العلامة الشيخ التهامي بن فليس الباتني

وأنت تتصفح تاريخ علماء الأوراس، تندهش للكم الهائل من العلماء الذين رفعوا راية العلم عاليا، لكن للأسف، يجهل الناس هذا التاريخ الحافل والعطاء الزاخر، الذي بذله -كبار العلماء-، فهو تاريخ جد ناصع مشرف، جمع فيه أصحابه حب الدين والعلم والوطن، فكان من هؤلاء العلماء الكبار، العلامة الشيخ بلقاسم بن فليس، المدعو التهامي، الزيتوني الباتني الجزائري. …

مارس 24, 2025 - 05:45
 0
العلامة الشيخ التهامي بن فليس الباتني

وأنت تتصفح تاريخ علماء الأوراس، تندهش للكم الهائل من العلماء الذين رفعوا راية العلم عاليا، لكن للأسف، يجهل الناس هذا التاريخ الحافل والعطاء الزاخر، الذي بذله -كبار العلماء-، فهو تاريخ جد ناصع مشرف، جمع فيه أصحابه حب الدين والعلم والوطن، فكان من هؤلاء العلماء الكبار، العلامة الشيخ بلقاسم بن فليس، المدعو التهامي، الزيتوني الباتني الجزائري.

المولد والنشأة:
ولد الشيخ العلامة التهامي بن فليس في 14/06/ 1900م بقرية أولاد شليح، ببلدية الشعبة حاليا، قريبا من بلدية باتنة، كانت بداية شيخنا العلامة في كتاب القرية مع القرآن الكريم حيث أتم ختمه صغيرا لا يتجاوز 15 سنة، وكعادة أهل المنطقة كلهم، وكسلفه من المشايخ والعلماء في المنطقة التحق بمدينة سيدي عقبة ليستزيد من العلوم والمعارف الإسلامية المختلفة، من فقه ولغة وفقه وأصول فقه وغير ذلك مما كان معتمدا للتدريس في تلك الزاوية، حيث بقي فيها ردحا من الزمن لغاية سن العشرين 20 سنة.
المسيرة كمجاهد، والرحلة العلمية:
وفي سنة 1920م، وبالضبط أثناء اندلاع الحرب العالمية الأولى وبسبب إجبارية الخدمة الوطنية المفروضة على الجزائريين تم تجنيده مع من ينتمون لدفعته تم أرسال الشيخ لبلاد الشام، وبالضبط سوريا، سنوات 1920م-1921م لأداء الخدمة العسكرية علما أن سوريا وضعتها عصبة الأمم بتاريخ 24/04/1920 تحت إدارة فرنسا بعد أن تم فصلها عن الحكم العثماني وذلك إلى غاية استقلالها في سبتمبر 1941م، ومن بين من كانوا معه في هذا التجنيد من سكان باتنة المرحوم الساسي مغربي و المرحوم معاوي محمد، كما كان معه كذلك الشيخ العلامة عوفي أحمد بن عثمان السلطاني.
لقد كانت محنة الشيخ في التجنيد الإجباري منحة ربانية، فقد كانت سببا في زيارة الشيخ العلامة عددا من مدن سوريا كحلب واللاذقية ودمشق، والتردد على مسجد الأمويين الذي استفاد من الدروس التي كان يلقيها العلماء فيه أيما استفادة…
وبعد انتهاء فترة التجنيد الإجباري، رجع الشيخ لمدينة باتنة، لكن العلم وطلبه كان الشغل الشاغل له، فالتحق سنة 1922م بقسنطينة لفترة لتتبع الدروس التي كان يلقيها العلامة المصلح الشيخ عبد الحميد بن باديس رحمه الله، ثم انتقل بعد تكوين معين من قسنطينة انتقل كعادة الجزائريين إلى جامع الزيتونة المعمور بتونس الشقيقة للاستزادة من العلوم وتكوين العقلية العلمية التي سيرجع بعدها لبلده نافعا بها بني بلده الحبيب، رفقة جمع من العلماء، منهم: العلامة الشيخ عيسى مرزوقي السلطاني النقاوسي، والعلامة الشيخ عوفي أحمد بن عثمان السلطاني، و أيضا أن من بين زملائه في الدراسة الشيخ روابح الطاهر بن سي عبد الرحمن الشليحي الذي كان إماما بشتمة “بسكرة” ثم بباتنة وأيضا الحاج سي إبراهيم بن عبيد والد الحاج بن عبيد مسعود المسؤول الولائي لمنظمة المجاهدين بالأوراس.
قلت: استقر شيخنا الإمام الهمام في تونس بالضبط سنة 1924م بحثا عن المزيد من التحصيل على أيدي علماء أجلاء، فتلقى العلم على يد الشيخ محمد الطاهر بن عاشور والشيخ محمد النخلي، وغيرهم…
الرجوع للجزائر وجهاد الكلمة:
رجع شيخنا التهامي للجزائر واستقر فيها بعد تلقيه المعارف وإجازته من مشايخه بالتدريس، فانتظم الشيخ عضوا في الجمعية الدينية للمسجد العتيق بباتنة، شارك مع إخوانه من خلال هذه المنارة في تغذية العقول وإيقاظ الوعي في الضمائر والقلوب.
ثم انتظم بعد ذلك الشيخ عضوا في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين مع مجموعة من العلماء الذين بذلوا أنفسهم في خدمة الدين والوطن، من بينهم العلامة الشيخ الطاهر مسعودان الحركاتي رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين آنذاك، والشيخ الطيب معاشي والشيخ روابح الطاهر والسيد العوبي الحنفي والسيد المدني خريبت والسيد فاضلي الصالح والسيد شرفة بلقاسم والدكتور السعيد بن خليل والمحامي غريب إبراهيم وآخرين من أفاضل الرجال.
وكان عضوا ناشطا في الجمعية التابعة للمدرسة التي أسستها جمعية العلماء المسلمين بباتنة سنة 1937م التي تقع في شارع محمد الصالح بن عباس حاليا، تحت إشراف الشيخ فضلاء محمد الحسن بن الشيخ السعيد آبهلول وهو من تلاميذة الشيخ عبد الحميد بن باديس.
ومن الجدير بالذكر أن الشيخ أنشأ مدرسة في بيته في ممرات بن فليس، من حر ماله يعلم فيها الناس، وكانت ملاذا للفقراء والمحتاجين والمعوزين، ومن الذين تولوا التدريس فيها الشيخ يكّن محمد الغسيري و الشيخ العربي بن عيسى الملقب بالقمقوم من تيزي وزو و الشاعر الشيخ محمد شبوكي من الشريعة و الشيخ بوتقشيرت السعيد المدعو السعيد البيباني.
الشيخ التهامي وأزمة العلامة عمر دردور، ودخول الشيخ السجن:
في سنة 1938 م، اتهم العلامة الشيخ عمر دردور بتهمة تحريض الجماهير على العصيان المدني من السلطات الاستعمارية الغاشمة، فهب رجال جمعية العلماء والعلماء من المنطقة وغيرها لحضور المحاكمة، فكان من الحاضرين: التهامي بن فليس مع الشيخ خير الدين والشيخ الطاهر مسعودان والشيخ العوفي أحمد بن عثمان وجمع غفير من أعيان وسكان الأوراس المتوافدين من كل أرجاء الولاية، حيث حصل الشيخ عمر على البراءة تحت ضغط الجماهير بعد أن قضى عدة شهور في سجن السلطات الاستعمارية بباتنة.
وفي شهر مايو 1945م اعتقلت السلطات الفرنسية الشيخ بسجن باتنة لعدة شهور مع مجموعة من الغيورين على الوطن بتهمة التشغيب والفوضى، حيث لم تؤثر محنة السجن في عزيمة التهامي بن فليس بل زادته إيمانا بضرورة مواصلة درب الدفع بالتعليم وتشجيعه بإحياء الوطنية في نفوس الجزائريين، تمهيدًا لمواجهة الاحتلال واسترداد السيادة.
ومن المشاريع الأولى التي ساهم فيها بعد السجن الذي تبع حوادث الثامن من ماي 1945م الإسهام مع عدد من المواطنين ورجال الإصلاح في تأسيس مدرسة «النشء الجديد» بباتنة نهج قرين بلقاسم.
وعند اندلاع الثورة المباركة كان التهامي بن فليس من الذين زودوا المجاهدين والثوّار بالسلاح والمال والغذاء والإيواء إذ كانت ضيعته ملجئا للثوار فكان سندا لجيش التحرير الوني في أصعب الأيام وأشدها ضراوة وقسوة.
هذه التحركات الجديدة للتهامي بن فليس أقلقت المستعمرين وأذنابهم من الخونة فراحوا يضايقونه حتى ألقوا القبض عليه في أوائل سنوات الثورة، وخيروه بين أمرين: إما أن يوقف نشاطه الوطني وإما أن يلحق به ما لا تحمد عقباه …ولكن الشيخ رفض الانصياع لما طلبوه منه، وهذا مما اكتسب محبة إخوانه وثقة واحترام قادة الثورة في ناحية باتنة.
وفي بداية الأسبوع الأول من شهر مارس 1957م انقضت قوات الاحتلال على منزله ليلا بهدف اختطافه والتنكيل بأسرته، ولكنه واجههم بشجاعة وقوة وإيمان كبير هو وأسرته، مما أضر جماعة اليد الحمراء هذه إلى إطلاق النار عليه في هذه الليلة المشؤومة ثم الهروب من بعد دون أن يدركوا بأنه لم يصب بطلقاتهم النارية بفضل الله.
وفي التاسع من مارس 1957م أرسل الاستعمار الفرنسي الغاشم فرقة من قواته للقبض عليه مع ابنه الأكبر عمار المدعو الطاهر واقتيدا إلى مكان مجهول بباتنة في البداية لتدبير كيفية التخلص منهما وتم اغتيال الاثنين على يد الجيش الفرنسي بالمكان المشؤوم المدعو: دار بن يعقوب بمدينة بسكرة الأمر الذي لم تتعرف عليه أسرته إلا بعد الاستقلال على إثر شهادة أحد المعتقلين الذي كان معهم في مكان الاعتقال والذي نجا من الاغتيال بأعجوبة بقدرة الله ولم يعثر إطلاقا على جثتيهما ،رحم الله شيخا بواسع رحمة وأجازاه عن الدين والوطن خير الجزاء.