الدكتور مفلاح عيسى لـ “الوسط” الجزائر بوابة لتصدير الهيدروجين الأخضر لأوروبا

أكد الدكتور مفلاح عيسى، الباحث المتخصص في مجال الطاقات المتجددة، في حوار خاص مع يومية “الوسط”،بأن الجزائر تتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي يمنحها دورًا محوريًا في إنتاج وتسويق وتصدير الهيدروجين الأخضر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعليه فكنالدول الأوروبية، كألمانيا وإيطاليا والنمسا، تراهن عليه بشكل كبير كخيار استراتيجي لتحقيق أهدافها في إزالة الكربون والانتقال الطاقوي. بداية ، …

أبريل 3, 2025 - 09:18
 0
الدكتور مفلاح عيسى لـ “الوسط”  الجزائر بوابة لتصدير الهيدروجين الأخضر لأوروبا

أكد الدكتور مفلاح عيسى، الباحث المتخصص في مجال الطاقات المتجددة، في حوار خاص مع يومية “الوسط”،بأن الجزائر تتمتع بموقع جيوسياسي واستراتيجي يمنحها دورًا محوريًا في إنتاج وتسويق وتصدير الهيدروجين الأخضر على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعليه فكنالدول الأوروبية، كألمانيا وإيطاليا والنمسا، تراهن عليه بشكل كبير كخيار استراتيجي لتحقيق أهدافها في إزالة الكربون والانتقال الطاقوي.


بداية ، ما هو دور الجزائر في سوق الهيدروجين الأخضر؟

تمتلك الجزائر فرصًا هائلة لتصبح لاعبًا رئيسيًا في سوق الهيدروجين الأخضر ويأتي هذا بفضل الموقع الجزائر الجغرافي القريب من أوروبا وإمكاناتها الكبيرة في الطاقة المتجددة وامتلاكها لبنية تحتية متطورة في قطاع نقل وتخزين الطاقة، شريكًا مثاليًا لتزويد القارة الأوروبية بهذه المادة الحيوية، وبالتالي فتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال من شأنه أن يحفز الاستثمارات ويساهم في تطوير سوق الهيدروجين الأخضر، مما يعزز مكانة الجزائر كفاعل رئيسي في هذا القطاع الواعد.، وعليه فهذه الدول التي تنتمي للقارة العجوز تفتقر إلى مصادر الطاقة المتجددة ستظل تعتمد على واردات الهيدروجين، مما يضع الجزائر في موقع تنافسي قوي على الخارطة العالمية للطاقة المستدامة، ووفقًا لدراسات حديثة، يمكن للجزائر إنتاج أكثر من 5 ملايين طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2040، مما يجعلها أحد أكبر المصدرين المحتملين لأوروبا. كما أن توفر مساحات واسعة لتوليد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح يعزز من تنافسية الإنتاج، وعليه فالحكومة الجزائرية أطلقت عدة مبادرات لدعم تطوير هذا القطاع، بما في ذلك مشاريع تجريبية ومفاوضات مع الشركاء الأوروبيين لتطوير البنية التحتية اللازمة.ولقد أعلنت الجزائر في شهر ماي الماضي الشروع في إنتاج الهيدروجين الأخضر، مؤكدة عزمها على إقامة شراكة مع دول الاتحاد الأوروبي لتسويقه.حيث جاء ذلك خلال كلمة للرئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في افتتاح منتدى لرجال الأعمال الجزائريين بمدينة لشبونة البرتغالية، وقال الرئيس في كلمته: “الجزائر انطلقت في إنتاج الهيدروجين الأخضر ضمن برنامج تطوير قطاع الطاقات المتجددة”.حيث وقعت شركة “سوناطراك” مذكرة تفاهم مع “إيني” الإيطالية لتطوير الطاقات المتجددة بما فيها مشروع إنتاج الهيدروجين الأخضر.

ماهي أهداف الجزائر من خلال خارطة الطريق الوطنية لتطوير الهيدروجين ؟

تهدف خارطة الطريق الوطنية لتطوير الهيدروجين في الجزائر إلى تحقيق العديد من الأهداف الإستراتيجية والمتمثلة في تنويع الإمدادات وتسريع الانتقال الطاقي، بالإضافة إلى تعزيز أمن الطاقة في البلاد على المديين المتوسط والطويل، والحد من البصمة الكربونية لمختلف القطاعات، وتخفيض الاستهلاك المحلي للوقود الأحفوري خاصة الغاز الطبيعي والحفاظ على موارد الطاقة للبلاد، وإنشاء نظام بيئي ملائم ومناسب لتطوير الهيدروجين المتجدد والنظيف، بما في ذلك التكامل الصناعي، والتحكم التكنولوجي والتقني لسلسلة قيمة الهيدروجين بأكملها، لا سيما تنمية رأس المال البشري (البحث والتطوير والتدريب – إنشاء مراكز الامتياز)، والتأسيس التدريجي للاقتصاد الوطني الهيدروجين ومشتقاته (الأمونيا والميثانول والوقود الاصطناعي)، كما وتهدف الجزائر إلى أن تصبح رائدة إقليميًا ودوليًا في إنتاج وتسويق الهيدروجين ومشتقاته المتجددة والنظيفة.وتطمح إلى الاستفادة من إمكاناتها التقنية ومزاياها التنافسية لإنتاج وتصدير ما بين 30 و40 تيراواط/ساعة في شكل الهيدروجين الغازي والسائل ومشتقاته وتزويد السوق الأوروبية بنحو 10 بالمائة بحلول عام 2040 وبسعر بيع تنافسي للغاية.ويمكن للجزائر تحقيق إيرادات بنحو 10 مليارات دولار سنويًا.


كيف سيساهم مشروع ممر Sout H2 في تعزيز مكانة الجزائر كمورد رئيسي للطاقة إلى أوروبا؟

يمثل مشروع ممر Sout H2خطوة طموحة نحو تطوير البنية التحتية اللازمة لنقل الهيدروجين المتجدد بين الجزائر وأوروبا، وهو ما يعزز بشكل كبير موقع الجزائر كمورد رئيسي للطاقة النظيفة للقارة الأوروبية. يهدف المشروع إلى إنشاء خط أنابيب هيدروجين يمتد من الجزائر إلى ألمانيا عبر كل من تونس، إيطاليا، والنمسا، مما يجعله محورًا استراتيجيًا في مستقبل الطاقة بين إفريقيا وأوروبا.يبدأ هذا الخط من حقل حاسي رمل، وهو أحد أكبر حقول الغاز في إفريقيا، حيث استثمرت سوناطراك الجزائرية بشكل مكثف في تطوير البنية التحتية للغاز. سيمر الأنبوب أيضًا عبر مدينة حاسي مسعود، ثم يعبر الأراضي التونسية عبر مدينة صفاقس، قبل أن يمتد تحت مياه البحر الأبيض المتوسط ليصل إلى إيطاليا، حيث سيرتبط بشبكة أنابيب Snam S.p.A.ومنها إلى النمسا وألمانيا، ويتمتع المشروع بعدة مزايا إستراتيجية، أبرزها تعزيز التحول الطاقوي من خلال توفير الهيدروجين الأخضر كبديل نظيف ومستدام للوقود الأحفوري، ما يساهم في تلبية الطلب الأوروبي المتزايد على مصادر الطاقة المتجددة، وخفض تكاليف النقل عبر الاستفادة من خطوط الأنابيب المحسّنة، ما يسهم في جعل الهيدروجين الجزائري أكثر تنافسية من حيث التكلفة،بناء اقتصاد مستدام للهيدروجين: عبر ربط المناطق المنتجة في شمال إفريقيا بمراكز الاستهلاك الكبرى في أوروبا، مما يعزز الشراكة الطاقوية بين القارتين،المساهمة في أهداف إزالة الكربون: حيث يدعم المشروع استراتيجية الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بحلول عام 2030، كما أنه من المتوقع أن يتم تشغيل ممر Sout H2بالكامل بحلول عام 2030، مع قدرة استيراد تصل إلى أكثر من 4 ملايين طن من الهيدروجين سنويًا، ليصبح بذلك أحد أهم محاور الطاقة في المنطقة، وركيزة أساسية في العمود الفقري للهيدروجين الأوروبي.


هل أثرت الأزمة الروسية الأوكرانية على تحول الطاقة العالمي؟

أدت الأزمة الروسية الأوكرانية إلى اضطرابات غير مسبوقة في أسواق الطاقة العالمية، حيث شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعًا بنسبة تجاوزت 300 بالمائة في بعض الأسواق الأوروبية، مما دفع الدول المستوردة إلى البحث عن بدائل مستدامة لتقليل الاعتماد على الغاز الروسي. على سبيل المثال، زادت واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال (LNG) بنسبة 60 بالمائة خلال عام 2022، وارتفعت الاستثمارات في الطاقات المتجددة بنسبة 25 بالمائة عالميًا. في هذا السياق، بدأ التركيز يتزايد على الهيدروجين الأخضر كمصدر مستدام للطاقة.


لماذا يُنظر إلى الهيدروجين الأخضر كخيار استراتيجي؟

الهيدروجين الأخضر هو الهيدروجين المنتج من خلال التحليل الكهربائي للماء باستخدام كهرباء متجددة، مما يجعله خاليًا من الانبعاثات الكربونية، و يتميز هذا الوقود بمرونته وإمكانية تخزينه لفترات طويلة، مما يجعله حلاً واعدًا لمشاكل تقطع مصادر الطاقة المتجددة مثل الشمس والرياح. وفقًا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، وعليه فمن المتوقع أن يصل إنتاج الهيدروجين الأخضر إلى 40 مليون طن سنويًا بحلول عام 2030، مقارنة بأقل من 1 مليون طن حاليًا،ويتم تصنيف الهيدروجين إلى عدة أنواع بناءً على مصدر الطاقة الكهربائية المستخدم في إنتاجه، حيث تؤثر طريقة توليده بشكل مباشر على مدى استدامته وصداقته للبيئة. وتنقسم الأنواع الرئيسية للهيدروجين إلى أربعة ألوان أساسية، و المتمثلة في الهيدروجين الرمادي الذي يتم إنتاجه باستخدام الكهرباء المولدة من مصادر أحفورية مثل الفحم والنفط. ويعد هذا النوع الأكثر شيوعًا، إلا أنه يساهم في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مما يجعله غير مستدام بيئيًا، وهناك الهيدروجين الأزرق ويُنتج من خلال إعادة تشكيل غاز الميثان بالبخار، وهي عملية يتم فيها التقاط جزء من انبعاثات الكربون، بحيث يتم عزله أو إعادة استخدامه، مما يجعله خيارًا أقل ضررًا مقارنة بالهيدروجين الرمادي، ولكنه لا يزال غير خالٍ تمامًا من التأثيرات البيئية، ويوجد أيضا الهيدروجين الأخضر، وهو يُعتبر الأكثر صداقةً للبيئة، حيث يتم إنتاجه باستخدام مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وذلك من خلال تحليل الماء كهربائيًا لفصل الهيدروجين عن الأكسجين. هذه الطريقة تضمن إنتاج هيدروجين خالٍ من الكربون، مما يساهم في تقليل الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، فضلا عن الهيدروجين الوردي الذي يُنتج عندما يتم استخدام الكهرباء المولدة من الطاقة النووية في عملية تحليل الماء. ومن أهم مزاياه أن تكلفته منخفضة نسبيًا مقارنة ببعض المصادر الأخرى، ولكن تظل هناك تحديات تتعلق بصيانة المحطات النووية والتعامل مع المخلفات الإشعاعية الناتجة عنها.

ما هي التحديات الرئيسية التي تواجه تطوير الهيدروجين الأخضر؟

رغم الآفاق الواعدة، يواجه الهيدروجين الأخضر تحديات تقنية واقتصادية. على سبيل المثال، تكلفة إنتاج الكيلوغرام الواحد من الهيدروجين الأخضر تتراوح حاليًا بين 4 و6 دولارات، بينما يبلغ سعر الهيدروجين الرمادي (المُنتج من الوقود الأحفوري) حوالي 1.5 دولار فقط. علاوة على ذلك، يتطلب إنتاج الهيدروجين الأخضر كميات كبيرة من الكهرباء المتجددة، حيث يحتاج إنتاج طن واحد من الهيدروجين إلى نحو 50 ميجاواط/ساعة من الكهرباء. كما تتطلب عملية التخزين والنقل تطوير بنى تحتية جديدة، بما في ذلك شبكات أنابيب متخصصة ومحطات تسييل.

كيف تتعامل الدول الكبرى مع تحول الطاقة نحو الهيدروجين الأخضر؟

وضعت العديد من الدول استراتيجيات طموحة للهيدروجين الأخضر، ولقد خصص الاتحاد الأوروبي، أكثر من 500 مليار يورو لاستثمارات الهيدروجين بحلول عام 2050. أما ألمانيا، فقد أعلنت عن خطط لاستيراد 10 ملايين طن سنويًا بحلول 2030. وفي الولايات المتحدة، تم تخصيص 9.5 مليار دولار ضمن خطة البنية التحتية لدعم مشاريع الهيدروجين. الصين، التي تمثل 30 بالمائة من الطلب العالمي على الهيدروجين، تسعى لخفض تكاليف الإنتاج وتعزيز قدراتها المحلية في هذا المجال.


فيم تتمثل التطبيقات الصناعية للهيدروجين الأخضر؟، وكيف يمكن أن يغير معادلة الطاقة؟

الهيدروجين الأخضر ليس مجرد مصدر طاقة بل هو عنصر حاسم في إزالة الكربون من القطاعات الصناعية الثقيلة، مثل صناعة الفولاذ، التي تستهلك أكثر من 7 بالمائة من إجمالي الطاقة العالمية. يمكن أيضًا استخدامه في النقل الثقيل، مثل الشاحنات والسفن والطائرات، حيث يصعب الاعتماد على البطاريات الكهربائية فقط. على سبيل المثال، أعلنت شركات مثل “أرسيلور ميتال” و”سيمنز” عن خطط لاستخدام الهيدروجين في عملياتها الصناعية، مما قد يقلل الانبعاثات الكربونية بنسبة 90 بالمائة في بعض القطاعات.


هل يمكن للهيدروجين الأخضر،أن يكون الحل النهائي لمشكلة الطاقة؟

مع التقدم التكنولوجي وانخفاض تكاليف الطاقة المتجددة، من المتوقع أن يصبح الهيدروجين الأخضر أكثر تنافسية خلال العقد المقبل، و تشير التوقعات إلى أنه بحلول 2050، يمكن أن يغطي الهيدروجين ما يصل إلى 20 بالمائة من الطلب العالمي على الطاقة، مما يساهم في خفض الانبعاثات الكربونية بحوالي 6 جيجا طن سنويًا. ومع ذلك، فإن نجاحه يعتمد على تسريع الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية، وتحقيق التعاون الدولي في مجال السياسات التنظيمية والأسواق.وفي النهاية، يمثل الهيدروجين الأخضر فرصة تاريخية لإعادة تشكيل مشهد الطاقة العالمي. ومع تزايد التزام الدول بخفض الانبعاثات وتحقيق الحياد الكربوني، يبقى التحدي مطروحا في أن يصبح للهيدروجين الأخضر القوة الدافعة لاقتصاد خالٍ من الكربون.

حاوره : حكيم مالك