البروفيسور عبد الوهاب العمري أستاذ تاريخ العقائد والأديان وتاريخ الحضارات في حوار مع جريدة «البصائر»
حاورته : فاطمة طاهي/ شكرا لكم بروفيسور «عبد الوهاب العمري» على منحنا فرصة محاورتكم، وفي البداية لو تقدم لنا ولقراء جريدة «البصائر» نبذة مختصرة عن شخصكم الكريم؟ – بسم الله الرحمن الرحيم وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه أهل الوفى، سلام الله عليكم ورحمته وتعالى وبركاته، نشكر لكم هذه الإستضافة لنعبر عن …

حاورته : فاطمة طاهي/
شكرا لكم بروفيسور «عبد الوهاب العمري» على منحنا فرصة محاورتكم، وفي البداية لو تقدم لنا ولقراء جريدة «البصائر» نبذة مختصرة عن شخصكم الكريم؟
– بسم الله الرحمن الرحيم وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه أهل الوفى، سلام الله عليكم ورحمته وتعالى وبركاته، نشكر لكم هذه الإستضافة لنعبر عن بعض أفكارنا في هذا الفضاء الطيب. معكم البروفيسور عبد الوهاب العمري، أستاذ العقيدة ومقارنة الأديان بجامعة العربي بن مهيدي، أم البواقي، أستاذ تاريخ العقائد والأديان وتاريخ الحضارات، عميد سابق لكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية بذات الجامعة، وأستاذ باحث في مناشط ودوائر علمية كثيرة.
قدمتم في إحدى القنوات مداخلة تحت عنوان: «الدراسات المستقبلية وحاجة الدعاة لها»، لو تقدم لنا بروفيسور عبد الوهاب العمري توضيحا دقيقا في الموضوع؟ وما السبيل لتفعيل ذلك للوصول إلى واقع حضاري حركي؟
– المسلم الآن بحاجة إلى نظرة استشرافية ومستقبلية، ولهذا هناك دراسات مستقبلية هي في خضم تخصصات الدراسات الاستراتيجية متعلقة بعملية التفكير في المشكلات التي وقعت وفي المشكلات التي يمكن أن تقع، وهنا يأتي دور المثقف ودور العالم كما بين ذلك الله تبارك وتعالى في القرآن الكريم حينما قال: «وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ»، النفير يستعمل في الجهاد كما يستعمل أيضا في طلب العلم، فهؤلاء المختصون في العلوم والمعارف قد يخرجون خارج ديارهم لأجل طلب العلم، وعند عودتهم ينذرون وينبؤون أقوامهم بالمشكلة ويفكرون في حلولها قبل أن تقع، فإن وقعت نجد عندهم البلسم الشافي، وبسرعة ينقذون الأمة من مشكلاتها، فهؤلاء الانتلجنسيا هم من يستطيع أن يقلعوا بالأمة نحو صناعة حضارتها، إذن نحن بحاجة إلى الدراسات المستقبلية حتى نثمن الأشياء التي بين أيدينا، وحتى ندرك إلى أي إتجاه نتجه، فإذا لم يكن لأمة أو لشخص خطة عشرية «أين سيكون وسيصل بعد عشر سنوات، كيف ستكون ظروفه، أين وكيف ستكون منجزاته» فلن يستطيع أن يجد حلا لمشكلاته، ولا يستطيع أن يكون له موقع قدم في هذا العالم المتغير والسريع في تغيره. ونجد في القرآن الكريم هذا البعد موجودا، من خلال القضية الاقتصادية التي طرحت على يوسف عليه السلام والملك الذي رأى رموزا في رأياه، حيث فسر يوسف عليه السلام تلك الرموز بما سيحدث في المستقبل ووجد الحل لكل المشكلات، فشرح وفسر الظاهرة التي ستحدث، ثم بعد ذلك أعطى الحلول، وفعلا جعل على خزائن الأرض فكان على المستوى الراقي، إذ سير أزمة اقتصادية عمرها تقريبا سبع سنوات ثم تلتها سبع سنوات أخرى، حيث كان الجفاف والقحط ثم جاءت عملية تخزين الغذاء مدة سبع سنوات، ثم يخرج هذا الغذاء المخزن ليحل به مشكلة الجفاف والقحط، وكانت مدة تخطيط سيدنا يوسف عليه السلام تقريبا 15 سنة.
لما عرض على يوسف عليه السلام القيادة الاقتصادية في عهد (أمنحوتب الرابع أخناتون) وافق فقال: «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»، هؤلاء الذين لديهم قدرات في التغيير: أن يكون طاهر اليد وليس لصا وسارقا، ولا تمتد عينه إلى خيرات الأمة، ومؤهلا على المستوى العلمي والمهاراتي يستطيع أن يخرج الأمة من أزمتها «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم» الجانب الأول: أخلاقي «حفيظ»، والجانب الثاني علمي «عليم»، «عنده علم بتسيير المسألة»، كما كانت له نظرة مستقبلية حيث أضاف عاما آخر وهو العام الخامس عشر الذي لم يكن موجودا في الرؤيا «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون»، استنتج يوسف عليه السلام أن هناك سبعا سبعا ثم استنتج أمرا آخر مستقبلي «العام»، إذن نحتاج إلى هذه النظرة الاستشرافية وإلى الدراسات المستقبلية في مؤسساتنا وفي قطاعاتنا، ليعطونا أرقاما صحيحة وحقيقية نقضي بها على الأزمات وفي ذات الوقت نطبق برامج أخرى للتنمية حتى نرتقي، علينا أن لا نشغل أنفسنا بفكرة الهدم بل أن نفكر في البناء أيضا «أنت تخشى الأشياء التي ستهدمك، سيأتيك الهدم والردم منها وفي نفس الوقت سيأتيك البناء لتتجاوز ذلك لأن لك أسوارا ومدنا وأشياء كثيرة ستبنيها»، وبهذه الطريقة نصل إلى التنافسية الحضارية مع الآخر الموجود حولنا، ونستطيع أن نحافظ على ذواتنا حتى لا نستورد ولا نمد أيدينا إليهم: أن أعطونا دواء، أعطونا سلاحا، أعطونا غذاء، أعطونا حماية، فلابد أن يصنع هذا المسلم لنفسه ومن خلال الرؤية المستقبلية حصانة يكون بها في مستوى التحديات ليجابهها ويتجاوزها .
هل ما ينقصنا اليوم هو معاهد الدراسات الاستراتيجية ومراكز التخطيط الاستراتيجي خاصة أن الوقت المخصص للتفكير في حياة الأفراد أو الأمة هو الأقل في حياتنا لأسباب أبرزها نقص أدوات ومؤسسات التفكير؟
– النقص في مؤسسات التنشئة الاجتماعية التي تجسد مخرجات مؤسسات الدراسات الاستراتيجية، وحتى نكون واضحين في هذه القضية لنتخطى مشكلاتنا الآنية علينا أن نعود إلى المراحل التي تصنع الحضارة والمتمثلة في ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: «مرحلة الصحوة» وهي مرحلة يستفيق فيها الإنسان ولكنه ما يزال لا يعرف ماذا عليه أن يفعل، وما واجب اللحظة؟ فلا يعد العدة لتجاوز مشكلاته، وبعد مرحلة «الصحوة» تأتي مرحلة «اليقظة» وكما يقول العلماء: هي المرحلة التي يضع فيها العلماء والخبراء الأسس والقواعد التي تحتاجها الأمة اليوم وما تحتاجه غدا وما لا تحتاجه أيضا، فهؤلاء لهم نظرة استراتيجية قوية جدا علمية بحثة تخرج الناس من الظلمات إلى النور، وهذه المرحلة «مرحلة اليقظة» نجدها عند المثقفين أي المثقف الإيجابي الذي يزيد في أمته وليس الحاصل على الشهادة، إنما الذي تكون له إضافة في واقعه يستطيع أن يجد حلولا لمشكلات وأزمات الأمة، منخرط معهم حامل لهموم أمته، مضح في سبيل أن يخرج الأمة من مشكلاتها، اذن مرحلة «اليقظة» خاصة بالعلماء والمفكرين، ثم بعد ذلك تأتي مرحلة أخرى ثالثة هي «مرحلة النهضة» والمتمثلة في اتحاد العالم مع السلطة، «العالم والسلطان» وهذا ما جسده يوسف عليه السلام مع ملك مصر يومها، إذن السلطة تتفق وتحتك مع العلماء والمفكرين الذين يصنعون البدائل، وتقوم بتنفيذ وتطبيق المشاريع على أرض الواقع، اذا كان فيه اتحاد بين العالم والسلطان استطعنا أن نخرج بسرعة كبيرة جدا من حالات التخلف والضيق، والناظر إلى الحضارة الإسلامية سيرى كيف اجتمع ذلك في الدولة العباسية، مرحلة وفترة كبيرة وقوية جدا في صناعة العقل الإنساني الذي كانت له صناعات كبيرة جدا، فمثلا الخليفة «هارون الرشيد» العالم والسلطان، حرك بيت الحكمة والتي حركت العراق العظيم لصناعة الحضارة واستطاعت أن تبتلع ماحولها من حضارات لتخترع وتبتكر في آن واحد مع وجود البعد الروحي والبعد الأخلاقي القيمي في الحضارة الإسلامية، إذن أول مرحلة هي «مرحلة الصحوة وثاني مرحلة هي «مرحلة اليقظة» لإعداد المشاريع من طرف الخبراء، وثالث مرحلة هي مرحلة «النهضة» اتحاد العالم مع السلطان. هذه هي المراحل الثلاث التي تنتج لنا حضارة وتحقق الإقلاع الحضاري لصناعة البدائل في الأمة.
إن مسألة التفكير ومسألة إيجاد مؤسسات التفكير أمر ضروري جدا، حيث لا نسطيع أن نعيش دون رؤية مستقبلية على الأقل خمسين سنة، إذا غبنا أو غيبنا في قرون مضت وصنعت الحضارات بعيدا عنا، اليوم لابد منا أن نسترد هذه المكانة لتشكيل عقل المسلم وصناعة المسلم القوي الذي يستطيع أن يعبر القارات بفكره ويبقى محافظا على أصالته ومعاصرته في آن واحد.
ما السبيل لتفعيل الفكر الإسلامي المعاصر وتعليمه بمنظور واقعي وبصيغة تحاكي الواقع الإنساني لمعاني الإسلام ومقاصده؟
– اذا استطعنا أن نصنع الانسان الذي
«يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ» كما جاء في معرض حديث القرأن الكريم عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم والذين معه، ثم تحدث عن المنتوج الذي يتفاعل مع النبوة والرسالة والقيم كيف يكون كزرع في موقع «يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار» من هم الزراع في الآية؟ ليسوا زراع قمح إنما هم زراع رجال، رجال يستطيعون القيام بمهام صناعة أمة والحفاظ على كيان أمة، لابد من صناعة هذا الإنسان الحل بدل الإنسان المشكل الذي نعاني منه في واقعنا المعاصر، لابد أن نصنع أناسا قادرين على انتاج الحلول، لابد من تفكير قوي جدا تفكير في بعد أصالي بمعنى عندنا الأصالة وفي آن واحد نعيش المعاصرة. إن حركة التفاعل الحضاري للأمم والشعوب تستدعي هذا، لا نستطيع أن نعيش خارج التاريخ ولا نستطيع أن نعيش في الماضي فقط «كلما حدثوني عن اليوم حدثتهم عن البارحة»، أنا لا أهرب إلى الماضي لأبرر وجودي، وإنما أصنع وجودي الآن، أعيش الأصالة والمعاصرة ولا أتنكر لذاتي وأصولي، أعيش وقتي وعصري في عالم الرقمنة وفي هذا العالم السريع الذي منتجاته تجعل من الإنسان إما أن يتقدم أكثر وإما أن يتراجع، لا نستطيع أن نبقى في موقع المتفرج على الحضارة الغربية دون انتاج شيء آخر، وهذا ما يسميه العلماء بالعالمية الإسلامية الثانية، وهذا الذي بشرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم «ليبلغنَّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيتَ مَدَرٍ ولا وَبَرٍ، إلا أدخَله الله هذا الدين بعزِّ عزيز أو بذلِّ ذليلٍ، عزًّا يُعِزُّ الله به الإسلامَ، وذلًّا يُذِلُّ الله به الكفر»، ففي خضم المعارك التي قادها النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يبشر أصحابه بفتح روما والقسطنطينية، فكانوا يسألونه صلى الله عليه وسلم من التي ستفتح أولا: القسطنطينية أو رومية؟ فيقول صلى الله عليه وسلم: «القسطنطينةثم الرومية»، إذن بأي انسان ستفتح الرومية «روما»، سيطول بقاؤنا في التخلف إن لم نتحرك نحو التحضر ونحو إعادة صناعة الإنسان الذي يشيد حضارته، أمامنا مشاريع كثيرة جدا وعلينا العمل بها، أولها: تحرير الأراضي المقدسة «القدس»، وثانيتها صناعة إنسان فاتح روما الذي تحدث عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كما فتحت القسطنطينية «تركيا» سنفتح روما كما بشرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم، لكن بأي إنسان؟، وبالتالي علينا العودة إلى قيمنا وأصولنا وفي ذات الوقت يجب أن نعيش معاصرتنا للوصول إلى هذه المعاني معاني الإسلام العميقة التي تخترق الآفاق.
ما السبيل للوصول الى خطاب يشد انتباه الناس، والشباب خاصة، يلامس واقعهم الفكري والشعوري والميداني؟
– هنا نتحدث عن مسألة صناعة الإنسان وصناعة الحضارة، هذا الخطاب الذي نحن نتحدث به شكل إنسانا معينا، عندما نقول تجديد الخطاب الديني ليس معناه أن نجدد الدين وإنما أن نجدد طرق فهمنا للدين، فبدل أن أحدثك عن قضية الإخلاص والعمل بالتفاني أعيدك إلى أصولك وأعطيك مقام المحبوبية: «إن الله يحب اذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه»، فيتقن المسلم والشاب عمله لوجه الله سبحانه وتعالى، وليس لأن يراه فلان وعلان، هنا تصبح المسألة بينه وبين الله، هذا الإنسان المسلم هو الإنسان الحضاري وهو الذي سجدت الملائكة لأبيه، وليس الإنسان الآخر الذي هو نتاج الحضارة الغربية والذي يفسد في الأرض، إذن النموذج الذي كان في ذهن آدم هو نموذج الجنة، نحتاج إلى إنسان الجنة الذي يصنع لنا حضارة الجنة، وبالتالي حضارة الجنة التي هي قريبة من الجنة، لذلك صنعنا في الأندلس عمارة إسلامية جميلة جدا كان الناس يعيشون حول بساتينها يستمتعون بخرير مياهها، وكل هذا من آثار الجنة، «جنات تجري من تحتها الأنهار»، فاستطاع المسلمون أن يجلبوا صورة من هناك ليجسدوها في واقعهم، وهذا ما لمسناه في الأندلس وقصور غرناطة واشبيليا، وهذه التحف المعمارية وغيرها عبارة عن صورة من صور تفاعل الإنسان مع النصوص القرآنية التي تتحدث عن الجنة، وحتى ما نراه من منمنمات وزخارف إسلامية وطبوع رائعة جدا، كما تفنن العقل المسلم في الخط العربي وفي الهندسة المعمارية وفي الطبوع وفي الأيقونات وكلها ذات بعد جمالي رائع جدا، هذا التفاعل تفاعل الإنسان المسلم مع قرآنه وسنته وأصوله يحتم عليه إيجاد أشياء جديدة في واقع الناس، وما أحوج الناس إلى هذه القيم وما أحوج الحضارة الغربية إلى الإسلام.
إن الجزائري لم يولد سنة 1830 بل أرادوا ابادته في ذات السنة، لكن قبل ذلك كان الجزائري موجودا وفعالا ومتعلما يعرف القراءة والكتابة، وهذا ما ذكره الرحالة الألماني الذي مر سنة 1830 او قبلها بقليل، حيث وصف الحال الذي كان عليه المسلمون والجزائريون بالخصوص، فالمسألة تحتاج منا إلى إرادة ورؤية واضحة ومشاريع حية ننخرط فيها، الصعب في الإنسان انتقاله من الأنا الذي يكره إلى الأنا الذي يحبه الله، ويريده هو، إذن أنا أريد أن أكون إنسانا آخر كما يريدني الله سبحانه وتعالى، أعمر الأرض فأنا خليفة الله في الأرض «إني جاعل في الأرض خليفة»، هذه الخلافة وهذا العمران يصنع الإنسان القوي الذي يذهب بعيدا، انطماس البصيرة والعودة الى مساحات التراجع والتخلف تجعلنا نستهلك بدل أن ننتج، وبدل أن نقود الإنسانية إلى سعادتها في الدنيا والآخرة انحصر دورنا في الواقع وصرنا ناقلين لحضارة الآخر دون تميز بل صرنا نستحي من بعض أصولنا وهذا ما لم يرض به الأولون، نملك كل الخيرات، العقل الذكي الأرض الزكية، والمعادن الثرية ما ينقصنا هي الرؤية الواضحة مع تكاثف الجهود كل يساهم في مكانه ببناءه هذه الأمة، وعلينا أن نفهم السياقات التاريخية وربطها مع السياقات المستقبلية.
كيف نوصل رسالة الإسلام إلى الشباب في ظل الغزو الفكري والإلحاد الغربي والأفكار المشوهة عن الإسلام؟
– حينما صوروا نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم بصور مسيئة انتفض العالم الإسلامي ردا على من كتب وصور، فقلت: يا جماعة من المفروض أن تكون لنا مسيرة في شوارعنا نقول فيها للناس وللغرب: سامحونا اذا كنتم فعلتم ذلك وسببتم رسولنا بسببنا فنحن نعترف ونقول لكم: «إننا لم نكن في مستوى رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فالسب والشتم لنا لما تركنا رسالتنا ولما تركنا أصولنا ….. آسف يا رسول الله أننا لم نحسن تمثيلك أحسن تمثيل وأننا لم نكن كعلي الذي ربيته، وبناتنا لم تكن كفاطمة التي ربيتها، وزوجاتنا لم تكن كخديجة التي تزوجتها …. نحن الذين أخطأنا».
لابد أن تدرك الأمة أن أكبر إثم تعيشه اليوم هو «التخلف»، نملك ما يساعدنا على النمو لكننا مازلنا نعيش في حياتنا الدنيا وكفى وكما عبر الله تبارك وتعالى في كتابه العظيم: «ولتجدنهم أحرص الناس على حياة»، هؤلاء هم الطرف الآخر ولسنا نحن، ولكننا مرضنا بمرضهم وصرنا نحسب أن الدنيا هي دارنا، ولكن عندنا دار هناك لم نعمرها، والمشكلة أننا إذا لم نعمر هذه لن نعمر الأخرى، اذا لم نر ربنا هنا ونعش بمعادلة الإحسان أن نعبد ربنا كأننا نراه فإننا لن نراه هناك، لن نكون من أولئك الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: «وجوه يومئذ ناضرة الى ربها ناظرة»، إذن من كان مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم هنا سيكون معه هناك. نكون هنا مع النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأخلاقه بالإتقان والإخلاص والتفاني في العمل، ونستبشر أن نكون معه هناك أيضا، فهذا البعد العقدي القوي هو الذي يحرك الإنسان، إذن لابد أن تلامس العقيدة القلوب حتى تتحرك الجوارح نحو البنايات التي يجب أن نشيدها، ومن هنا نقول للكثير من شبابنا: وراءنا الكثير من المشاريع…. نصبو إلى صناعة إنسان فاتح لروما، لن تفتح روما بإنسان فاشل مشوش مقيد، يعيش الغربى في ذاته وفي فكره، أمنياتنا أن نفتح روما ونصنع هذا الإنسان الذي يكون صاحب كفاءات وقدرات عالية يقنع الآخرين، لن نفتح أروربا بالسيوف إنما نفتحها بالعلم والقيم التي بدأت تتهاوى عندهم، هم يحتاجون إلى هذه القيم وسنكون أصحاب قيم وأصحاب حضارة سيبنون واقعهم وواقع الآخرين.
هل أصبحت التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي منافسة للخطاب الديني؟ وهل أضحى من الضروري استعمالها لتطوير الخطاب الديني؟
– هل وسائل التواصل الاجتماعي الموجودة الآن صنعت لنا أو صنعت للإنسان الغربي؟ لقد صنعت للإنسان الغربي فأخذناها منهم ودخلت حياتنا ثم بعد ذلك نحن دخلنا بها في حياتهم، ولكن ما حافظنا على ما عندنا بل صرنا نقلدهم تقليد الطفل الصغير. لابد من تجديد الخطاب الديني والخطاب الفكري والخطاب الوطني حتى يحسن شبابنا أخذ ما يجب أخذه وفي آن واحد يبتعدوا كل البعد عن ما يحطم هويتهم وأصولهم واعتقادهم، مشكلة كبيرة جدا أن يكون لباس الآخر هو مظهر الأناقة في حين يستحي الشخص أن يلبس جبة جده، وكما قال عالم من علماء الجزائر في الكمبيوتر: «يمكن أن يكون لي شعر مجعد لكن ليس لي فكر وعقل مجعد»، انا أفكر كما يفكر الآخرون فقط أعطيني الوسائل ووفر لي الظروف وسأبدع، لا ينقصنا ذكاء ولا تنقصنا الرجولة والشهامة مما ورثناه من آبائنا وأجدادنا، ولكن تنقصنا بيئة صناعة الإنسان الحل بدل الإنسان المشكل، الآن صارت لنا بيئة طاردة للمثقف وطاردة للمفكر وطاردة لكل ما هو علمي، لابد أن نصنع حضارتنا نصنع أشياءنا نصنع دواءنا نصنع سلاحنا، فالغرب لا يريدنا أن نصحو من غفلتنا كي لا نلحق بركب الحضارة الغربية، فبدل أن يبقى أبناؤنا مستهلكين في مواقع التواصل الاجتماعي نحولهم إلى منتجين وفاعلين للقيم والعمل الصالح حتى يقدموا البدائل الحضارية هذه هي الفكرة التي نريد أن نرفع الخطاب الديني لها حتى يتشربها أبناؤنا فيكونوا منتجين بدلا من مستهلكين لمنتجات الحضارة الغربية.
في الختام نقول: إننا نحتاج إلى ورشات كبيرة جدا، ورشات خاصة بالأسرة وورشات خاصة بإنتاج الإنسان الإيجابي والإنسان الحل، كيف يكون الزوج والزوجة، لابد أن ننمي الوعي بأهمية وضرورة التأهيل الأسري قبل أن أزوج ابنتي مع كفء لها، أو أزوج ولدي مع كفء له، فإذا كان أبي وأمي لا يعرفان القراءة والكتابة وومع ذلك قد تخرج هذا البروفيسور، فكيف للبروفيسور الذي يتزوج بالبروفيسور ولا ينتج أو يصنع إنسانا حضاريا.
تبدأ المسألة انطلاقا من الأسرة ومن كل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، لابد أن ننظر إليها نظرة استراتيجية عن طريق ما يقدمه الخبراء والعلماء «رجالات مرحلة اليقضة»، والسلطات تنفذ هذه المشاريع الرائدة والرائعة، فنتوحد في دواخلنا ضد عدونا، وبالتالي علينا أن نصحح المفاهيم ونغرس القيم ونصنع الإنسان بداية من الأسرة والمدرسة والجامعة إلى الواقع الاجتماعي ثم إلى الواقع الحضاري، هي مشاريع كثيرة وورشات كبيرة جدا، علينا أن نعرف كيف نخوض غمارها وكل هذا يأتي بالتشاور، فنأخذ بأحسن رأي ونعمل بأروع فكرة. فإذا كان علماؤنا عباقرة هناك يمكننا أن نصنع منهم عباقرة أيضا هنا، لابد من تغيير هذه البيئة الطاردة للقوة للوصول إلى بيئة جالبة للقوة، وثمة نستطيع صناعة إنسان يصنع حضارته ويفخر ببناء أمته، كما بشرنا النبي محمد صلى الله عليه وسلم يفتح روما وينشر العدل ويحكم قوانين السماء في الأرض ليعيش أصالته ومعاصرته.