« الدكتورتان فاطمة وزهيرة عابدين» نموذجان فريدان للمرأة المسلمة الصالحة العالمة العاملة

د . محمود خليل */ مثل قصة «اليمامتان» التي قرأناها ونحن صغار، فاستجمعت فينا كل معاني النبل والأصالة والوفاء، في شجن أصيل ووفاء نادر، تألقت به كؤوس المعاني لأديب الإسلام المرموق مصطفى صادق الرافعي.. عاشت «اليمامتان» «فاطمة» و»زهيرة» عابدين عمرًا مديدًا وعملاً مجيدًا للإسلام والمسلمين في رحلة علمية وعملية قلّ أن تجد لها نظيرًا.. حيث …

فبراير 24, 2025 - 16:42
 0
« الدكتورتان فاطمة وزهيرة عابدين» نموذجان فريدان للمرأة المسلمة الصالحة العالمة العاملة

د . محمود خليل */

مثل قصة «اليمامتان» التي قرأناها ونحن صغار، فاستجمعت فينا كل معاني النبل والأصالة والوفاء، في شجن أصيل ووفاء نادر، تألقت به كؤوس المعاني لأديب الإسلام المرموق مصطفى صادق الرافعي..
عاشت «اليمامتان» «فاطمة» و»زهيرة» عابدين عمرًا مديدًا وعملاً مجيدًا للإسلام والمسلمين في رحلة علمية وعملية قلّ أن تجد لها نظيرًا.. حيث كانتا مثالاً حيًا لعطاء المرأة المسلمة في الصف الأول على مدى تسعين عامًا، وهي تقف شامخة صادقة أمينة.
فالشقيقة الكبرى «فاطمة عابدين» من مواليد 25/5/1912 والصغرى «زهيرة عابدين» من مواليد 17/6/1913.. نشأتا في وسط ثري أرستقراطي رفيع، فوالدهما هو حافظ بك عابدين، عضو مجلس الشيوخ الأسبق، وجدهما «حسين باشا عابدين» عضو بمجلس شورى القوانين، والذي تلقى دراساته في القانون في فرنسا، لكنه عاش حياته ومعه أبناؤه جميعًا، في رحاب الإسلام، حيث غرس حب الله ورسوله في نفوس أطفاله منذ الصغر…
وجدهما الأكبر هو محمد باشا عابدين، صاحب قصر عابدين الشهير بحي عابدين بوسط القاهرة
«الملكة الأم» هي الدكتورة فاطمة عابدين التي توفيت في 16/5/2002، بعد حياة ملؤها العلم والعمل والجهاد، فهي أول امرأة في مصر تحصل على الدكتوراه وذلك عام 1949، وهي التي أنشأت قسم «الباثولوجي» بجامعة الأزهر، وهو من أهم علوم الطب ، حيث يدرس تأثير الأمراض على أنسجة الجسم٠٠ وظلت تدرس هذه المادة لتلاميذها أكثر من خمسين عامًا ، حتى أطلق عليها أساتذة وطلاب الطب في العالم الإسلامي لقب «الملكة الأم» ، حيث كانت الأم العلمية والروحية لآلاف الأساتذة والطلاب، وقد أطلقت جامعة الأزهر اسمها على «متحف الباثولوجي» الذي جمعت عيناته من أنحاء العالم ، على مدى عمرها العلمي المبارك الطويل.. فهي أول من اكتشف حقيقة السائل «الأمينوسي» وهو السائل المحيط بالجنين داخل الرحم، على مستوى العالم، ولها 75 بحثًا علميًا، وكان لها فضل الريادة في اكتشاف وتفسير الكثير من الأمراض، وهي أول امرأة مصرية تفوز بجائزة الدولة التقديرية عام 1981م.
وأم الأطباء الدكتورة «زهيرة عابدين» كانت مؤسسة متنقلة من العلم والعمل والنجاح والتوفيق.. توفيت قبل الدكتورة فاطمة بتسعة أيام في 7/5/2002.. يعتبرها البعض إحدى المجددات الرائدات في الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، أمضت حياتها أستاذة لطب الأطفال، حيث كانت أول امرأة مسلمة تحصل على شهادة العضوية الملكية في الطب من جامعة لندن، عام 1974م، بدأت دراسة الطب عام 1936 بعد حصولها على البكالوريا حيث كانت «الأولى» على القطر المصري كله، وحصلت في كلية الطب على أعلى التقديرات «امتياز»، وسافرت مع زوجها الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل أثناء حملها، لدراسة الدكتوراه في الطب في انجلترا، إلى أن حصلت على الزمالة عام 1948، ثم الدكتوراه من جامعة أدنبره بعد ذلك. ثم حصلت على دراسات طبية متخصصة أخرى عام 1962
وكان الشيخ محمد الغزالي كثيرًا ما يقول: الأخت الدكتورة «زهيرة عابدين» هي النموذج المشرف للمسلمة العالمة المعاصرة.
عاشت الشقيقتان نموذجًا مشرفًا بين العلماء والأطباء، وأمارة بارزة في العمل الإسلامي التطوعي من خلال تأسيس ما يزيد على 20 جمعية ودارًا خيرية لرعاية الأيتام والأطفال والطلبة والطالبات والمسنين وتأهيل الفتيات والحضانات والمراكز الثقافية، وحضانات الأطفال ومعظمها من المال الخاص للأسرة…

والدكتورة المتفردة المجاهدة «زهيرة عابدين» هي أول من أسس المدارس الإسلامية للغات حيث أسست مدارس «الكمال»و»طلائع الإسلام» بفروعها المتعددة لتكون محاضن إيمانية للأبناء تربويًا وخلقيًا وإسلاميًا، ولتؤدي رسالة تقول عنها د.زهيرة:» إن إنشاء هذه المدارس رسالة عظيمة أهم عندي من شفاء المريض»..
ولهذا صبرت د. زهيرة على هذه الرحلة المباركة في رعاية هذه المشروعات الرائدة، رغم الصعوبات التي واجهتها والتي وصلت أحيانًا إلى مرحلة الحرب المعلنة.. ولكن «كل ميسر لما خلق له».. وقد خلقت الدكتورة زهيرة عابدين لحب الخير والصلاح والإصلاح، فقد حببها الله إلى الخير وحبب الخير إليها، فكانت مثالاً للعمل الدائب في هذه الميادين جميعًا والتي من أهمها جمعية ومستشفى روماتيزم القلب للأطفال، ومعهد صحة الطفل بوحداته المتعددة، وبيوت الطلبة والطالبات الجامعيين، إلى جانب عملها كأستاذة للطب الوقائي، حيث أسست علم طب المجتمع في الجامعات العربية وتولت عمادة كلية الطب بدولة الإمارات العربية، وطافت معظم بلدان العالم كأستاذة زائرة، وقدمت ما يفوق على المائة وعشرين بحثًا في شتى فروع الطب الوقائي، وحصدت عشرات الجوائز والأوسمة التي تبرعت بقيمتها كلها، حتى اختارتها نقابة الأطباء أمًا مثالية لمائة ألف طبيب مصري، وأنشأت جامعة العلوم الإسلامية الاجتماعية بفرجينيا بأمريكا «كرسيًا» باسمها للدراسات النسوية والإسلامية.
كما تركت شجرتها المباركة فروعا طيبة مثمرة في أبنائها وأولادها العلماء٠٠حيث حصل أبناؤها الأربعة علي درجة الدكتوراة ٠٠وكان كل منهم عالما رمزا في مجاله هم :
أ. د عمر أبو الفضل الأستاذ بكلية الطب جامعة الأزهر
أ.د منى أبو الفضل الأستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة
أ. د عزة أبو الفضل الأستاذ بكلية الطب جامعة بنها
أ. د هدى أبو الفضل الأستاذ بكلية طب القصر العيني، جامعة القاهرة
قال عنهما المفكر الإسلامي د. طه جابر العلواني: هاتان الشقيقتان ظهرتا في ظل ظلمات الاستعمار الذي كاد للمجتمع المسلم، باستخدام المرأة كأهم أداة، وأخطر مدخل لتفكيك الأسرة وتفويض المجتمع، فكانتا ردًا حضاريًا علميًا عمليًا إسلاميًا لتكذيب دعاوى «الغربنة « «والأوربة» «والأمركة» … لترى الدنيا أن المرأة المسلمة الملتزمة بإسلامها وحجابها، لا يمكنها فقط اللحاق بالأوروبية، بل إنها تفوقها وتتفوق عليها في كل المجالات، بل وتتفوق على الكثير من رجال الغرب وزعمائه ،علميا وإنسانيا وأخلاقيا٠

* عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية جمهورية مصر العربية