المغرب: السلطة تحاصر المجتمع المدني وتحصن الفساد تحت غطاء القانون

الرباط - انتقدت العديد من الهيئات الحقوقية والمدنية في المغرب توجهات حكومة المخزن التي تكشف عن رغبة في كبح دور المجتمع المدني وحرمانه من أدوات مواجهة الفساد في وقت تتصاعد فيه المؤشرات عن تفشي هذه الآفة وتواطؤ سياسيين ومسؤولين في تكريسها. وفي ندوة نظمت اليوم الأربعاء لتقديم مذكرة المبادرة المدنية للتصدي لتعديلات المادتين 3 و7 المقيدتين لحق المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد, أكد المتدخلون على ضرورة إسقاط هذه التعديلات التي تضرب في العمق مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة, مشددين على أن تمريرها يعني تكريس الحصانة لناهبي المال العام وتجريد المجتمع المدني من آخر أدوات الرقابة والفضح. وفي مداخلة له, انتقد أحمد البرنوصي, الكاتب العام السابق لمنظمة "ترانسبرانسي المغرب", تبريرات وزير العدل الذي قال إن بعض الجمعيات "تمارس الابتزاز", مؤكدا أن القانون الجنائي يتكفل بمعاقبة كل من يثبت تورطه في القذف أو الوشاية الكاذبة أو الابتزاز وأن تعميم الاتهام على الجميع لا يبرر نسف الدور الرقابي للمجتمع المدني. من جهته, شدد سعد الطاوجني, الكاتب العام لذات المنظمة, على أن وزير العدل يسعى من خلال هذه التعديلات إلى حماية عشرات المنتخبين المتورطين في قضايا الفساد المالي, مضيفا أن التعديلات تمنع حتى الوكيل العام من التدخل, وهو ما يعد - كما قال- "ضربا مباشرا لمبدأ استقلالية القضاء". وفي السياق ذاته, أشار الخبير الاقتصادي والحقوقي، عز الدين أقصبي, إلى أن التعديلات تمثل "تراجعا خطيرا" عن الحد الأدنى الذي جاء به دستور 2011 وتكشف أن "الدولة غير قادرة أو غير راغبة" في احترام الالتزامات الدستورية المتعلقة بدور المجتمع المدني ومكافحة الفساد, مؤكدا أن استمرار التعديلات بصيغتها الحالية دون مراجعة من المحكمة الدستورية هو في حد ذاته "قرار سياسي ضد منطق الإصلاح". أما محمد النويني, رئيس "الفضاء المغربي لحقوق الإنسان", فقد شدد على أن المادتين 3 و7 تنتهكان مبدأ التشاركية وتقيدان بشكل غير دستوري صلاحيات الجمعيات والنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في قضايا الأموال العامة, مضيفا أن مشروع التعديل "لا يخرق الدستور في هاتين المادتين فقط, بل يشمل مواد أخرى تمس الحق في الخصوصية وتهمش دور الدفاع وتكرس تغول الأجهزة الأمنية". واتفق عدة متدخلين على أن الدافع الحقيقي لهذه التعديلات هو الخوف من فقدان "خزانات انتخابية", حيث صرح وزير العدل أن "فضح الفاسدين من قبل الجمعيات سيجعل الأحزاب عاجزة عن إيجاد مرشحين للانتخابات", وهو ما كشف بشكل صارخ طبيعة مشروع التعديل وأهدافه غير المعلنة. كما أكدت على أن ما يجري اليوم "لا يعكس فقط نية في تغليف الفساد بغطاء رسمي, بل يكشف إرادة واضحة لتكميم الأصوات الحرة وخلق واقع قانوني على المقاس لا يخدم سوى مصالح لوبيات المال والسياسة المتورطة في نهب المال العام".

يونيو 25, 2025 - 21:42
 0
المغرب: السلطة تحاصر المجتمع المدني وتحصن الفساد تحت غطاء القانون

الرباط - انتقدت العديد من الهيئات الحقوقية والمدنية في المغرب توجهات حكومة المخزن التي تكشف عن رغبة في كبح دور المجتمع المدني وحرمانه من أدوات مواجهة الفساد في وقت تتصاعد فيه المؤشرات عن تفشي هذه الآفة وتواطؤ سياسيين ومسؤولين في تكريسها.

وفي ندوة نظمت اليوم الأربعاء لتقديم مذكرة المبادرة المدنية للتصدي لتعديلات المادتين 3 و7 المقيدتين لحق المجتمع المدني في التبليغ عن جرائم الفساد, أكد المتدخلون على ضرورة إسقاط هذه التعديلات التي تضرب في العمق مبادئ الشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة, مشددين على أن تمريرها يعني تكريس الحصانة لناهبي المال العام وتجريد المجتمع المدني من آخر أدوات الرقابة والفضح.

وفي مداخلة له, انتقد أحمد البرنوصي, الكاتب العام السابق لمنظمة "ترانسبرانسي المغرب", تبريرات وزير العدل الذي قال إن بعض الجمعيات "تمارس الابتزاز", مؤكدا أن القانون الجنائي يتكفل بمعاقبة كل من يثبت تورطه في القذف أو الوشاية الكاذبة أو الابتزاز وأن تعميم الاتهام على الجميع لا يبرر نسف الدور الرقابي للمجتمع المدني.

من جهته, شدد سعد الطاوجني, الكاتب العام لذات المنظمة, على أن وزير العدل يسعى من خلال هذه التعديلات إلى حماية عشرات المنتخبين المتورطين في قضايا الفساد المالي, مضيفا أن التعديلات تمنع حتى الوكيل العام من التدخل, وهو ما يعد - كما قال- "ضربا مباشرا لمبدأ استقلالية القضاء".

وفي السياق ذاته, أشار الخبير الاقتصادي والحقوقي، عز الدين أقصبي, إلى أن التعديلات تمثل "تراجعا خطيرا" عن الحد الأدنى الذي جاء به دستور 2011 وتكشف أن "الدولة غير قادرة أو غير راغبة" في احترام الالتزامات الدستورية المتعلقة بدور المجتمع المدني ومكافحة الفساد, مؤكدا أن استمرار التعديلات بصيغتها الحالية دون مراجعة من المحكمة الدستورية هو في حد ذاته "قرار سياسي ضد منطق الإصلاح".

أما محمد النويني, رئيس "الفضاء المغربي لحقوق الإنسان", فقد شدد على أن المادتين 3 و7 تنتهكان مبدأ التشاركية وتقيدان بشكل غير دستوري صلاحيات الجمعيات والنيابة العامة في تحريك الدعوى العمومية في قضايا الأموال العامة, مضيفا أن مشروع التعديل "لا يخرق الدستور في هاتين المادتين فقط, بل يشمل مواد أخرى تمس الحق في الخصوصية وتهمش دور الدفاع وتكرس تغول الأجهزة الأمنية".

واتفق عدة متدخلين على أن الدافع الحقيقي لهذه التعديلات هو الخوف من فقدان "خزانات انتخابية", حيث صرح وزير العدل أن "فضح الفاسدين من قبل الجمعيات سيجعل الأحزاب عاجزة عن إيجاد مرشحين للانتخابات", وهو ما كشف بشكل صارخ طبيعة مشروع التعديل وأهدافه غير المعلنة.

كما أكدت على أن ما يجري اليوم "لا يعكس فقط نية في تغليف الفساد بغطاء رسمي, بل يكشف إرادة واضحة لتكميم الأصوات الحرة وخلق واقع قانوني على المقاس لا يخدم سوى مصالح لوبيات المال والسياسة المتورطة في نهب المال العام".