ويلٌ للمنافقين !!

د.خديجة عنيشل/ وصفَ القرآنُ الكريمُ المنافقين بوصفٍ غايةٍ في الدقّة إذ سمّاهم (المُعَوِّقين) فقال ربُّنا عز وجل فيهم: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} كانوا يُعوِّقونَ الناسَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ويصدُّونهم عنه وعن شُهودِ الحربِ معه مُدّعينَ خوفَهم عليهم من الحربِ والقتل، كانوا …

مارس 2, 2025 - 14:04
 0
ويلٌ للمنافقين !!

د.خديجة عنيشل/

وصفَ القرآنُ الكريمُ المنافقين بوصفٍ غايةٍ في الدقّة إذ سمّاهم (المُعَوِّقين) فقال ربُّنا عز وجل فيهم: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً} كانوا يُعوِّقونَ الناسَ عن رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ويصدُّونهم عنه وعن شُهودِ الحربِ معه مُدّعينَ خوفَهم عليهم من الحربِ والقتل، كانوا يقولون للناس: تعالوا إلينا ودعوا محمداً فإنه لا يأتي منهُ إلا الهلاك وإنهُ لن يُورِدَكم إلا مواردَ الموتِ والفجائع. جاء في تفسير هذه الآية: «هؤلاء ناس من المنافقين كانوا يقولون لإخوانهم: ما محمدٌ وأصحابُهُ إلا أَكَلَةُ رأس، ولو كانوا لحماً لالتهمهم أبو سفيان وأصحابه، دعوا هذا الرجل فإنه هالك»!! هؤلاءِ همُ المنافقون أنفُسُهُم الذين يُخذّلونَ الناسَ اليوم ويقولون لهم: دعوا المقاومة فإنّها طريقُ الهلاك وإنها سببُ خراب غزة، وانصرِفُوا عنها فإنها أكلت رؤوسَكم وإنها لن تستطيعَ الوقوفَ في وجهِ دولةِ الاحتلالِ وجيشِها المدعومِ أمريكياً، واسمعوا لنا وتعالوا إلى صفِّنا صفِّ التطبيعِ والسلام كي تعيشوا في رخاءٍ ودَعَة.. وليتَهم توقفوا عند حدِّ التثبيطِ والتعويق بل هم حتى بعدَ النصر والتمكين تجدهم يخرجونَ من جُحورِ الهوانِ والجُبن يقذفونَ أهلَ الحقِّ والجهاد ويسومونَهم سوءَ الكلام؛ وصفهم القرآنُ الكريمُ وصفاً دقيقاً فقال ربُّنا عز وجل فيهم: {أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاء الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُم بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُوْلَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً}. لا تجدُهم ينظرونَ إلى ثمارِ المقاومة وتباشيرِ النصر وآياتِ القوة، بل يتعامونَ عن كلِّ ذلك ويركِّزون فقط على الخسائر في الأرواح والممتلكات لأنهم عَبَدةُ الشهوات. لم يستوعبوا معنى خُلودِ الشهداء في جناتِ النعيم وأنهم أحياءٌ عن ربِّهم يُرزَقون، وتعجزُ عقولُهُم الصَّدِئةُ أن تفهمَ معنى أن يعيشَ الإنسانُ حراً كريماً، ومعنى أن يذودَ المرءُ الحرُّ عن دينِهِ وعرضِهِ وأرضه بكلِّ استبسالٍ وإقدام، ولا يمكنُ لقلوبِهم الميْتَةِ أن تُحسَّ بمشاعرِ الإباءِ حين تُغتصبُ الأرض، ولا بمشاعرِ الكبرياء حين يُنتهكُ العرض، ولا بمشاعرِ الأَنَفَة حين يتغطرسُ الظالمُ ويطغى ويتجبّر. هؤلاء همُ المنافقون الذين مُذ وُجِدوا كانوا أذلَّةً صاغرين لا يعرفون طعمَ الكرامةِ والعزة، تريدُ المقاومةُ أن ترفعهم إلى علياءِ العيشِ الكريم وقمةِ الاعتزاز والمجد ويريدون هم اتِّباعَ شهوةِ الدنيا والركونَ إلى الحقارةِ والضَّعَة. تريدُ المقاومةُ أن تغسلَ نفوسَهم بماءِ الرفضِ وبَرَدِ العزة فتَسْلُلَ سخيمةَ المذلّةِ من قلوبِهم ولكنهم لا يبغونَ إلا مزيداً من الذُلِّ والانحطاط. ماذا تفعلُ لكم المقاومةُ أيها المنافقون إن نزعَ اللهُ من أفئدتكم معاني الحرية والنُّبلِ والكرامة والعزة؟؟!! وبالفعل فإنَّ الله لما اطّلعَ على نفوسِهم ورأى كُرهَهَم للجهاد وبُغضَهم للمجاهدين ثبَّطَهم عن طريقِ الكرامة، وأقعَدَهم على أن يكونَ لهم شرفُ المشاركة في رفعِ لواءِ الحق، وحَرَمهم من نعمةِ الشجاعةِ والبطولة فإنهم ليسوا أهلاً لها: {وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ}.
ووالله إنَّ كلَّ منافقٍ يوهنُ من شأنِ المقاومةِ اليوم بعد انتصاراتِها الكبرى على أعظمِ الجيوش وأعتى الدول وأشدِّها استكباراً لفي قلبهِ حسدٌ مما صارت إليه من قوةٍ وتمكينٍ وعزة، فإن العدوَّ قبل الصديق منبهرٌ من أداءِ المقاومةِ في غزة عسكرياً وإعلامياً وإنسانياً ونجاحها في معركةِ الصبرِ الكبرى التي أعادت لفلسطين وَهَج القضية، وأعادت للجهادِ روحَهُ السليبة، ودفنت إلى غيرِ رجعة مشاعر الانهزامية والضعف، وأعادت للأمة إيجابيَّتَها وبوصلتَها نحو التحرير والانعتاق من غطرسة المحتل وتجبّر الغرب الإمبريالي. ولعلَّ من أعظمِ ما قدمتهُ المقاومةُ للأمة وللعالَمِ الحر أنها فضحت النفاقَ بكلِّ ألوانه، وكشفت لنا المنافقين الذين يندسّونَ بيننا وأثبتت أنَّ سوسةَ الأمة هم المنافقون الذين ينخرون جسَدَها ويُوهنون من عزمِها ويقطعونَ طريقَ أمَلِها ومَجْدِها، المنافقون هم داءُ الأمةِ الدفين الذين يَفُتُّونَ عَضُدَها ويُفشِّلونَ إقدامَها ويُثبّطونَ انبعاثَها ويستهزئونَ بمُنجزاتِها، لذلك جعلهم اللهُ هم والكافرين سواء ووصفَ علاجَهم ومصيرَهم فقال لنبيِّهِ: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ۚ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ}.