المرض ألقته طريحا في الفراش، ودفن في مقبرة باتنة في موكب مهيب.
رحم الله شيخنا العلامة الإمام الكبير وأسكنه فسيح جناته.
جلال لمراد