الإصلاح الديني من منظور العقل

في عصر تعتريه الاضطرابات والاختلالات الفكرية، كان لا بدّ من البحث عن طريق جديد لفهم الواقع الذي استشرت فيه الأفكار المسبقة، وضبابية الفهم لمواضيع بقيت حاضرة في المجتمعات المعاصرة، رغم أنّ طرحها يعود لقرون عدة. فقضايا الدين والإصلاح الديني، والعلم والتطوّر المادي لازالت تشغل عدد كبير من الباحثين، من بينها الدكتورة سناء الشامي، التي تجمع …

مايو 21, 2025 - 15:22
 0
الإصلاح الديني من منظور العقل

في عصر تعتريه الاضطرابات والاختلالات الفكرية، كان لا بدّ من البحث عن طريق جديد لفهم الواقع الذي استشرت فيه الأفكار المسبقة، وضبابية الفهم لمواضيع بقيت حاضرة في المجتمعات المعاصرة، رغم أنّ طرحها يعود لقرون عدة. فقضايا الدين والإصلاح الديني، والعلم والتطوّر المادي لازالت تشغل عدد كبير من الباحثين، من بينها الدكتورة سناء الشامي، التي تجمع بين فكر الشرق والغرب، من خلال عرضها لكتاب ” دين العقل وفقه الواقع” للمفكر دسين شعبان من خلال منظور مختلف سمته بـ “إطلالة من نافذة غربية”.

رصدت الدكتورة سناء الشامي كتاب بعنوان ” إطلالة من نافذة غربية، والذي يأتي في سلسلة الدراسات ٢٠٢٤، من منشورات اتحاد كتاب العرب.

يستشعر القارئ من خلال تسمية الكتاب موضوع في غاية الأهمية خاصة وأنّه يقدّم وجهات نظر كان قد عبّر عنها المفكر حسين شعبان، والذي يملك إسهامات فكرية عميقة، فيما يتعلّق بمحاولة فهم الواقع العربي في ظل تجاذبات وتغييرات عميقة بدأت تطرأ على الساحة العالمية، خاصة وأنّ العالم العربي كان ولا يزال أحد الميادين التي تدور فيها رحى التغيير بمختلف أشكاله.

أرادت الدكتورة سناء الشامي شرح فكر ووجهات نظر المفكر حسين شعبان حول قضايا أثارت دوما اهتمام المفكرين الغربيين والعرب على حدّ سواء كالدّين والسياسة والاقتصاد وشرعية الحكم، في إطار تفاعل إنساني يشترك فيه الغرب والشرق.

فقد اعتمدت الدكتورة الشامي أسلوبا شيّقا في سرد أهم أحداث تاريخ أوروبا مستشهدة بفلاسفة ومفكرين إيطاليين وأوربيين من أمثال دييغو فوزاروا والبروفيسور بانفيني، وشبنهاور وهايدغر.

السردية التاريخية لم تكن الميزة الوحيدة للكتاب، فكل واقعة تاريخية تجد امتدادها في الوقت الحاضر، وكأنّ التاريخ بقي جامدا لم يتغير، وهو ما جعل الدكتورة سناء الشامي بأحد مقولات رئيس الوزراء المعروف وينستون تشرتشل والتي يقول فيها ” التاريخ يعيد نفسه، لأنّ الأغبياء لا يجيدون قراءته”. فكل ناظر لتاريخ أوربا يلاحظ تعقيدات مرتبطة ببنية المجتمع و الدولة ، و التي سببت في إقصاء شرائح مختلفة و اعتلاء شخصيات جديدة كانت لها الكلمة العليا في تحديد مسار تاريخ المجتمعات الأوربية، و هو ما أشارت إليه الدكتورة سناء الشامي في علاقة الدين بالدولة الذي دفع بباباوات الكنائس و ملوك و أباطرة أوربا الذين مارسوا العنف و الاضطهاد داخليا ضد منافسيهم ، و اتهام أصحاب الديانات الأخرى المسلمين تحديدا بالإرهاب تحت ذريعة “الحج المقدّسّ” لتخليص القدس من سيطرة المسلمين، و التي أعطت الانطلاقة للحروب الصليبية. هذه الحرب، تقول الدكتورة سناء الشامي، لازالت قائمة في عصرنا الحالي معتمدة في ذلك على فكر الدكتور حسين شعبان الذي عالج الموضوع الشائك بأسلوب علمي مناديا المشتغلين بالفكر إلى تبني العلم للرّفع من مستوى الفكر من أجل فهم أعمق لواقع يشكل دوما استمرارية لمجموعة متتالية من الأحداث الماضية. ومع رواج الإلحاد ونسيان الله من طرف أوربا حيث فضّل الأوربيون تعويض مبادئ العقيدة والدّين بالتكنولوجيا والنمط الاستهلاكي المفرط، لازالت الأفكار السطحية تجد صداها لدى شعوبها، ورغم كونها أفكار زرعها باباوات وملوك أوربا القرون الوسطى، إلاّ أنها بقيت ملهمة لحكام الغرب في عصرنا الحالي.

لفهم أعمق للحالة الاجتماعية والاقتصادية لأوروبا، عرّجت الدكتورة الشامي إلى حركة الإصلاح التي تزعمها مارتن لوثر التي أفضت إلى تجاوز أفكار الكنيسة الكاثوليكية التي جمعت بيدها المال والسلطة، لأنّ ما أصبح سميّ بـ “اللوثرية” أعطى لمفهوم المسيح معنى آخر بعيد عن سيطرة البابا فيما تعلّق بالإيمان وعلاقة الإنسان بالله، ولم يعد للتراتبية المكرّسة في الكاثوليكية قد أسقطت. كان للمفكر حسين شعبان مساهمة رفيعة في فكرة الإصلاح الديني في الإسلام الذي عرف هو أيضا فترات مليئة بالصدامات والصراعات، فمع انتهاء فترة حكم الخلفاء الراشدين المبنية على البيعة والاختيار، بدأ عهد معاوية ومعه بدأ الحكم الوراثي المنافي لمبدئ الشورى، لكن مع إبقاء صبغة دينية المتمثلة في فكرة ” آل البيت” إلاّ أنّها حصرت في فرع من آل البيت دون آخرين. ومن أهم ما أشارت إليه الدكتورة سناء الشامي من خلال استحضارها للصراعات التي أدّت إلى تعاقب عائلات مختلفة على الحكم وقيادة المسلمين سياسيا ودينيا.

التنقل بين سراديب التاريخ وأحداث الماضي وسيلة فعالة لفهم فكر المجتمعات وتطورها، وهو ما وثقته الدكتورة سناء الشامي، التي جمعت بين ثقافتين، الواحدة أوربية بحكم الإقامة والدراسة، والثانية عربية بحكم الأصل والانتماء٫ جاعلة من فكر حسين شعبان أرضية لشرح تلك العلاقة المعقدة بين الشرق والغرب. يبقى الموضوع محلّ بحث وتنقيب من طرف الباحثين والمفكرين العرب والغربيين، لأنّ الإصلاح الديني والقيمي والمجتمعي أساس كل تطوّر، وذلك بإعادة النظر بالمنظومة التربوية التي عليها ينشأ الجيل الجديد، بغية تمكينه من فهم واقعهم دون التّخلي عن الموروث القديم، عن طريق البحث والتنقيح المستمر للموروث التاريخي والديني لرفع فكر الأفراد والرّقي بالمجتمع.

سفيان علون