“القانون الأسود”… عار فرنسا وراء البحار

في ماي المنصرم، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، عن رغبته في تقديم مشروع قانون للجمعية الوطنية، يهدف إلى إلغاء “القانون الأسود” رسميا. إعلان بايرو الذي اعتبر حينها “قنبلة أخلاقية” يضع فرنسا مباشرة أمام ماضيها الاستعماري الوسخ، ويكشف عن بقاء هذا العار الإنساني في الأدبيات الفرنسية وسجلاتها ساري المفعول، ويشكل فضيحة حقيقية، كما يضع الإرث الاستعماري كله […] The post “القانون الأسود”… عار فرنسا وراء البحار appeared first on الشروق أونلاين.

أغسطس 11, 2025 - 19:48
 0
“القانون الأسود”… عار فرنسا وراء البحار

في ماي المنصرم، أعلن رئيس الوزراء الفرنسي، عن رغبته في تقديم مشروع قانون للجمعية الوطنية، يهدف إلى إلغاء “القانون الأسود” رسميا. إعلان بايرو الذي اعتبر حينها “قنبلة أخلاقية” يضع فرنسا مباشرة أمام ماضيها الاستعماري الوسخ، ويكشف عن بقاء هذا العار الإنساني في الأدبيات الفرنسية وسجلاتها ساري المفعول، ويشكل فضيحة حقيقية، كما يضع الإرث الاستعماري كله أمام المساءلة التاريخية والقانونية، في مواجهة قوانين حقوق الإنسان.
ورغم الضجة والجدل اللذين أثارهما اكتشاف الفرنسيين للقانون وإسراع بايرو المتحجج بعدم معرفته به وعلمه، سارع إلى الإعلان عن مشروع قانون مستقبلي، فيما لا زال القانون السابق ساري المفعول.
هذا القانون الذي شرّع رسميا العبودية في مستعمرات فرنسا في القرن السابع عشر وتحديدا عام 1685 بأمر من الملك لويس الرابع عشر، مازال ساري المفعول، في بلد الحريات والعدالة والمساواة. وتبرر الدوائر الفرنسية، التي استفاقت بعد كل هذه المدة، رغبتها في القيام بذلك باعتبار الأمر “خطوة رمزية لمعالجة إحدى أكثر الصفحات إيلامًا في التاريخ الفرنسي”.
والواقع أن بايرو لم يتحرك من تلقاء نفسه في هذا الأمر، إنما جاءت تصريحاته ردا على سؤال للنائب لوران بانيفوس، من كتلة “الحرّيات والمستقلين وما وراء البحار والأقاليم، الذي أشار فيه إلى أن هذا المرسوم ما زال قائمًا من الناحية القانونية، رغم إلغاء العبودية عام 1848. بانيفوس قال في سؤاله إن عدم إلغاء هذا القانون “رسميًا يُشكّل فجوة قانونية وتاريخية، وأن بقاءه – ولو شكليًا – يُعد إهانة لذكرى ملايين الضحايا.”
غير أن نية رئيس الوزراء الفرنسي، يراها مؤرخون، محاولة من الدولة الفرنسية للتملص من التزاماتها التاريخية، ولا نية من ورائها في تصحيح إرث العبودية، دون أن تقدم اعتذارها الصريح والتعويضات المادية والمعنوية اللازمة لضحايا هذا القانون، غير الإنساني وغير الأخلاقي، ومراوغة لمطالب الكثير من منظمات حقوق الإنسان، التي تدعو فرنسا إلى مواجهة هذا الماضي بجدية ومسؤولية.
الدكتور جان-فرانسوا نيورت، المؤرخ الفرنسي المتخصص في تاريخ القانون، في تصريحات نشرتها جريدة لوموند، حينها ونقلتها عدة وسائل إعلام، حذّر من أن “الخطوة التي أعلنها رئيس الوزراء الفرنسي، بشأن إلغاء القانون الأسود، قد تتحول إلى إجراء رمزي يُخفي خلفه القضايا الجوهرية المرتبطة بالعدالة التاريخية وتعويضات ضحايا العبودية وضحايا الاستعمار الفرنسي في كل القارات”، مضيفا أن الإلغاء “رغم رمزيته، لا يعالج صلب المشكلة المرتبطة بالإرث الاستعماري لفرنسا ومسؤوليتها التاريخية”.
نيورت، ذهب بعيدا في تفسير هذه الخطوة وربطها بمحمولها الفلسفي الحقيقي فرغم أنه فقد فعاليته القانونية منذ إلغاء العبودية في عام 1848، اعتبر إلغاءه الرسمي اليوم لا يُغيّر من الواقع القانوني، بل هو محاولة لـ”إدارة الرمزية” دون اتخاذ خطوات حقيقية نحو الاعتراف بالجرائم الاستعمارية وتعويض المتضررين منها.
وأضاف “أن الدولة الفرنسية سبق أن ارتكبت فعلًا أكثر خطورة عندما أقرّت عام 1849 قانونًا لتعويض مالكي العبيد عن خسائرهم”، وهو ما اعتبره انقلابًا أخلاقيًا. ونفس الأفعال ارتكبتها فرنسا لاحقا في مواضع أخرى، أكثرها ما ارتبط بقضية الحركى والتعويضات التي يتحصلون عليها، في الوقت الذي ترفض فيه تعويض ضحايا وحشية جيشها وبربريته وضحايا التجارب النووية في الجزائر والاعتذار عن جرائمها.
فرنسا وفي مسعى لإخفاء تاريخها الإجرامي، عبرت عن نيتها في إلغاء القانون الأسود، لكنها لم تدرج قانونا آخر يضعها أمام مسؤولياتها التاريخية – وهو قانون “تاوبيرا” الصادر عام 2001، والذي يعترف بالعبودية كجريمة ضد الإنسانية- ضمن النصوص الدستورية. فيكون بذلك منفذا للتعويض والاعتذار، لا ستارا لحجب المطالبة بالتعويضات، وربح المزيد من الوقت على حساب آلام الشعوب المستعمرة والمستعبدة.

شاهد المحتوى كاملا على الشروق أونلاين

The post “القانون الأسود”… عار فرنسا وراء البحار appeared first on الشروق أونلاين.